(إبادة جماعية)

إذا ما أُعيدت محاكمة غاليليو الشهيرة، وجرت فيها الأحداث على نحو عكسي، بحيث يكون الحاكم هو المحكوم، بماذا سيقضي صاحبنا غاليليو في حال أصرت الكنيسة على أن الأرض ثابتة لا تتحرك؟ 

لعلّ من المفيد جداً لشخص يعبد الفئران – في الهند مثلاً – معرفة انه ليس بالضرورة أن يحمل اعتقاد جاره بجبنية القمر – القمر قطعة من الجبنة – على محمل الجد، طالما أنه اقتصر على تأمل القمر الطالع، المثير للشهية، ولم يتعدَ هذا الحدّ بفكرة تعسفية تفضي إلى نبذ كل من لا يحبّ الجبن، وربما إلى قتله. فيرسل –عابد الفئران– آلهته إلى القمر ليأكلوه! 

يحضرني دائماً الموقف الذي وقفه مشائخ الوهابية إزاء مناظرة ابراهيم بن محمد علي باشا، بعد حملته الشهيرة في الجزيرة العربية بداية القرن التاسع عشر، حينما سألهم عما سيفعلونه بباقي القصور وأنهار اللبن والعسل والخمر وحور العين والولدان وبقاع الجنة المورفة، في حال أن قصرا واحداً أو شجرة واحدة تكفيهم وتغنيهم عن الحاجة إلى الـ (99%) وتسعة أعشار المتبقية من الجنة!

لعل المشكلة ليست في فساد عقيدة ما، بقدر ما هي في عقلية حامل العقيدة وتعفّنها، خصوصا إذا كان رجل دين له القابلية على ارتقاء المنصة ليعلن أمام الملأ: سنقطع الرؤوس ونقيم الحدود! فالعقائد، بغض النظر عن بعض تفسيراتها الغامضة، هي خيارات شخصية تحتمل الخطأ والصواب، وغير معممة، إلا في حال تعميمها بحد السيف وفق مبدأ الشعوب على دين ملوكها. 

الآن في العراق، تجري الأمور بهذه القابلية، حينما يتم ترسيخ ثقافة نصرة الملّة بإبادة ملّة أخرى أو تهجيرها في أقل التقديرات، كردة فعل إزاء ما يحمله الآخر من عقائد مخالفة، وضمانا لصكوك الغفران والعشاء مع النبي. ليس هناك بلد في العالم يجري فيه القتل وإزهاق الأرواح على هذا النحو البشع لمجرد ضرب مصالح وإضعاف قوى سياسية. الأمر الذي تقف أمامه الحكومة موقفا باهتا يعبر عن هشاشتها، في حين لا يريد العالم من جانب آخر فهم أن ما يتعرض له العراق هو إلى حد ما نوعا من أنواع الإبادة الجماعية لا تقل بشاعة عن تلك التي تعرضت لها شعوب وعرقيات أخرى في العالم. إبادة حقيقية تشترك فيها قوى لم تعد بالخفية، داخلية كانت أم خارجية.

يدخل الانتحاري إلى سوق مأهول بالناس محملاً بالتي أن تي والمسامير، فيفجر نفسه ليس نكاية بالسياسي الفاسد، إنما للمشاركة بإبادة شعب عجزت حكومته عن حمايته، في الوقت الذي تدافع فيه وبقوة عن مصالحها الشخصية، ولا تظهر قوتها إلا في مشاهد الاعتداء على المتظاهرين العزل. 

عودة لغاليليو وماذا يمكن أن يقول للكنيسة.. 

ربما يقول لها ما أراد ابراهيم بن محمد علي باشا أن يقوله للوهابيين: 

ليس ضرورياً أن ما عندك يكون مهماً عندي، لكن من الجدوى ألّا تفكر بحرق المعلم إذا ما وضع علامة خطأ على إجابتك عن سؤاله: ما هو شكل الأرض؟!

إقرأ أيضا