القاهرة ليست بغداد؟

بعد سنوات من متابعة الشأن النيابي في العراق بتُّ اليوم مقتنعا أكثر مما مضى أن مجلس النواب العراقي ميت سريريا، وأن كل يوم يمر عليه في غرفة الإنعاش (مبنى البرلمان) يكلف ميزانية العراق الكثير، دون فائدة تذكر، تماما مثل جثة ذلك الرجل الذي يحبه أهله ويتمنون له طول العمر والنهوض من غيبوبته، وينفقون عليه يوميا كل ما يملكون دون أن يسهم ذلك سوى في زيادة عنائهم وسهرهم، وتعطيل حياتهم. لهذا بت أتمنى له الموت الرحيم وأن تقطع عن هذا الميت سريريا كل القنوات والمساعدات التي تضخ الماء والغذاء والهواء إلى جسده الميت، وألا يشغل العراقيون أنفسهم بانتظار معجزة الحياة التي ستحل بهذا الجسد البرلماني. وددت أيضا لو انني معارض سوري لاضع مبنى البرلمان العراقي (خطأً) ضمن دائرة الأهداف التي ستقوم الولايات المتحدة بضربها، لكي يتمكن العراقيون من انتخاب برلمان جديد، حي، يتفاعل مع شعبه ويدرك مسؤولياته مع محيطه العربي والإقليمي، برلمان قادر على على إنشاء مبنى يليق باسم البرلمان بعد تعرضه للتدمير.
لا يعرف البرلمان العراقي وهو في غرفة الإنعاش (وكيف له أن يعرف) أن مجلس العموم البريطاني رفض بأكثريته قرار توجيه ضربة عسكرية إلى سوريا، بالرغم من أن لندن تبعد عن العاصمة دمشق مسافة 3535.94 كم، فيما لا تبعد بغداد سوى 750.68 كم عن شقيقتها دمشق.
هل يعرف البرلمان العراقي أن للعراق، لبلادهم التي ينوبون عن شعبها حدودا مع إيران والكويت والسعودية والاردن، والأهم من ذلك كله أن عليه أن يحدد مصيره من نتائج الضربة العسكرية الأميركية المتوقعة خلال وقت قريب ضد نظام الأسد بعد اتهامه باستخدام الأسلحة الكيمياوية ضد المدنيين في دمشق.
هل يعرف البرلمان العراقي دولة تسمى سوريا، لها حدود مشتركة مع بلادهم تمتد 605 كيلومترات، وهل يعرف ما الذي يجري فيها، ومن الذي يقود المعارضة المسلحة ضد نظام الرئيس بشار الأسد! وهل يعرفون أن العالم كله ينتظر قرار الرئيس باراك أوباما للموافقة على توجيه ضربة عسكرية لقدرات الأسد في سوريا مشابهة للضربة التي وجهها التحالف الدولي لقدرات العراق في عهد الرئيس السابق صدام حسين.
هل يعرف البرلمان العراقي أن القاعدة قررت إقامة دولة موحدة في العراق وسوريا، وأن الجناح العسكري الذي يعمل في بلاد الرافدين وينفذ آلاف العمليات الإرهابية ضد العراقيين أعلن توحيد جهوده من أجل دعم القاعدة في سوريا، تمهيدا لدمج ولاية بلاد الشام مع ولاية العراق الإسلامية.
ما الذي يتوقعه البرلمان العراقي من الجماعات القاعدية المسلحة وممن يتحالف معها والتي تذبح الأطفال، وتأكل أكباد البشر في بلاد الشام دون رحمة أن تفعل بالعراق لو تمكن أحفاد \”ابن آكلة الأكباد\” من دمشق لا سمح الله؟
وبكل حزن على العراق، يبدو لي الآن أن مقولة جارحة أطلقها الإعلامي المصري عمرو أديب خلال حديثه عن وقفة الشعب المصري ضد مشروع الإخوان \”أن القاهرة ليست بغداد\” وأن الساحة الشعبية المصرية ليست سهلة كساحة بغداد أمام من يريد الشر بالشعب العراقي. لقد صدقت يا عمرو أديب فقاهرتك ليست كبغدادي، لأن قلب بغداد يرقد في غرفة الإنعاش.
أعلم مجددا أنني أخاطب برلمانا يغط منذ سنوات في غيبوبة الموت، لكنني لا أستطيع إلا أن أصيح بالعراقيين ببغداد التي طالما تشطرت مع دمشق \”الآلام والحرقا\”، لأن يحددوا موقفهم من الضربة العسكرية التي ستوجه إلى سوريا، لان تغيير موازين القوى بعد الأسد ستصب دون شك في خدمة تنظيم القاعدة الذي لن يقف إلا على حدود الخليج والبحر الهندي وأطراف سور الصين العظيم.

إقرأ أيضا