ثقافة الحوار في مؤسساتنا التربوية مطلب وطموح

يتعزز اليوم، أكثر من أي وقت مضى، الشعور بضرورة دفع الحوار بين المجتمعات والثقافات نحو تحقيق الأهداف الإنسانية، فلا يمكن تصور أي تعاون أو أي حوار حقيقي بين الحضارات والثقافات في عالم يتغير باستمرار دون الإقرار بمبدأ التنوع الثقافي، ومن ثم فلا بديل عن التربية على الحوار واحترام التنوع الثقافي وصونه، باعتباره سبيلاً للتعايش بين البشر. كما يقاس تطور المجتمعات الإنسانية بمدى قدرتها على الحوار للوصول الى الحلول الناجعة لمشكلاتها، بالإضافة ما تمتلكه من تطور في المجالات الحضارية المختلفة.

إن الحوار الهادف القائم على الأساليب التربوية الجيدة مطلب ضروري في هذه الحياة التي كثرت فيها المشاكل المختلفة، فكانت عاملاً رئيسياً في انتشار الكثير من الأمراض النفسية والعضوية التي أثقلت كوادر الأفراد والأسر والمجتمعات، فنحن بحاجة الى ذلك الحوار الجيد الذي يقوم على أساليب تربوية ناجحة كالنضج والتوجيه والكلمة الطيبة، أو الإشادة بالسلوك الجيد والترغيب فيه، والحث عليه وتصحيح المفاهيم الخاطئة.

وتزداد أهمية الحوار في ظل تعدد الثقافات وتنوع وسائل الاتصال واتساعها، ولا شك إن القدرة على الحوار هو سر بقاء الثقافات وانتشارها في العالم المتحضر.

هنا فإنه من الضروري أن نتحدث في ظل الظروف التي نعيشها اليوم عن دور الحوار والإعلام التربوي الهادف الذي يخاطب الفئات العريضة من مجتمع التربية بكل شرائحه من إداريين ومعلمين وطلاب وأولياء أمور لنصل الى أعلى أشكال الحوار والخطابة وحضور العقل، كون مهارة الحوار تعد من أهم المهارات التي بدونها يفشل الانسان في التواصل الإيجابي مع الآخرين، وفي تبادل الأفكار معهم، وتقوية الروابط الاجتماعية بهم والاستفادة مما لديهم.

وتأكيداً على أن ثقافة الحوار وممارسته في البيئة المدرسية مطلب تربوي فقد أولى القرآن الكريم الحوار أهمية بالغة في المواقف التربوية، وجعله وسيلة لتوجيه الناس وإرشادهم وجذب عقولهم.

والمدرسة هي إحدى المؤسسات الأولى التي تسهم مع الأسرة في إعداد وبناء الأفراد وتربيتهم وتعليمهم، وباستخدام إدارة المدرسة والمعلمين فيها أسلوب الحوار التربوي في العملية التربوية والتعليمية فإن ذلك يسهم بشكل فاعل في نشر ثقافة الحوار وترسيخ آدابه في نفوس الطلاب وتحقيق العديد من الأهداف التربوية المنشودة، والحوار التربوي يمتلك العديد من الفوائد أهمها، تشجيع الطلاب على المشاركة الإيجابية في عملية التعلم، ويسهم في حل المشكلات الطلابية عن طريق طرح المشكلات في صورة أسئلة ودعوتهم للتفكير في اقتراح الحلول لها مع تكوين شخصية سويّة للطالب تجعله يعتمد على نفسه في التعبير عن آرائه وأفكاره واكتساب مهارات الاتصال والتواصل والتفاعل مع الآخرين، وتوثيق الصلة بين المعلم وطلابه، لان الحوار يعتمد على احترام وتقدير كل طرف للآخر، كما يشجع الطلاب على الجرأة في إبداء الرأي مهما كانت نوعيته وزيادة تفاعلهم في المؤسسة التربوية.

ولكي نصل بطلابنا الى مستويات متقدمة في الحوار فإنه ينبغي علينا كمربيين، تدريب طلابنا على ممارسة الحوار بآدابه وأساليبه المختلفة. ومن أهم تلك الأساليب القدرة الحوارية وتمثيل الأدوار وإثارة التساؤلات وإقامة الدورات التدريبية التي تعد من أهم الأساليب الفاعلة في تدريب الطلاب على الحوار، وخصوصاً عندما يقدمها مدربون أو معلمون متخصصون ومؤهلون.

وفي إطار ذلك ولكي يكون الحوار ناجحاً ومفيداً لا بد من أن تتوافر به شروط وآداب منها، حسن النية واحترام الآخر وتقديره والبعد عن الانفعال والتعصب، لأن الحوار يعد من أفضل الوسائل لتربية الأبناء في المجتمع.

وبهذا يعد الحوار نقطة الالتقاء الذي يجتمع حوله الرؤى والتطلعات، وحجر الزاوية للارتقاء بقيم التفاهم والتعايش السلمي والتسامح، وهو أيضاً أفضل السبل لتقليل فرص الاختلاف وسوء الفهم، والطريق السليم الى تعزيز واكتشاف إمكانيات التعاون وتبادل الخبرات والتجارب والعمل المشترك، وإيجاد مساحات واسعة من أجل النقد وتقبله وتصحيح مسار العمل.

إن الحوار والتواصل له أهمية كبيرة في بناء نهج تعليمي واضح وتحقيق غايات تعليمية سامية هدفها بناء الانسان ودور التعليم في بناء الشخصية الإنسانية، فإنه من الأهمية الإشارة الى تعدد وتنوع وسائل الاتصال والحوار ووجود أدوات اتصال سريعة سهلت من سرعة التواصل التربوي وأسهمت في إيجاد مجتمع تربوي متفاعل، كما ساهمت في تعزيز الشراكة المجتمعية في التعليم، ومع ذلك يبقى الحوار وفهم الآخر هو العامل الرئيسي في إزالة أي إشكالية قد تحدث في فهم عملية التفاعل المطلوبة بين عناصر المنظومة التعليمية المختلفة، ليكون الحوار محور الاهتمام ونقطة الانطلاق نحو منظومة تعليمية تسعى لتحقيق الجودة والفاعلية وترسيخ مبادئ وقيم العلم والعمل والإنتاج.

ومن هنا يبرز دور وزارة التربية والمؤسسات التربوية في تبني الإعلام التربوي الذي ينسجم مع مجمل التحديات التي تواجه مجتمعنا العربي في عصر العولمة، خاصة ونحن نعيش قرن التحدي والمهارات، ذلك أن العملية الإعلامية في بعض جوانبها عملية تربوية، والعملية التربوية في بعض جوانبها عملية إعلامية، وبالتالي فإن التربية عملية تأثير وتفاعل وتوجيه الأفراد بشكل يتماشى مع القيم والمبادئ والمحافظة على ثقافة المجتمع وشخصيته بدلاً من أن تذوب في الثقافات المستوردة.

في إطار ذلك يمكن القول بأن الحوار هو الوسيلة المثلى لاستيعاب الخلاف بين الافراد مهما كانت معتقداتهم وديانتهم، وهو أيضاً وسيلة للالتقاء لا غنى عنها، ووسيلة للتعاون والتنسيق بين الجهود المفرقة والطاقات المتبعثرة، ويسهم في تنمية المعرفة وتنقيتها وتحقيق التعايش السلمي بين الأمم والشعوب.

وأختم مقالتي بالقول إن غرس ثقافة الحوار في نفوس طلابنا وممارسته في البيئة المدرسية مطلب تربوي وتزداد حاجتهم الى الحوار في ظل المتغيرات الدولية والعالمية التي نوعت أساليب الحصول على المعارف والمعلومات والأفكار، وأن غياب الحوار عن مدارسنا ومؤسساتنا التربوية سيؤدي الى كبت أفكار الطلاب وهمومهم وطغيان الأنانية ومحدودية رؤيتهم للأمور والأحداث من حولهم، لذا يجب تفعيل دور المؤسسات التربية في مجتمعنا بكافة مستوياتها وأركانها لتكون آداه فاعلة وجسر تواصل بين المجتمع والتعليم من جهة وبين مؤسسات التعليم من جهة أخرى لتعزز من مستوى التكامل والتعاون وتعمل على تكوين حلقات ربط قائمة على الشراكة بين البيت والاسرة والمدرسة والجامعة، كون الحوار يعتبر من الأساليب التربوية التي استخدمها الإسلام في تربية العقل الإنساني والتفكير السليم وتحرير العقل من الخرافات والأوهام وتحرير الانسان من الظلم.

* أكاديمي وباحث سوري

إقرأ أيضا