دول موازية

عندما تنهار الدولة أو تضعف فتتحول إلى دولة فاشلة، تبرز الدولة الموازية التي يلجأ اليها الناس، طائعين أو مجبرين، كي تسير لهم أمورهم وتحميهم وتحكم بينهم. وللدولة الموازية قوانينها الخاصة بها وآليات عملها واجهزتها التنفيذية وقواتها المسلحة التي تحمي مناطق نفوذها ونظامها المالي والضريبي، ولها بياناتها ووثائقها ودواوينها. ولبعضها ايضا راياتها الخاصة ونشيدها الوطني الذي يلهب ظهور الرعية بالطاعة.
كم دولة موازية تعيش في عراق اليوم؟
هناك دولة رجال الدين، وهي دولة ثيوقراطية متكاملة الأركان، لها رجالاتها الذين يتمتعون بسطوة عليا لا ترد ولا تناقش، لها ميزانيتها الخاصة التي لا تخضع مواردها للدولة المركزية ولا تدفع عنها ضرائب ولا أحد يراقب وجوه صرفها، ولها حدود مناطقية معلومة للجميع يحميها جيش، نسميه نحن ميليشيات، يلجأ اليها الناس كي تحكم بينهم، بالعدل أو بدونه . ولهذه الدولة جهاز دعائي ضخم من صحف واذاعات وفضائيات وعشرات الالاف من الدعاة المتخصصين ينتشرون في كل زأوية داخل حدود هذه الدولة وخارجها، مهمتهم تحشيد الاتباع في كتلة موحدة تتحرك باشارة وتسكن بأخرى.
وهناك دولة العشيرة، وهو كيان ينتمي إلى ما قبل تأسيس الدولة العراقية، انحسر نفوذها بعد تثبيت اركان هذه الدولة، فاقتصر على مناطق جغرافية محددة. لكن دولة العشيرة نهضت بكل سطوتها مع انهيار الدولة في 2003 واصبحت منطقة نفوذ العشيرة تمتد على امتداد خارطة العراق. ودولة العشيرة لا تعترف بالقانون الوضعي، بل تفرض قانونها الخاص الذي يسري على كل من يسكن منطقة نفوذها بصرف النظر عن انتمائه لها. ولدولة العشيرة محاكمها الخاصة التي تقضي بين الناس وتفرض عليهم عقوبات بلا استئناف أو تمييز. وهي مثل اية دولة قد تدخل في تحالفات مع عشائر اخرى لتقاسم مناطق النفوذ أو الاقتتال على حدودها التي تحميها بالسلاح.
هناك ايضا دولة المال والفساد التي تحولت في غضون بضع سنوات إلى امبراطورية، مدت اذرعها لتسكن كل شرايين الدولة العراقية وتشكل سطوة هائلة على الاقتصاد المنهك اصلا. وهي دولة موازية عابرة للطوائف والانتماءات العشائرية أو المناطقية والولاءات الحزبية. ولهذه الدولة رؤوسها الكبيرة التي تدير دولابا هائل الحجم من الاموال والمصالح المتشابكة مع مثيلاتها في الخارج وعندما تتضارب المصالح تسمع قرقعة السلاح. لا أحد يعرف حجم الاموال المتداولة في هذه الدولة، كل ما نعرفه انها تعيش طفيلية على موارد الدولة النفطية، وانها المسؤول الوحيد عن استنزاف هذه الموارد.
هل تتضارب مصالح هذه الدول الموازية؟ يحدث ذلك عندما يتم اختراق مناطق النفوذ من قبل واحدة منها وتتم اعادة الامور إلى نصابها المتفق عليه، بالقوة احيانا وبتبادل المصالح في احيان اخرى. وعندما يقرر القوم ان يحلوا مشكلاتهم بالقوة يسقط الضحايا الابرياء ليتحولوا إلى ارقام في احصاء رسمي يصدر نهاية كل شهر.

إقرأ أيضا