سلوم يطلق عبر (العالم الجديد) تحالفا عالميا للضحايا

دعا سعد سلوم الناشط والاكاديمي وعضو المجلس العراقي لحوار الاديان الى إطلاق تحالف دولي جديد، بمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لإبادة الارمن، مقترحا اطلاق “تحالف الضحايا العالمي: تحالف من اجل عدالة دائمة”، كتسمية لهذا الاطار.

 

وأوضح سلوم في حديث لـ”العالم الجديد” أمس الاثنين، ان “التحالف سوف يكون غير رسمي، ويقوده مثقفون وناشطون مدنيون ورجال دين، كي يتبلور في مواجهة المصالح الدولية ونخب البزنس الإثنوطائفي، إنه تحالف يقوم على خطوات عملية تمكن اعضاءه من العمل على ثلاث مخرجات مهمة هي: تمكين المجتمع الدولي من اتخاذ خطوات عملية لتحسين رد الفعل على الإبادة الجماعية المقبلة، ثانيا: توفير محاكمات دولية رمزية للجناة سواء كانوا افرادا او حكومات، ثالثا: فضح طبيعة وآليات استثمار الضحايا لتغذية مصالح النخب السياسية التي تتاجر بالكراهية.

 

 

أهمية الدعوة لتحالف عابر للحدود

 

وبين سلوم أن “أهمية الدعوة الى هذا التحالف العالمي في هذا الوقت بالذات، بعد ان أثبتت احداث العنف والتطهير العرقي في العراق منذ العام 2003 وصولا الى لحظة الابادة الراهنة، وقبلها في يوغوسلافيا ورواندا وتيمور الشرقية ودارفور كيف ان تهديد الإبادة الجماعية لا يزال قضية رئيسية في السياسة العالمية”.

 

وأضاف “بدأت الدعوة لهذا التحالف خلال مشاركتي في مؤتمر (تحت قدمي ارارات) الذي عقد في العاصمة الارمنية (يريفان)، واطلاق الدعوة في وسائل الاعلام الارمنية، ثم تكرار الدعوة خلال استضافتي في كرسي اليونسكو لحوار الاديان في جامعة الكوفة مع حضور وفد أرمني رفيع برئاسة المطران (أفاك اسادوريان) رئيس طائفة الارمن الارثذوكس في العراق”، لافتا الى أن “فكرة تحويل احياء الذكرى المئوية لابادة الارمن الى مناسبة لتحليل آليات التلاعب بالذاكرة من اجل فهم كيفية تفجر نوبات التطهير العرقي والقتل الجماعي في العراق، والتي لن تتوقف، أثارت حراكا ثقافيا وفكريا، قد يمنع وقوع مثيلاتها في المستقبل، الامر الذي يتطلب الى مراجعات واصلاحات في طرق التفكير السائدة حول فهم النزاع الاثني في العراق، كما الى اصلاح المناهج التعليمية”.

 

وفي تاريخ 24 نيسان ابريل الماضي، خرجت التظاهرة الاولى التي نظمها الارمن الأرثذوكس في العراق أمام السفارة التركية للمطالبة باعتراف الحكومة التركية بجريمة الابادة التي راح ضحيتها مليون ونصف المليون.

 

وركز سلوم العضو في لجنة احياء الذكرى المئوية للابادة الارمنية في العراق على جوانب اساسية في الاحتفال بالذكرى المئوية كان يراها ذات صلة بما يحدث في العراق، ما جعل لقيمة التذكر معنى داخل السياق المحلي العراقي ايضا حسب قوله.

 

وبين خلال حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “إطلاق الدعوة لتشكيل تحالف الضحايا عابر الحدود ينطلق من إحياء الذكرى المئوية من جهة، ومن ارض العراق بالذات، حيث يتراكم تجري مذابح يومية وسط صمت اقليمي ودولي من جهة، ومتاجرة نخب بزنس اثنوطائفي من جهة اخرى، بدماء الضحايا وعلى نحو يهدد البلاد بالانقسام والتفكك ودورات من العنف المتكرر”.

 

 

تحالف الضحايا في مقابل تحالف المصالح

 

التحالف العالمي الجديد الذي يقترحه سلوم يقوم في مقابل (تحالف الصمت والنسيان) حسب وصفه للدبلوماسية الدولية حول الجرائم التي ترتكب منذ قرن مضى، و بالرغم من ان الحراك الدولي للاعتراف بالإبادة الجماعية مختلف في هذا العام عما سبقه من الاعوام، لاسيما بعد وصف البابا، ما حدث للأرمن على يد الدولة التركية بـ”الابادة”، تبعه اعتراف الاتحاد الاوروبي بالابادة، واعتراف الرئيس الالماني ودول اوروبية عديدة، الا ان سلوم يرى أن مثل هذا الحراك مهم على صعيد رمزي وللضغط على الجانب التركي، لكنه ابدى شكه في اهمية مثل هذا الاعتراف دون وجود هياكل دولية مناسبة تحول هذا الاعتراف الى قوة لمنع الابادات المقبلة.

 

وقال سلوم “من متابعة التاريخ أصبح لدي شك في نوايا الدول الكبرى وفعالياتها، وقد تستخدم ذكرى الضحايا في النهاية كورقة ضغط لتقوية موقفها التفاوضي مع تركيا حول قضايا ليست لها صلة مباشرة بالكرامة الانسانية للضحايا وحقوقهم، بقدر ما تستخدم خدمة لمصالح هذه الدول”.

 

وسرد سلوم بعض الامثلة لتوضيح فكرته، إذ “نجح السفير الألماني في تركيا في ان يقنع حكومته بالوقوف الى جانب حكومة الاتحاد للاستفادة من مقتل الارمن الى صحراء العراق لتؤمن الحكومة الألمانية اليد العاملة مجانا من اجل تنفيذ مشروع سكة حديد بين بغداد واسطنبول، بل وجد جنود ألمان في القرى التركية شاركوا في ابادة الارمن وتجارة السبايا الارمنيات آنذاك! اما بريطانيا فقد باعت الارمن مقابل مصالحها في قبرص”.

 

وحتى الاميركيون في نظره، ليسوا اهلا للثقة في هذا السياق، إذ يقول “الأميركيون الذين قادوا محاكمات نورمبرغ ضد الاباديين النازيين لم يقوموا بالتصديق على الاتفاق الدولي حول منع جرائم ابادة الاجناس حتى بعدما يقرب من 40 عاما، ولم تحرك الولايات المتحدة ساكنا لمنع ابادات جديدة، وتخلوا عن وعودهم بالاعتراف بالابادة، مثل السيناتور اوباما الذي حصل على دعم الجالية الارمنية الضخمة في الولايات المتحدة مقابل الاعتراف، لكنه سرعان ما تخلى عن ذلك حينما وصل الى السلطة، ويتجنب الى اليوم ان يذكر مصطلح الابادة في خطابه”.

 

وفي سياق ربط ذلك بالوضع في العراق أوضح سلوم انه “حتى عندما تتحرك الولايات المتحدة حينما تحصل ابادات لا تفعل شيئا فعليا على ارض الواقع، لنتذكر في هذا السياق خطاب “اوباما” الانقاذي للتدخل لمنع الابادة في العراق، استحضر صورة النائبة الايزيدية “فيان دخيل” التي اثار بكاءها الشهامة الاميركية، ولكن عمليا لم يجر تدخل فعلي لانقاذ الايزيديات المختطفات لحد هذه اللحظة”.

 

وأضاف “اما الفرنسيون اصحاب مبادئ الاخاء والمساواة فقد زودوا الإباديين في راوندا بالاسلحة، وبذلك لم يكن ذبح مليون من التوتسي على يد الهوتو في عام 1994 الا رمزا لعجز المجتمع الدولي في مواجهة فظائع حقوق الإنسان فحسب، بل كانت هناك قوى دولية مساهمة في الابادة، اذ ان فرنسا قدمت سرا الدعم العسكري والمالي والدبلوماسي لمرتكبي الإبادة الجماعية طوال الوقت، وكانت حريصة على نفوذها في أفريقيا، حتى لو كان ذلك يعني التواطؤ في الإبادة الجماعية”.

 

 

فقدان الثقة بالهياكل الرسمية للمجتمع الدولي

 

رأى سلوم في هذا العجز الدولي دافعا لتحريك قنوات أخرى عابرة للحدود، إذ يقول “بعد احتلال الموصل من قبل مافيا داعش الدولية، ظل الشلل الشامل لوقف المذابح في العراق مثيرا للغضب، وكتبت انذاك دعوة للتدخل منطلقا من التفكير في ما حدث في راوندا، هل سينتظرون مليون ضحية لكي يتم التدخل؟”.

 

وأضاف “لقد قرأنا في هذا الموقف السلبي قصة اخرى طالما تكررت لسلبية القوى المتحكمة بالنظام الدولي التي لا تتدخل الا فيما يخص تهديد مصالحها، بل تولد لدي شك في التواطؤ من خلال تسهيل فتح الحدود لتسهيل هجرة المتطرفين للقتال في العراق وسوريا، لقد كانت هذه فرصة لكي تتخلص دول الغرب من المتطرفين الاسلاميين، ولكي تتخلص القوى الاقليمية التي عملت كقوى مضادة لثورة الربيع العربي، ولكي تبقى بمنأى عنها من استغلال الحدث بما يخدم مصالحها، كان هذا فعلا مساهما في الجريمة”.

 

أما الامم المتحدة، فقد كان ما حصل كاشفا للمرة الالف عن عجزها وعدم قدرتها على التعلم من الماضي، اذ بالرغم من ان الأمين العام للامم المتحدة السابق “كوفي عنان” في عام 2004 قدم خطوطا عريضة لخطة لمنع الإبادة الجماعية، شملت إنشاء منصب المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية الذي تشتمل ولايته على أن يعمل بمثابة آلية للإنذار المبكر فيما يتعلق بالحالات التي يمكن أن تنجم عنها إبادة جماعية جمع المعلومات المتاحة، ولكي يقوم بدور آلية للإنذار المبكر للأمين العام، ومن خلاله لمجلس الأمن، بتوجيه اهتمام أعضائه إلى الحالات التي يحتمل أن تسفر عن حدوث إبادة جماعية، على حد تعبير سلوم.

 

وتابع “لكنه في الحالة العراقية لم يحذر من الابادة ولم يتخذ بعدها ردا لوقفها، كما لم يزر العراق ايضا او يقدم تقريرا حول ما حصل من فظاعات، واستطيع ان اقول بكل وضوح ان مهمة المستشار الخاص المعني بمنع الإبادة الجماعية كانت لا تحتاج الى جهد او معجزة، فقد كان بامكانه ان يجمع قائمة بعلامات الإنذار التي تشير إلى تعرض المجتمع العراقي بكافة اطيافه لخطر الإبادة الجماعية والفظائع المشابهة، لكن عمله ظل مثالا لفشل مريع وفاضح للامم المتحدة التي لم تنجح كمنظمة عالمية ولحد هذه اللحظة في اثبات فعاليتها او جدواها”.

 

 

ما العمل؟

 

إطلاق تحالف العدالة الدولي: تحالف الضحايا العالمي

 

واذا كان سلوم يقدم هذه الصورة عن فشل المؤسسات الرسمية الدولية وعدم الثقة بالدبلوماسية الدولية التي تتجنب المواجهة الصريحة عدا ما يمثل مصالحها الضيقة، فإنه يدعو الى تشكل لوبي عالمي للضغط من اجل الاعتراف الذي يحمل اثارا رمزية تتعلق بشفاء الذاكرة الجريحة اكثر من مردوداتها على صعيد القانون الدولي. وان يعمل هذا اللوبي لتمكين المجتمع الدولي من اتخاذ خطوات عملية لتحسين رد الفعل على الإبادة الجماعية المقبلة مع توفير محاكمات دولية رمزية للجناة سواء كانوا افرادا او حكومات على غرار محكمة الشعوب الدائمة، والتحرك لفضح طبيعة وآليات استثمار الضحايا لتغذية مصالح النخب السياسية التي تتاجر بالكراهية.

 

وأشار الناشط البارز في حقوق الأقليات الدينية، الى أن “النجاحات المتحققة لحد الان كانت بفضل عمل ناشطين دوليين ومنظمات غير حكومية تثير قضايا الابادات امام المحافل الدولية، وهو ما يتطابق مع اهدافها الانسانية، وهي افضل من يتعامل مع هذا التحدي على اساس العدل ومبادئ القانون الدولي وحقوق الانسان، في مواجهة دول كانت تتجنب او تشارك او تصمت في احسن الاحوال حماية لمصالحها لما يحصل من ابادات”.

 

وفي هذا السياق دعا سلوم اصدقاءه وزملاءه من الارمن والايزيديين والشبك وسائر الاقليات التي تعرضت للإبادة، للمساهمة في إطلاق تحالف الضحايا في مواجهة قوى الإنكار والمصالح الدولية والنخب الاثنوطائفية (شركاء الابادة).

 

كما أشاد بجهود مهمة لكنه تخوف من ضياعها وتشتيتها دون انتظامها في تحالف أكبر، مشيرا بشكل خاص لتجمع “حشد” او حملة شعبية ووطنية لإدراج تفجيرات العراق على لائحة جرائم الإبادة الجماعية، التي يرى ان عملها في اطار لوبي دولي سيكون اكثر تأثيرا وفعالية، فمن المهم ان لا يقتصر عملها على طابع محلي يركز على السياق العراقي فحسب، او من خلال مقارنته بما حصل في ارمينيا او راوندا، بل من افضل السبل ان ينضم عمله في اطاره تحالف الضحايا العالمي.

 

 

مواجهة قوى الماضي

 

ولشرح فلسفة تحالف الضحايا العالمي أوضح سلوم أن من المهم ادراك فكرة ان عمل التحالف بقدر محاولته فهم قوى الماضي، الا أنه لا يتمحور حوله بقدر ما يهدف الى إثارة سؤال مستقبلي حول كيفية منع الابادة المقبل.

 

فالتحالف يطرح استراتيجية في سياق التحرر من الماضي، إذ قال سلوم “أعتقد أولا أن علينا عدم التركيز كثيرا على الماضي؛ وان نبقى أسرى الى رماده، بقدر ما نحلل قوى الواقع في الحاضر والتي تعيد انتاج اخطاء الماضي وفظاعاته، ومن ثم ننتقل الى تحليل كيفية استخدام هذا الماضي وكيف يتم تصوره. مثل هذا التحليل كفيل بكشف الهياكل المعرفية للسلطة وكيفية استخدام النخب السياسية “سماسرة الهوية” الماضي خدمة لإغراضهم”.

 

وأضاف انه من خلال ذلك نستطيع إلقاء ضوء على فهمنا المعاصر للهوية والعدالة والتعايش بين الأعراق، وهو ما يشكل بالنسبة للعراق وسكان المنطقة بشكل عام سؤالا جوهريا يتعلق بمستقبل بلداننا في ضوء انفراط التعددية وتصدع العلاقة بين الدولة والمجتمع، وسيرورات الابادة المرتسمة في العراق وسوريا، وما سيتبعها من إبادات في جميع دول المنطقة التعددية بما فيها دول الخليج نتيجة فقدان الثقة بين الجماعات الاثنية”.

 

 

التلاعب بالذاكرة: أشباح التاريخ وتوظيفه

 

وبتحليل أعمق تحدث سلوم لـ”العالم الجديد” عن “ارتباط المشاعر البدائية العدائية منطلقة العنان بطرق التلاعب بالذاكرة، وخلق مستويات او مظلوميات، مشكلة من ذكريات الآلم او الظلم الحقيقي أو الوهمي استثمارا لسياسات سماسرة الهوية المعاصرين ونخب البزنس الاثنوطائفي، وعلى نحو يحفز أتباعهم على القتل لتحقيق مكاسب سياسية ومصالح ضيقة”.

 

لذا أكد سلوم على أن “التحالف يجب ان يتبلور في مواجهة أي تلاعب سياسي بالذاكرة، فأن يكون أكثر من 60 مليون شخص ضحايا الإبادة الجماعية في القرن العشرين وحده، بما في ذلك الخسائر الأخيرة في البوسنة ورواندا، وبمعزل عن ضحايا دارفور والعراق، فذلك يستحق منا وقفة لمنع تكرار هذا العنف عن طريق رفض اية سياسة لتأويل الماضي تفتح الطريق امام التصنيف والتمييز، ومن ثم المناخ الملائم لارتكاب الابادة”.

 

 

مخاوف وآمال: هل سيبقى العراق في دائرة العنف المقفلة؟

 

أكد سلوم في نهاية حواره مع “العالم الجديد” على أن “وضع الذكرى المئوية لابادة الأرمن في اطارها الانساني المناسب للتصدي للفشل الدولي المتواصل في منع الابادة من خلال اطلاق تحالف الضحايا العالمي سيكون خطوة اولى لتكريم الضحايا ويؤسس اطارا غير رسمي ومخلص يتجاوز اخفاقات فشل القادة الدوليين لوقف الإبادة الجماعية المروعة في البوسنة ورواندا ودارفور وسنجار وما سيتبعها في الدول المجاورة”.

 

وحذر سلوم من ان “مآل التطورات التي تجري الان على ارض العراق، وتخطيط الدبلوماسية الدولية لتقسيم العراق من خلال جره الى حرب طوائف شاملة عبر تسليح المكونات وعسكرة الطوائف، بحيث اصبح لكل جماعة اثنية مهما كان حجمها العددي جيش خاص او ميليشيا او قوات حماية سوف يمضي بنا الى ابادات تتناسل ودورات عنف تتجدد، وهو ما يرسم مخاوف من مشهد الابادة المقبلة”.

 

لذا اختتم سلوم حواره مع “العالم الجديد” بالقول “سوف يشكل اطلاق تحالف الضحايا العالمي محاولة للوقوف بوجه هذه المخططات، والتصدي لتجار الكراهيات من نخب البزنس الاثنوطائفي الذين يعدون رعاة للهويات القاتلة ومستثمرين في العنف الذي سينتج المزيد من الضحايا في قابل الايام”.

 

إقرأ أيضا