الموصل.. لماذا لم تتظاهر؟

لستُ انا من يسأل انما هي صديقة عراقية \”فيسبوكية\” تقيم في لندن، ردا على تعليق لي نشرته احتجاجا على الوضع المزري في مدينة الموصل.

قبل ان اجيب، احيي كل من تظاهر او دعم التظاهرات المطالبة بإلغاء الرواتب التقاعدية لأعضاء مجلس \”النوام\”، لان التحرك الأخير هذا أعطى اشارة قوية الى ان التيار المدني بدأ يتمحور حول مشروع اكثر وضوحا من ذي قبل من شأنه انقاذ بغداد والبلد كله من كارثة الفساد وهيمنة الاحزاب الدينية على اختلاف مذاهبها، اذن الأعين مصوبة الآن نحو بغداد حيث مركز النشاط المدني والديني على السواء.

اما الاجابة عن السؤال المتعلق بالموصل، فلا بد من توضيح أن هذه المدينة شهدت وقفة احتجاجية نظمها المحامون بالتنسيق مع زملائهم في المدن العراقية الاخرى قبل انطلاق التظاهرة بيومين، وان كان العدد متواضعا، إلا انها تأتي في مضمار \”تسجيل حضور\” في قائمة المدن الرافضة لسرقة اموال الشعب (عيني عينك).

وفي اليوم الموعود لخروج التظاهرات، لم تتخلف الموصل، فقد تقدم عدد من الناشطين المدنيين بطلب رخصة لتنظيم تظاهرة الى محافظ نينوى اثيل النجيفي وحصلت الموافقة بشرط الابتعاد عن مقار المحافظة خشية تكرار ما حدث في شباط 2010 عندما احرق محتجون غاضبون ديوان المحافظة.

لكن الامر ليس بهذه البساطة فقط تطلب موافقة قيادة العمليات ايضا، وهذا محال، لذا ارتأى الناشطون الخروج في تظاهرة دون موافقة امنية.

اصبحت الموصل يوم 31 اب 2013 الموعد المحدد للتظاهرات الكبرى، على طرق مغلقة وحواجز امنية تحول دون وصول السيارات الى مركز المدينة، كما تضيق على الراجلة ايضا، وعندما تجمع العشرات قبالة مقر المحافظة تنمر عليهم عناصر مكافحة الشغب وسوات وفرقتهم بالقوة واعتدت على بعض الصحفيين الذي كانوا يرومون تغطية الحدث.

اذن الموصل لم تتغيب، لكن حضورها كان خجولا، وربما استطاع اي امرئ عارف باوضاع المدينة تفسير ذلك بسهولة:

السبب الرئيس، ان المدينة شهدت تظاهرات صاخبة ضد حكومة المالكي \”احتجاجا على ما يعانيه مكون ما من ظلم وتهميش\”، وقادها رجال دين وشيوخ عشائر بتحريك من قوى سياسية. حدثت صدامات بين المحتجين والقوات الامنية مرارا اسفرت عن قتلى وجرحى، وبعد اشهر من الاحتجاج عاد المتظاهرون بخفي حنين فحسب.

امر آخر، معروف عن الموصل انها مدينة محافِظة، وهذا يعلل صمت القوى الدينية والقبلية وعدم مشاركتها في حركة اسست لها تيارات مدنية رافضة لهيمنة هذه القوى اساسا.

ولا ننسى ان الوضع الامني المتدهور جدا على نحو ما كان في 2006 و2007، هو الآخر ثنى الكثير من الراغبين بالمشاركة في الاحتجاج عن تحقيق رغبتهم، خاصة وان عددا من قادة التظاهرات السابقة اغتيلوا مؤخرا.

اقول: بعد كل ما تردد عن نجاح التظاهرات -سأسميها المدنية- اعتقد ان المرحلة المقبلة تحتاج الى مد جسور بين الناشطين المدنيين في جميع المدن العراقية للتنسيق فيما بينهم من اجل توسيع رقعة الاحتجاجات، بما يتناسب وحجم الكوارث التي نعيشها، الفساد وما يتبع.

إقرأ أيضا