فضيحة عائلية

لم يعد هناك ما يقلق السياسيين سوى انتشار أخبار فسادهم، أنباء طمعهم وتهالكهم على صغائر يعافها حتى ضعاف النفوس، لم يعد شيء يخيفهم سوى برامج في فضائيات، ينفّس فيها المواطن عن اختناقه، برامج تخفف عنا شعورنا العميق بالعار أن حاكمينا على هذه الدرجة من الضآلة والصغر.
لا يهتم الحاكمون اليوم إلا بالإعلام. قبل يومين، أغلقوا مكاتب إحدى الفضائيات، وأمس عملوا مؤتمراً حضره رؤوس القوم، \”قومي رؤوس كلهم – أرأيت مزرعة البصل؟\”. كل الخائفين من الإعلام التأموا أمس، ليناقشوا خطر وجود فضائيات تكشف لصوصيتهم وفقدانهم الحس البشري السويّ أمام مرأى دم مواطنيهم الذي يسفك كلّ يوم.
تكلموا مديداً، حضرت روزوخنيات حفظوها منذ زمان بعيد، ليطبقوها منهاجاً في الإعلام الحديث. واتفقوا جميعاً على ان الإعلام الجيّد المهنيّ هو إعلام غير فاضح، فالله ساتر يحب الستر.
لا يكره السياسيّ فساده ولا يشمئزّ منه، بل يكره أنباء هذا الفساد، ولا يخاف من أن يُطعم أهله سحتاً حراماً، بل يخشى أن يعرف أحد ان ماله حرام. ولا يرتعب أمام جثث مواطنيه الذين يشارك هو في قتلهم، بعون من فشله وطغيانه واستئثاره بالسلطات كلها، ورغبته في أن يتأبد على كرسيه، بل يرتعش هلعاً أمام من يذكره بمسؤوليته هو مع أخيه الإرهابيّ في إراقة هذا الدم الحرام.
يريد السياسيّ الحاكم لفضيحته التي تتكرر كل يوم أن تظلّ بمنأى عن الكشف، يريدها فضيحة عائلية، فضيحة الأب الذي يرى بعض أهل بيته في وضع مشين فلا يهتز لذلك، بل يجهد في أن يتستر عليها، ليس العار في الفعل نفسه، بل في إذاعته.
لأجل هذا أنشأوا فضائيات لهم ولأحزابهم، فضائيات \”عراقية\” ليس فيها من العراق إلا الرسم والاسم، ويريدون أن يغلقوا الفضائيات التي لا تلمّع صورتهم إذ التلميع ليس مهنة الإعلاميين، بل مهنة صباغي الأحذية الذين صار لدى بعضهم هويات صحفيين رسميين.
قام السيد رئيس الوزراء أمس بتحريض الفضائيات \”الملتزمة\” ضد \”الفضائيات \”المارقة\”، وكذا فعل المتحدثون بعده، إلى أن وصلت النوبة للسيد الجعفريّ الذي فهمت من حديثه ـ بعد استعانتي بغوغل للترجمة ـ أن مشكلة العراق اليوم تكمن في الفضائيات التي تكشف الفساد وتحرض الناس على المطالبة بحقوقها، فأدركت حينها حجم الفضيحة العائلية التي لا يراد لنا أن نتعامل معها بالكلمة الأثيرة لدى السيد الجعفري \”الشفافية\”.
يشعر السياسيّ أن أرض العراق مهدت له تمهيداً، فهو الطائفيّ اطمأن إلى سعة جمهوره الذي يشاركه هذا الهاجس المقيت، وهو اللص اطمأن إلى ان المواطن البسيط لم يعد يطلب محاسبة اللصوص، فحسبه الآن المطالبة بالأمان الذي بات مستحيلاً، لكن السياسي ـ الحرامي مخطئ في هذه وتلك، فزمن إعلامه الحزبيّ الذي يعمل فيه ماسحو أحذية انتهى، ويوم حسابه قريب، ولن يستطيع شيئاً أمام هذا الانكشاف الإعلاميّ الكوكبيّ الذي أضاء حتى مغارة علي بابا في الخضراء فعرفنا وجوه اللصوص.

إقرأ أيضا