باحث أميركي: اعتماد واشنطن على الدعم السعودي في سورية يقلل فرص الديمقراطية والحوار مع طهران

أبدى باحث أميركي استغرابه من اعتماد الولايات المتحدة على الدعم الخليجي في المسألة السورية، كونه يعد انصياعا لإرادة تلك الدول المناهضة للديمقراطية ومبادئ حقوق الانسان، معتبرا دعمها الانقلاب العسكري في مصر دليلا على تحديها ستراتيجة واشنطن في المنطقة.
واعتبر أن ما تقوم به واشنطن في سورية، إنما هو حرب بالوكالة عن السعودية، والتي إن استمرت فانما تعني تضاؤل الأمل بمبادرات من شأنها تقديم حلول واقعية لتلك النزاعات المستمرة من بينها المفاوضات المباشرة مع إيران التي أطلق رئيسها الجديد مبادرات \”رائعة\”، عادا الحرب المتوقعة حربا تشتمل على تكاليف أكبر وبفوائد أقل.
وأشر تراجع الوضع في العديد من بلدان الربيع العربي، عازيا تردي الوضع الأمني في العراق الى تأثيرات الأزمة السورية، ومحاولة المالكي مركزة السلطة بيده.
فقد كتب الباحث الأميركي مارك لينش في مجلة \”السياسة الخارجية\” الأميركية، إن \”من المحتمل أن لا تكون الضربات الجوية التي هدد بها أوباما ضد سورية واردة حاليا، وقد تم تحويل الانتباه نحو المباحثات الديبلوماسية مع روسيا والأمم المتحدة. وفي حين تدور مباحثات المفاوضين بين واشنطن وموسكو في جنيف يتزامن ذلك مع وتيرة متصاعدة برغبة واشنطن في تسليح المعارضة السورية بهدف إجبار الرئيس السوري على الخضوع إلى طاولة المفاوضات، ولكن لهذه الجهود ثمنا غير ظاهر، فهم يتحملون تكلفة باهظة، ولا يريدون إنهاء الحرب سريعا\”.
وأضاف لينش \”عندما تدور محادثات واشنطن حول مساعدة المعارضة المعتدلة، فإن ذلك يعني أنها تعتمد على أنظمة الخليج العربي في تمويل وتسليح الوكيل المفضل لديها (وليس من أولئك الجهاديين الذين تم أيضا تمويلهم خليجيا)، ولكن الاستراتيجية اليوم تقوم على تسليح (الأخيار) لتهميش (الأشرار)، ما يعني استمرار النزاع لأمد طويل سترتفع فيه حصيلة الضحايا\”.
وتابع \”علينا أن لا ننخدع بتلك التقديرات الوردية لحجم وأيديولوجية واتساق وبراعة أولئك الأخيار، فالتمرد السوري على أرض الواقع منفصل عن القيادة السياسية الخارجية. وتمثل الفوضى والحروب الأهلية بيئة مثالية لتفوق المتطرفين، وليس المعتدلين. ووكلاء كـ (ناكر الجميل) الجنرال سالم إدريس لن يرضوا عن أية معونة يتلقونها عدا أنه لا يمكن الوثوق بهم، حيث أنهم على استعداد للتحالف مع من يدفع أكثر\”.
ولفت الأستاذ المشارك في العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن في مقاله الى أن \”الحرب بالوكالة تعني بالضرورة أنها لن تقدم الكثير مما ينتظر منها كالذي تقدمه أميركا سواء للمنطقة أو في جميع أنحاء العالم، فربما هي على الأقل، كما تريده دول الخليج. بدقة شديدة هذا هو مربط الفرس الذي يجمع واشنطن مع دول مجلس التعاون على الأرض السورية برغم الاختلافات الكبيرة في السياسات والاستراتيجيات والأهداف، حيث تعتمد الولايات المتحدة في المقام الأول على صقور الخليج كالمملكة العربية السعودية في تمويل وإدارة و إمدادات الأسلحة إلى الفصائل المتمردة السورية\”.
وأشار مارك لينش الى أن \”استراتيجية الحرب بالوكالة تعني أن إدارة حرب أهلية في سورية سوف تقلص من قدرة الأجندة الأميركية والاستراتيجية للمستقبل المنظور من خلال استبعاد العديد من الأهداف الهامة الأخرى. وهذا يعني التخلي عن الضغط نحو مبادرات سياسية إقليمية تعارضها كل من الرياض وأبو ظبي كتعزيز الديموقراطية وحقوق الإنسان في المنطقة أو التوصل إلى إيجاد حل ديبلوماسي مع إيران\”.
وزاد الكاتب الأميركي أن \”من البديهي أن لا يكون لدول الخليج الطائفية للغاية و(المناهض الشرس) للديموقراطية أدنى اهتمام في تجنب الطائفية، ولكن ليس بناء الديموقراطية، وبالتالي فمن المحير أن تجد هذا العدد الكبير من الساسة في واشنطن على قناعة بأنه يمكن الوثوق بالسعوديين لتعزيز قوى المعارضة المعتدلة والديموقراطية أو العلمانية\”.
وزاد المدير السابق لمعهد دراسات الشرق الأوسط، إن \”التوافق معهم يعني القبول بتبني وجهة نظرهم المفضلة في الصراع السوري، وقبلها حرب بالوكالة مع إيران\”، مشيرا \”لقد صرح وزير الدفاع الأميركي السابق رورت غيتس بأن السعوديين على استعداد لمحاربة إيران حتى آخر قتيل أميركي أو (سوري)، حسب تعبيره، ولن يكون هناك أي دعم من دول مجلس التعاون الخليجي لإيجاد حل سياسي تفاوضي تفضله واشنطن، وغالبا ما ستسعى إلى إفشال مؤتمر جنيف ٢ إذا ما تم السير قدما نحوه\”.
ونوه ان \”من الواضح بأن الاعتماد على دول الخليج لتنفيذ حرب بالوكالة على الأرض السورية يعني التخلي أو نسيان أ ي تفكير بالضغط عليهم في مجال حقوق الإنسان، أو على أي شيء آخر. ويرى الكثير من المراقبين أنه ما يثير الضحك أو ربما (البكاء) أن يندد وزير الخارجية البحريني بـ\”الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان من قبل نظام الأسد ضد شعبه\” نعم، وهذا هو نفس م-ا حدث في البحرين (كما يلخصه تقرير هيومن رايتس ووتش)، \”ان قوات الامن استخدمت القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين خلال المظاهرات، واعتقلت عددا منهم تعسفا، تعرضوا بعدها للتعذيب وسوء المعاملة، والحرمان من محاكمات عادلة\”. ولكن إذا كانت واشنطن عازمة في الاعتماد على الرياض في سورية، فإنه سيفرض عليها أن تشيح بوجهها عما يحدث هناك وتبتسم بأسى. بالطبع، من المتوقع أن تقوم دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة تأهيل كامل للنظام البحريني المكابر. الآن لا يوجد سوى قلة قليلة من المجتمع الدولي تكترث بالشأن البحريني، وإذا ما تم الاعتماد على الرياض في المسألة السورية، فلن يجرؤ أحد بعد ذلك على التساؤل حول ما يحدث هناك\”.
وأضاف الباحث \”الأمر نفسه ينطبق على مصر، حيث دعمت دول الخليج وبقوة الانقلاب العسكري الذي أطاح بالرئيس محمد مرسى – ضد الرغبات الأميركية القوية، حيث بذلت واشنطن قدرا كبيرا من الجهد في دعم التحول الديمقراطي المضطرب في مصر والعمل مع قيادة الإخوان المسلمين المنتخبة، لكن للأسف فقد ساندت دول الخليج (على الأقل)، الانقلاب العسكري الذي أطاح بتلك التجربة، وذلك من خلال تقديم مليارات الدولارات بشكل علني لتعويض أي خسارة محتملة من المساعدات الغربية. والآن ستجد واشنطن بأنه من الأنسب القبول بالأمر الواقع ومن المحتمل أن تتلاشى بهدوء تلك الدعوات المطالبة بقطع المساعدات عن القاهرة\”.
وأردف \”لا شك أن الاعتماد على دول الخليج سوف يؤثر على الأمر المتعلق بإيران، حيث أرسل الرئيس الجديد حسن روحاني إشارات \”رائعة\” عن التحول في السياسة الإيرانية الخارجية بما في ذلك إمكانية الوصول إلى اتفاق حول برنامج إيران النووي، وقد يكون من الصعب على أميركا اعتماد الخيار الديبلوماسي إذا ما عارضها حلفاؤها الإقليميون، فالأنظمة الخليجية لا تخفي وجهة نظرها بأن ما يدور على الساحة السورية إنما هي حرب بالوكالة مع إيران. إن حربا بالوكالة (في حالة عدم حدوث حربا ساخنة أو ضربات صاروخية)، سوف تحد من احتمالية حدوث تقدم في الجهود الديبلوماسية مع إيران. وما يثير السخرية أنه إذا ما حدث فعلا تدخل عسكري أميركي في سورية، فسوف يقلص بدل أن يزيد مصداقية التهديد الأميركي لإيران، كما ستنزلق الولايات المتحدة الى منحدر لزج في وحل المستنقع السوري، ما يفقدها شهيتها في القيام بحرب ضد إيران\”.
وقال ايضا \”ينظر الكثيرون في واشنطن بقلق شديد إزاء الصراع الطائفي بين السنة والشيعة الذي يعيد تشكيل المنطقة. ولديهم الحق في هذا الشعور، فتعميق هذا الانقسام الطائفي يشكل مخاطر كبيرة وتهديدا بانتشاره إقليميا تغذيه ذاتيا تلك الاضطرابات التي سينتج عنها حتما شلال لا يتوقف من الدماء وقمع للأقليات وتمزيق للنسيج الاجتماعي، إلا أن زيادة تسليح الجماعات المتمردة في سورية سيضمن عمليا ازدياد سوء هذه الانقسامات، وليس العكس. سوف يكون خطاب الشبكات الإسلامية والأفراد بحشد التأييد الشعبي للجهاد في سورية على امتداد دول الخليج طائفي، لذا يتوجب على الولايات المتحدة الضغط على دول الخليج لاتخاذ إجراءات صارمة لمواجهة خطاب الكراهية الطائفي، غير أن واشنطن قد لا تكون في وضع يمكنها من خلاله الضغط على دول الخليج بفعل أي شيء\”.
وأكد أنه \”بطبيعة الحال، ازدياد الاعتماد على دول الخليج، ليس وحده فقط تكلفة الحرب بالوكالة، فالولايات المتحدة بحاجة إلى إعادة التفكير حول الحركات الإسلامية التي نادرا ما تتغير أفكارها واستراتيجيتها وعلاقاتها، وسورية بكل تأكيد جزء من هذه الاضطرابات الإسلامية، والتي أصبحت موقعا لاحتواء الجهاديين والتعبئة الجهادية أكثر مما كان عليه الوضع في العراق. وهناك ما هو أبعد من ذلك حيث احتضنت ساحة المعركة تنظيمات مختلفة كجبهة النصرة ودولة العراق والشام الإسلامية وتنظيم أحرار الشام، ويعتمد دعم هذه التنظيمات على شبكات واسعة تمتد على جميع أراضي دول الخليج وما جاورها يتزامن ذلك مع دعوات لجمع التبرعات وتعبئة المجاهدين للجهاد في سورية، حيث يحتل الخطاب الإسلامي والجهود التنظيمية مكان الصدارة\”.
وتطرق الباحث الأميركي الى أنه \”كما يميز التنظيم الجماعات الإسلامية بسورية كذلك أصبحت منظمات إسلامية أخرى كجماعة أنصار الشريعة في الشمال الإفريقي وتنظيم القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية تقوم بتنظيم المجتمعات المحلية إضافة إلى تطورها سياسيا، ما يجعل من الوارد قدرتها على الحشد متى ما شاءت\”، مشيرا الى أن \”الجهاديين يزايدون على ولائهم الإسلامي مقارنة بإسلاميين وضعوا ثقتهم في المشاركة الديموقراطية كما حدث في مصر، حيث أطاح بهم الانقلاب العسكري، ولا أحد يعلم كيف سيتكيّف الإخوان المسلمين مع الإنقلابيين في ظل موجة القمع التي تشن عليهم والغضب الشعبي المناهض للإسلاميين\”.
وتابع مارك لينش بالقول \”على المسار الموازي لا تزال هناك صراعات مستمرة بوتيرة أقل بروزا لا تظهر على أجندة مزدحمة بما هو أكبر منها، فاليمن تراجع إلى منطقة الظل المعتادة بعيدا عن اكتراث العالم به، وفي العراق لا تزال وتيرة العنف في تصاعد امتدادا للصراع السوري ونتيجة لسعي رئيس الوزراء المالكي الدؤوب لمركزة السلطة، أما ليبيا فقد انحدر فيها مستوى الحوار مع الجماعات اليمينية حول بنغازي إلى درجة من الحمق، ولكن لا زال بإمكانها الاعتماد على الجهود الدولية، أما تونس التي تمر بمرحلة انتقالية، فإنها لا تزال تكافح وتحتاج إلى مد يد المساعدة\”.
وبالطبع كما ذهب الباحث الأميركي، فإنه \”مع عملية الغرق أكثر في المستنقع السوري سيتم وضع عملية السلام الاسرائيلية الفلسطينية على الموقد الخلفي (حيث كانت تقبع براحة منذ عقود)، وربما يعتقد وزير الخارجية الأميركي جون كيري أن بإمكانه أن يكون وسيطا في محادثات السلام ووقف إطلاق النار بسورية في نفس الوقت، لكن يبدو أن هناك قلة قليلة تتفق معه في ذلك. وبكل تأكيد انه سافر من جنيف إلى القدس (الاحد الماضي)، لكن الحقيقة أنه لا يوجد لديه مجال واسع يستطيع احتواء كل ذلك\”.
وشدد على أن \”الكارثة الإنسانية الاستراتيجية السورية تستحق كل ذلك الاهتمام الدولي، وأكثر غير أن استراتيجية الحرب بالوكالة تشتمل على تكاليف أكبر وفوائد أقل مما يتم الاعتراف به عادة، إنها ليست أقل تكلفة كبديل للضربات العسكرية كما هو معلن، بل ستكلف المصالح الأميركية الأخرى كثيرا إضافة إلى أنها تقوم على افتراضات هشة\”.
واختتم لينش مقاله المطول في \”السياسة الخارجية\” الأميركية، بالقول \”ينبغي على واشنطن أن تقضي وقتا أقل في التفكير باستراتيجية النظرة الخليجية اتجاه سورية، والاهتمام بشكل أكبر في مصالحها الخاصة وأهدافها واستراتيجيتها في المنطقة\”.

إقرأ أيضا