\”نون والقلم\” رواية لنقد الفكر الديني في إيران

بالرغم من غنى وجمال وتنوع الأدب الإيراني وبرغم التقارب التاريخي والجغرافي بينه وبين الأدب العربي، إلا أن المترجمين لم يوفروا للقّراء العرب فرصة كبيرة للتعرف على هذا الأدب، شعرا وقصة، ورواية ومسرح.. إذ لم يصل إلينا من الشعر سوى بعض دواوين الشيرازي وشمس الدين التبريزي والخيام، ومن القصة والرواية والمسرح القليل جدا وحسبي أن هذا من المؤسف.
قبل أيام حصلت على رواية \”نون والقلم\” للروائي الإيراني جلال آل أحمد، وأزعم إنها الرواية الوحيدة التي ترجموها لنا من العدد الجيد من روايات وقصص هذا الكاتب البارز.
جلال آل أحمد مولود في طهران سنة ١٩٢٣ لأسرة دينية محافظة، لكنه سرعان ما انضم للحزب الشيوعي الإيراني وبعد فترة انشق من الحزب ليعود إلى الدين، ولكن كمعتزلي.
نفي إلى قرية أسالم في الشمال الإيراني وتوفي عام ١٩٦٩ بصورة مشكوك في أمرها، تاركا العديد من القصص التي نشرت في فترة الاربعينيات والخمسينيات، وتدور موضوعاتها حول نقد الخرافات التي تُروج باسم الدين.
نون والقلم، هي روايته التي تتناول بأسلوب رشيق وسلس حادثة جرت في عهد أحد ملوك إيران لم يحدده الكاتب، وعلى ثورة مذهبية يحفل بها تاريخ إيران القديم، على أن استقراء وقائع الرواية وأحداثها مع عودة إلى تاريخ إيران يثبت وقائع مشابهة حدثت في زمن الشاه عباس الصفوي الكبير الذي حكم إيران للفترة ١٥٨٧-١٦٣٦.
في الرواية العديد من الشخصيات التي وظفها الكاتب لبث أفكاره من خلالها، ونذكر منهم ميرزا أسد الله، وميرزا عبد الزكي، شخصيتان رئيسيتان في الرواية وهما كاتبان للعرائض في القرية والوحيدان فيها، يكتبان الشكاوى والرسائل والعرائض وأمور الصلح والميراث والكمبيالات والمظلوميات وأوراق العقار وغيرها إلى الملك أو الوزير أو قسم الشرطة، وكذلك الواجبات المدرسية للأطفال في الكتاتيب ومن خلالهما أيضا تدور الأحداث الشّيقة للرواية.
ميرزا أسد الله كان كاتبا فقير الحال، وله امرأة وطفلان، والثاني (ميرزا عبد الزكي) غني لم يهبه الله الأولاد، وهو يكتب الأدعية الحافظة والحجاب وحرز الدفع عن الجندية والطلاسم الدافعة للمرض، ويقرأ الطالع، وكان سيدا من سلالة الرسول، لكن الروائي أضفى عليه الكثير من الملاحظات غير الجيدة، وهي أيضا تعبر عن نقد الكاتب لمثل هؤلاء السادة المستغلين للدين.
\” إذا أطعمت أولادك من مهنة الجلادة ، فلا عجب أن ينشأ كل منهم مجرما وسفاحا، فهم مع كل لقمة من الخبز تجرعوا جرعة من دماء الناس\”
\” ميزان الشريعة\” وهو شخصية دينية تتمثل بإمام المسجد في القرية، استخدمها الكاتب لنقد أئمة المساجد المتاجرين باسم الدين والمزيفين لحقائقه، والخادعين لناسه ممارسات إمام المسجد السلبية ضد الناس من خلال أخذ الميراث والخمس وإحتكار المؤن وتكفير البعض تعطي رؤية واضحة عن زيف بعض هؤلاء الشيوخ ورجال الدين على مدى الأزمان، وأن مهمة كشف زيفهم وخداعهم تقع على كاهل المتنورين والعارفين .
\” هذا ما لم يحدث، ذلك الوقت من أين ستعيشون؟ أنت تعلم ان الدفاع عن المال والروح في حكم الجهاد- لا يا ميرزا، مرت تلك الأزمنة التي كانوا يقولون فيها من مات دون ماله فهو شهيد هذه العقيدة اختلقها محدثو النعمة، مال الدنيا ليست له هذه القيمة بحيث يراق دم الإنسان في سبيله\”.
وهنا نستشف أيضا رؤية ونقد الكاتب لبعض الأحكام والعقائد الدينية القديمة، التي أكد على أنها حدثت في زمان غير زماننا، وهو يرى ضرورة العمل على إصلاحها وجعلها تلائم روح العصر.
كما أن الخلفية المذهبية للرواية تتحدث عن مذهب \”النقطوية\” الذي ظهر في عهد الشاه عباس، وذلك من دون ذكره على وجه التحديد، كان الكاتب يذكرهم بـ \”الدراويش\” مرة وبـ\”أهل الحق\” مرة أخرى.
\” لقد ظهرت طائفة لها معتقدات خاصة بها، كانوا قد جاؤوا بكلام جديد ومقولات جديدة وقليلا قليلا شكّلوا طائفة وفتحوا حانوتا، كانوا يعتبرون النقطة هي مركز الخليقة وكانوا يتحدثون فيما بينهم بالكناية والرمز ويعتبرون الحروف الأبجدية حلا للعقد أكثر من أي طلسم وبدلا من بسم الله كانوا يقولون \”أستعين بنفسي\”، وبدلا من لا إله إلا الله كانوا يقولون\” لا إله إلا المركب المبين\”، وكانت كتبهم ودفاترهم مليئة بالنقط والحروف من مثل (ط، ف، د، م) كما أن رئيسهم\” ميرزا كوتشك جفردان\” كان قد غاب، ولم يعرف له أثر، وكانوا يتحدثون في كل مجالسهم عن عودته، وعلى أنه سيملأ الدنيا بالعدل والإنصاف\”.
وقد استطاعت هذه الطائفة شيئا فشيئا السيطرة على الحكم من خلال الثورة.
إن الأمور سرت طبيعية في الفترة الأولى لحكمهم لكن سرعان ما عصفت بهم الخلافات والإنشقاقات، وغزا الجوع والقحط الناس وانتشرت الدعايات والإشاعات وأعدم التجار والمحتكرون وخلت المخابز من الخبز والبقالة من الخضروات والمحلات من العلف والفحم والمؤن، إلى أن انتهى حكمهم بهجرتهم إلى خارج المدينة،
كانت الرواية تحفل بالكثير من أفكار ورؤى جلال آل أحمد حول الدين، لقد كشف أن البنية الحقيقة للشعب الإيراني هي بنية دينية، وأنه يعتبر أن النكبة الحقيقة لإيران تنبع من مزج الدين بالسياسة.
لقد كانت هذه الرواية الصادرة عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر بترجمة ماجدة العناني ومراجعة د. إبراهيم دسوقي شتا لمحة تاريخية وواقعية عن فترة من فترات تاريخ إيران القديم، ونظرة واعية إلى الشعب الإيراني وسلوكايتهم وأفكارهم ومواقفهم رواية جديرة بالقراءة ومترجمة إلى لغات عدة.

إقرأ أيضا