أبنائي المتظاهرين .. نقبل جباهكم

يؤكد المشهد السياسي الراهن، أن الوحش التوتاليتاري في العراق رسّخ مخالبه في كرسي الحكم، بعد أن أصبح ثقافة سياسية متوارثة في العراق، لا فرق هنا بين صدام حسين ونوري المالكي، كلاهما يحلو له بين الفينة والفينة، إطلاق كلاب موته لتنهش لحم العراقيين وتمرغ بكرامتهم الأرض. كلاب الأول كانت الحروب الماراثونية والأجهزة القمعية، وكلاب الثاني هشاشة الوضع الأمني الناتج عن ثلة القادة الأمنيين الذين يحرص على وجودهم الى جانبه، وكذلك أجهزته القمعية التي تختصرها قوات (سوات) التي أصبحت رمزا للقمع والبطش بين العراقيين.

التظاهرات الأخيرة التي عمّت معظم المحافظات العراقية هي قنبلة من العيار الثقيل تفجرت بوجه حكومة نوري المالكي وبرلمان أسامة النجيفي. الاحرى، انها فضيحة أزاحت الأقنعة عن وجوه السياسيين المشاركين في العملية السياسية مهما كانت اللافتات التي يعملون تحت ظلها، وأحدثت عاصفة في جوف مياه العملية السياسية التي أصبحت آسنة ورائحتها النتنة تزكم الانوف. 

التظاهرات أرعبت الحكومة. هذا الأمر واضح جدا. والتظاهرات أخرست البرلمان، وهذا الأمر واضح جدا أيضا. ما لم يعرفه البسطاء من الناس وما لم يعرفه، أيضا، حفنة الأميين المحيطين برئيس الوزراء بعنوان مستشار، ما لم يعلمه هؤلاء، هو ان التظاهرات هي عبارة عن بداية لسحب الشرعية الشعبية عن الحكومة والبرلمان، هذه الشرعية هي الأقوى مقارنة بالشرعية الدستورية التي يتخفى خلفها أنصار المالكي، مثلما يتخفى خلفها أنصار الرئيس المصري السابق محمد مرسي القابع الآن في السجون المصرية، لان الشعب وفقا للدساتير المتحضرة، وبضمنها الدستور العراقي الذي لا يرقى الى الدساتير المتحضرة، لكنه يؤشر، وإن على وجل، ان الشعب مصدر السلطات.

اللعبة الآن، ان المالكي يعترف بعدالة ومدنية مطالب المتظاهرين، لكنه بالمقابل يأمر القوات الأمنية باعتقال قادة التظاهرات والاساءة الى المتظاهرين عبر وسائل القمع والترهيب وامتهان كرامتهم الى درجة أن المتظاهرين في معظم المحافظات ولاسيما في الناصرية يطالبون الآن بالغاء قوات سوات التي أشرت اليها سابقا، الرسالة الأخطر في هذا المجال، ان مشروع القرار الذي من المزمع أن يرفع الى البرلمان بعد مناقشته في مجلس الوزراء يوم غد الثلاثاء، جاء على لسان نائب رئيس الوزراء الدكتور حسين الشهرستاني، وهذا الرجل أصبح نموذجا حكوميا للكذب الحكومي المعلن، ومسألة الاحراق السياسي المتبادل بينه وبين المالكي أصبحت مادة دسمة لوسائل الاعلام، ما يعني، ان المطالب الجماهيرية دخلت في بوتقة الحرائق السياسية منذ الآن. وفي حال رفع مشروع القرار الى مجلس النواب، فان اللعبة، في هذه الحالة، لا تعدو أن تكون رمي الكرة في ملعب برلمان النجيفي المشغول ببيع أراضي وموانئ العراق لـ(إمارة) الكويت بالجملة والمفرد، وفي هذه الحالة سيتخذ مشروع القرار طريقه في متاهات مجلس الـ(… واب) (واترك للقارئ أن يضع الحرف الأول المناسب)، ولا أستغرب إذا ما رُحل التصويت على القرار الى مجلس النواب المقبل.

المالكي ومن خلال جعجعة حفنة النفعيين والانتهازيين المحيطين به والذين يطالبون باقامة نصب له في بغداد لانجازاته الرائعة في اراقة دم العراقيين والتواطؤ في سرقة ثرواتهم وجعلهم يعتاشون على المزابل وفتات موائد أثرياء الغفلة الذين ولدوا من رحم العملية السياسية. المالكي يعتبر نفسه الممثل الوحيد لشيعة العراق، الذين تظاهروا ضده في وسط وجنوب العراق، ويعتبر نفسه المعبر الوحيد عن الهوية الوطنية والمصلحة الوطنية، بتعبير أدق، يعتقد المالكي الآن انه هو العراق، والعراق هو المالكي. 

النجيفي بدوره، ومن خلال إدارته لجلسات البرلمان، يعرض المشاريع للتصويت، وقت يشاء، وكيفما يشاء، كما حصل في التصويت على بيع ممر خور عبد الله الى الكويت في صفقة هي الأخطر والأحقر في تاريخ العراق الحديث، والتي ستجعل كل الموانئ العراقية تحت رحمة ميناء مبارك الكبير وتحت رحمة (الإمارة) التي أعاقت تقدم العراق منذ عام 1990، وحتى الزمن الذي يلفظ العراق فيه امثال النجيفي وزباتيته المرتشين في مجلس النواب من جميع الكتل والأحزاب. الأحرى أيضا، أن النجيفي يرى في العراق ضيعة ورثها عن مخاضات العملية السياسية المحرمة، وأصبح يبيعها كما يشاء وبأي سعر يشاء. تذكروا زياراته السمجة الى تركيا والى قطر، بعيدا عن أجهزة ومؤسسات الدولة العراقية. باختصار، انه شكل من أشكال التنسيق مع عواصم لها النصيب الأكبر في كرنفال الدم العراقي. تذكروا قبل يومين فقط كان بيانا رسميا عراقيا يتهم قطر والسعودية باراقة الدم العراقي.

وباختصار ايضا، لتكن مطالبكم أبنائي الأعزاء العابرين لتهمة البعث باعماركم الغضة، والعابرين لتهمة القاعدة بسبب توجهاتكم المدنية، والتي دفعتم ثمنا غاليا من أجل تحقيقها، هي إزالة هذه الوجوه الكالحة بالجملة عن طريق تحقيق الحلم العراقي بالأمن والرفاه والتطور الاجتماعي.. نحن معكم ونقبل جباهكم أبنائي المتظاهرين الأعزاء.

إقرأ أيضا