أم النّعاج تتحدى الجفاف وتحافظ على عشرات أصناف الطيور والأسماك وجزرها تحولت من مقرات لمعارضي صدام إلى أكواخ للصيادين

بمسافة قصيرة بعد ان تتجاوز المنطقة النفطية قرب الكحلاء والتي تستثمر فيها مجموعة من الشركات…

بمسافة قصيرة بعد ان تتجاوز المنطقة النفطية قرب الكحلاء والتي تستثمر فيها مجموعة من الشركات الصينية وما ان انتهت المسالك النهرية بين القصب والبردي حتى انكشف الافق على مصراعيه، سياج من القصب والبردي يحيطك من الخلف من حيث اتيت ومن الامام تبدو زرقة المياه الصافية تلاصق زرقة السماء، لا يكسر سكون تلك الطبيعة.. الا الطبيعة نفسها، وحدها اصوات الطيور بمختلف اشكالها تتردد من هنا وهناك، انها بحيرة “ام نعاج” الجزء الاهم والاكبر من هور الحويزة “الاهوار الشرقية في ميسان”.

قبل تجفيف الاهوار كانت المنطقة مترامية الاطراف وبأعماق تصل الى خمسة عشر مترا في بعض المناطق، مياه على امتداد الافق قد تتخللها هنا وهناك جزر صغيرة يعلوها القصب والبردي طافية تتنقل من مكان الى اخر وفقا لمسار الريح. وبعد عمليات تجفيف الاهوار عام 1993 تأثرت تلك البحيرة الكبيرة كما تأثر هور الحويزة بشكل عام، لكنها ربما المنطقة الوحيدة التي تحدّت الجفاف، كانت عنيدة الى ابعد الحدود، تقلصت مساحتها وتقطّعت بعض اوصالها ولكنها بقيت محتفظة بحد ادنى من المياه في جميع الفترات.

بعد سقوط صدام حسين عام 2003 استعادت البحيرة عافيتها واتسعت مساحتها، لكنها دون شك لن تعود كما كانت قبل التجفيف لان كثيرا من قراها التي كانت جزءا من الاهوار اصبحت جغرافيا جزءا من اليابسة، ناهيك عن استحواذ شركات النفط على مساحة كبيرة منها، وليس واردا مطلقا في حسابات المسؤولين في العراق الجمع بين استخرج النفط مع اسس الحفاظ على البيئة.

ورغم الفوضى التي تتسم بها ادارة الدولة العراقية بشكل عام والدوائر الرسمية المعنية بالأهوار بشكل خاص، ورغم الاجحاف الذي تعرض له مشروع انعاش الاهوار الا ان بحيرة ام نعاج لازالت تمثل بارقة امل بالنسبة لمستقبل الاهوار في العراق، التجوال في تلك المنطقة المترامية الاطراف يدعو للتفاؤل، ما يشاهد هناك من طيور واسماك وتنوع بايلوجي غني يؤكد ذلك.

السكان المحليون يسمّونها “بركة” ام نعاج وهنا لا يقصد “بركة الماء” بل المقصود “برقة”، اي البريق والتلألؤ الذي يغلب على سطح مياه تلك البحيرة حينما تنعكس فيها اشعة الشمس، وعادة ما يحصل ذلك في البحيرات الكبيرة المحاطة بغابات من القصب والبردي، والتي يكثر فيها “التهل”، ومفرده تهلة وهي عبارة عن كتلة كبيرة طافية فوق الماء، تتراكم من احراش القصب، الالياف والحشائش والترسبات الطينية فتتماسك شيئا فشيئا بمرور عشرات السنين او ربما أكثر مما يكسبها صلابة قوية، قد تكون طافية تماما فوق المياه فتتحرك ببطء وقد يصل جزئها السفلي الى القاع فتكون شبه مستقرة. انها ليست الا محطات طبيعية تعمل على تنقية وتحلية المياه، لذلك فمياه دجلة المملوءة بالغرين والطمى ترمي حمولتها في الاهوار وتكمل مسيرتها بعد ذلك مياها عذبة صافية، كما ان الجزء العائم بالمياه من التهلة يمثّل مخابئ طبيعية للأسماك، انها حلقة مهمة في سلسلة حلقات التنوع البايلوجي في مناطق الاهوار.

التجوال في ام النعاج ايضا يوقفك على اثار الصيادين الذين عادة ما يبنون اكواخهم الصغيرة فوق تلك الجزر العائمة او التهل، وهناك من يرمم له “جباشة” فوقها كي يبقى فترات اطول من الزمن، بعض تلك الامكنة كانت مقرات للثوار ضد نظام صدام حسين، في تلك الرحلة رافقنا رجل خمسيني تحدث عن الكثير من التفاصيل التي تحصل لهم فيها حينما كانوا يمارسون نشاطهم المسلح ضد اجهزة النظام القمعية قبل العام 2003.

من حسن الحظ ان من يزور منطقة ام نعاج يستعيد شيئا من الامل المفقود فيما يتعلق بالأهوار التي فقدناها ثم اكتفينا بالبكاء على اللبن المسكوب، ام نعاج لازالت ماثلة امام العيان بكامل حيويتها، لكن آمال اهلها وكل من يزورها ان تبقى زاهية متباهية بنفسها وتاريخها وان لا تتحول الى مجرد ذكرى لأهلها ولكل من مروا عليها في يوم من الايام.

التقاطة اخرى من بحيرة ام نعاج- العالم الجديد
التقاطة اخرى من بحيرة ام نعاج- العالم الجديد

 

ثوار بقرب ام النعاج في فترة التسعينات

 

ـــــــــــــــــــــ

تنويه

تزامنا مع اليوم العالمي للاراضي الرطبة وعلى على مدار الايام المقبلة ستقوم العالم الجديد بنشر سلسلة من المواد الصحفية الخاصة بالاهوار.

إقرأ أيضا