شيموس هيني 1939 ــ 2013: سهل.. نعم.. وجميل

الشاعر الإيرلندي الذي توفي الجمعة الماضية، عن عمر ناهز الرابعة والسبعين، كان غالباً ما يوصف شعره بالسهل، كما لو كانت هذه عقبة، لكن الحقيقة أنه باع الملايين من الكتب، حتى قال عنه الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون: إنه شاعر عظيم وصل الى قلوبنا جميعاً.

الكاتب والشاعر الإيرلندي الحائز على جائزة نوبل للآداب في 1995، كان من أكثر شعراء جيله شهرة، رغم صعوبة تواصل القراء في عصره، وذلك يعود الى لقبه شيموس الشهير، وسماته السهلة المميزة هي شعره الأبيض الجامح، وخديه الظريفين اللذين أربكا عينيه وشفتيه الرقيقتين. 

توفي هيني الجمعة الماضية، في مستشفى بالعاصمة دبلن بعد مرض لم يمهله طويلاً. وجاءت وفاته كصدمة للعالم، لأن عددا قليلا من الناس كان يعرف بمرضه الشديد. 

كان عمره أربعة وسبعين عاماً، وقصائده كانت دائماً ما تتهم بالسهولة، كما لو أن الشعر شيء من المفترض أن يكون غامضاً. 

حقيقة لقد باع أكثر الكتب في بريطانيا, أكثر من أي شاعر حي آخر في عصره, و أنه كان الكاتب الوحيد الذي تمكن من أن يكون صاحب الكتب الأكثر مبيعاً لترجمته \”ملحمة بيوولف\”*, ورغم صعوبة المهمة، إلا أن ذلك لم يمح عنه صورة الشاعر \”السهل\”، وأصبح الشاعر المفضل لدى كثير من النخب والشرائح من بينهم الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون، وكان ذلك بمثابة نعمة ونقمة عليه، ففي العام 1995، اقتبس كلينتون عبارة من قصيدته \”الشفاء في تروي\” خلال خطابه في لندندري حول السلام بإيرلندا الشمالية، جاء فيها: 

عندما يقول التاريخ.. لا أمل

على هذا الجانب من المقبرة

لكن بعدها، ولمرة واحدة في العمر

نتوق الى المد والجزر، لعدالة ترتقي

بالأمل وقافية التاريخ

هذا هو، بطبيعة الحال، لا حرج في أن الشعر المهم هو أيضاً مقتبس سهل. هو دائماً هكذا، خاصة بالنسبة لهيني، الذي شُهد له بالابداع فور إصدار مجموعته الشعرية الأولى \”موت عالم طبيعيات\” في 1966. وبعد ما يقارب من نصف قرن، يحتفي معجبوه باقتباس من قصيدته الأولى للمجموعة ــ والتي لم يكن فيها الكثير من الموت (تبدأ بالبيت \”يجثم القلم باقياً\”)، وأعلنت عبقريته وتطلعه الى عمر طويل في الكتابة. \”الحفر\” أحتفى فيها هيني بأبيه وجده اللذان كانا جيدين جداً مع المجرفة:

ليس لدي مجرفة لأتبع

رجالا مثلهم.

بين إصبعي وإبهامي 

يجثم القلم باقياً،

سوف أحفر به.

صدرت له أكثر من 13 مجموعة شعرية وكتب مقالات عدة.

في عام 1982، قبل هيني وظيفة التدريس في جامعة هارفارد، وبقي هناك 14 عاماً، وفي ذلك الوقت صعد على خشبة المسرح العالمي. أما في العام 1995، فقد تلقى اتصالاً هاتفياً من ستوكهولم، ينبئه بالحصول على جائزة نوبل التي زادت من شهرته، غير أن إصدار ترجمته لـ\”بيوولف\” في العام 1999 حلقت بسمعته في الآفاق بعدما بيعت الملايين من نسخها، وأصبح الكاتب الأكثر مبيعاً في العالم. 

كان نادراً ما يشتري الكتب، ونعلم أن معظم أعمال الشعراء لم تكن مقروءة بشكل كبير.

روبرت لويك، قال عنه بأنه أهم شاعر إيرلندي منذ ويليام بتلر ييتس. قصائده تتعامل مع السياسة، الدين، والصراع العنيف في إيرلندا الشمالية، لكنها تتناول أيضاً الطبيعة والروح، مثل التربة ومجرى المياه الذي يساعد في تطهير أيدي البريطانيين والجيش الجمهوري الإيرلندي من الدم. 

في 1982 تم الاعتراض على ضمه الى كتاب عن الشعراء البريطانيين، وكان مخلصاً دوماً لهويته الإيرلندية. حتى إشاراته الأسطورية جاءت معظمها من الأساطير الإغريقية والغيلية. أعمال هيني يمكن أن تقترب من العديد من الممرات، وعلى أي حال أنت من تختار الوصول إليها، في النهاية هو باب لعالم موصوف ومفصّل بكل دقة. غالباً ما كان يكتب عن الموت، مثلما فعل كل الشعراء العظام. دعونا الآن نرثي الشاعر ببعض من أبياته:

\”حدث بعد ذلك\”

و(كصنارة أمسكتني من رقبتي)

لم تكن الأسوء، أنت تطمح الى الحنان،

غير مبال، ببراعة الفشل على كلا الجانبين،

تركتنا أولاً، ومن ثم هذه الكتب، خلفك.

\”في العليّة\”

كما أكبر وأغفل عن الأسماء

كما شكوكي على الدرج

أكثر فأكثر الضوء يكشف كوخا لصبي

في بداياته في التلاعب.

\”استراحة منتصف المدة\”

يرتدي كدمة حمراء فاتحة على الصدغ اليسر،

يستلقي في صندوق بأربعة أرجل، كما في المهد.

لا ندوب مخيفة، لكن النحس ضربه بوضوح.

صندوق بأربعة أرجل، رجلٌ لكل سنة.

\”جريح\”

فاتتني جنازته

المارة الهادئون

والثرثارون على جانب الطريق

مجموعات متآلفة خرجوا من طريقه

الى ماء قدير من كفن.

\”أياً كان ما تقوله لا يعني شيئا\”

هل هذه الحياة بعد الموت؟ هذا ما حصدت

في باليمورفي. ألم بجدارة، 

مآسٍ متناغمة، لدغة ورشفة،

نحن نعانق مصيرنا الهزيل مرة أخرى.

\”قدّاس من أجل كروبيس**\”

ماتت آلالاف المدرجات،

اهتزت عروة الجرس،

جانب التل إحمرّ خجلاً، منقوع في إندفاعنا المكسور. 

دفنونا بدون كفن أو تابوت،

وفي أغسطس … نبت الشعير خارجاً من قبورنا.

\”بيوولف: ترجمة جديدة\”

الأفضل دوماً

إنتقام عزيز على أن تنغمس في الحداد.

لكل واحد منا حياة في هذا العالم،

تعني انتظار نهايتها.

دعونا نفز بكل ما نستطيع قبل الموت.

عندما يرحل المحارب،

ما يبقى هو جهده،

وحصنه وحيداً.

*بيولف: ملحمة شعرية وطنية إنكليزية قديمة، يعود تاريخها الى ما بين القرن الثامن وأوائل القرن الحادي عشر في الدنمارك والسويد، وتعد واحدة من أهم الأعمال في الأدب الأنكلوسكسوني (المترجمة).

**كروبيس: مفردها كروبي وهو اسم مستعار من إيرلندا في حقبة 1790 كإشارة الى الناس القريبين من تقصير الشعر، صرعة تعارض الشعر المستعار ــ وبالتالي الأرستقراطية ــ  خلال الثورة الفرنسية (المترجمة).

المصدر: The Daily Beast

إقرأ أيضا