سوريا بين خياري الحرب أو الفوضى

تصعيد غربي خطير تجاه سوريا بعد الاتهامات التي وجهت للنظام السوري باستخدام السلاح الكيمياوي ضد المدنيين والذي لم تتبين ملامح الجهة التي استخدمته هل هي الحكومة أم المعارضة التي تسعى لفرض تدخل غربي في الأزمة السورية بعدما خسرت مواقع مهمة على الأرض بعد الضربات التي تلقتها من الجيش السوري في الآونة الأخيرة. فأمريكا سعت إلى تكوين تحالف دولي يضم حليفتها الرئيسة بريطانيا بالإضافة إلى فرنسا، ولكن هذا التحالف قوض بعد تراجع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون عن المشاركة في الحرب على سوريا اثر تصويت البرلمان البريطاني برفض أية مشاركة في الحرب على سوريا وهو ما مثل انتكاسة كبيرة لكاميرون بل وللرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي كان يعول على الدعم البريطاني، بل ان الرئيس الأمريكي راح يخطو بنفس إيقاع خطوات كاميرون بالحصول على شرعية من الكونغرس كي لا يلقى اللوم عليه مستقبلا في أية انتكاسة خطيرة كالتي لحقت بنظيره السابق جورج بوش بحربه على العراق.

الأزمة السورية تمتد أفقيا باتجاه دول الجوار التي تشترك جميعا تقريبا في التدخل بالشأن السوري فهناك محوران، المحور الأول يضم روسيا وإيران وحزب الله ومعهما الصين، أما المحور الثاني فيضم أمريكا وبريطانيا وفرنسا ومعهم بعض الأنظمة العربية التي تدعم المعارضة بالمال والسلاح كالسعودية وقطر والإمارات. أمريكا تحاول في هذه الحرب جر حزب الله إلى مواجهة في الداخل السوري لإبعاده عن جبهة إسرائيل لأنها تعرف أن حزب الله لن يترك الأسد يسقط لتسقط رهاناته معه، فسيستقدم الحزب كل إمكانياته العسكرية وقياداته إلى داخل سوريا وبذلك سيكون أفضل مكان لتصفية عناصر حزب الله وتكون أمريكا قد أبعدت خطره عن إسرائيل التي تخشى أن تطالها صواريخه في حالة بدء الهجوم على سوريا، كما أن أمريكا تريد أن تثبت صدق الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله عندما قال انه مستعد للقتال في سوريا إذا تطلب الأمر، وفي حال نقض وعده ولم يقاتل هناك فستثبت للعالم انه يعد ولا ينفذ، وبذلك تسقطه في نظر العالمين العربي والإسلامي. أما إيران فستكون على المحك وسيكون الاختبار الأمثل لها، هل ستشارك في هذه الحرب وتدافع عن حليفها الأول في المنطقة أم ستلتزم الحياد؟ ففي حال التزمت الصمت تتراجع مكانتها وهيبتها أيضا أمام العالم لأنها تحشد إعلاميا وتحرك ذراعها القوية في المنطقة والمتمثلة بحزب الله ولا تحرك ترسانتها الحربية التي تتباهى بها دائما لتضرب إسرائيل كما هددت مسبقا بإزالتها من الوجود.

الحرب على سوريا بوابة لاختبار مراكز القوى وخصوصا الفاعلة، كإيران وروسيا وهل ستتحرك الأخيرة للدفاع عن حليفها الاستراتيجي بشار الأسد أم ستسحب أساطيلها في حال اشتداد الصراع لتجنب خوض حرب كونية غير قادرة على مواجهتها؟ أم ستتدخل عبر أسطولها المتواجد في المتوسط لصد الصواريخ الأمريكية والفرنسية في حال اندلعت الحرب الصاروخية التي من المستبعد أن تشارك فيها قوات برية لأن حرب العراق جعلت الجميع يتحاشى الدخول في نزاعات برية مكلفة للغاية ماديا وبشريا.

العراق سيكون حاضرا أيضا في الأزمة السورية، ليس على الصعيد العسكري لأنه لا يملك ما يؤهله للدخول في حرب عسكرية جوية أو برية لضعف إمكانياته العسكرية، إلا أن تأثير الحرب على سوريا سيكون مكلفا وسيجعله أسير أزمات اقتصادية وأمنية خطيرة. فتنظيم القاعدة سيصعد من هجماته مستغلا الحرب على سوريا خصوصا بعد اتحاد دولة العراق الإسلامية وجبهة النصرة في سوريا.

الأزمة السورية لها آثار مدمرة لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي، لأن موقع سوريا الإستراتيجي وقربها من إسرائيل، ووجود قوى متشددة كالقاعدة يجعل المنطقة في حالة توتر دائم واحتمال أن يكون هذا الوقت هو الاختبار الفعلي لديمومة اتفاقية السلام، خصوصا مع تنامي التنظيمات المتشددة في سيناء المصرية والقاعدة في سوريا وحزب الله في لبنان كلها مجتمعة تشكل مثلث التهديد الدائم لأمن إسرائيل لأن الأخيرة ستقاتل في المستقبل القريب أو البعيد على أكثر من جبهة، ولذلك سيكون أمنها الأهم في أية عملية عسكرية أو تسوية سياسية، رغم أننا لا نرى أية ملامح للأخيرة، لأن لغة السلاح هي الأقوى الآن بعدما اختفت كل ملامح الحلول السياسية.

* كاتب وناقد عراقي

إقرأ أيضا