عن مفهوم الشعرية

لسنا هنا بصدد الإلمام بتحولات واتجاهات مفهوم الشعرية، ولا الادعاء بالأخذ بتعريف قطعي له؛ لأنها، ربما، تعد من أشكل المصطلحات وأكثرها زئبقية والتباساً، كما يقرر بعض الباحثين. لذلك فإن ما سنعرض له هنا لا يعدو عن كونه نظرة سريعة لهذا المفهوم، وتسجيل بعض التعريفات المتداولة له.

بدأ مفهوم الشعرية مساره على يد الناقد الشكلاني واللساني رومان جاكوبسون، الذي رأى أن موضوع الشعرية الإجابة عن السؤال: «ما الذي يجعل من رسالة لفظية أثراً فنياً». ثم تناوله تزفيتيان تودوروف في أثره الهام (الشعرية). حيث ينطلق تودوروف من البحث في الخصائص الأدبية عموماً، ليصوغ مفهوماً عاماً للشعرية، التي يحدد موضوعها بأنه ليس هو العمل الأدبي، بل البحث في خصائص الخطاب الأدبي، أو اقتراح نظرية داخلية لبنية الخطاب الأدبي واشتغاله، بوصفه تمظهراً لبنية مجردة وعامة، ويرى أنها تسعى إلى الكشف عن القوانين العامة التي تنظم ولادة كل عمل أدبي، وتبحث عن هذه القوانين داخل الأدب ذاته، «فالشعرية، إذن، مقاربة للأدب (مجردة) و(باطنية) في الآن نفسه». هذا الفهم الذي يصوغه تودوروف يتعالق بصورة ما مع مفهوم الأدبية الذي أسس له جاكوبسون، ويشار به إلى وضع سيميائي نوعي للنصوص الأدبية، ويتقاطع أيضاً مع مفهوم علم الأدب لدى رولان بارت، الذي أراده علماً لشروط المضمون، أي للأشكال، ليهتم بتغيرات المعنى المُحدَثة، أو بالمعاني الممكنة التي تحدثها الأعمال الأدبية. 

يتبين بذلك أن الشعرية هي نظرية لدراسة الأنساق الحاكمة في بناء النص الأدبي، وأنماط الخطاب الأدبي الفاعلة فيه؛ لهذا نجد تودوروف يحدد، في إطار الشعرية، مجموعة مظاهر ومستويات لدراسة النصوص، حيث يعتقد بثباتها واستقرارها في الخطاب الأدبي، ويقسمها إلى ثلاثة مظاهر: المظهر اللفظي، والمظهر التركيبي، والمظهر الدلالي.

في محايثة ذلك كانت هناك جهود وإضافات مهمة لباحثين كثر في إطار دراسة مفهوم الشعرية ونطاق اشتغالاتها، ومن بين أبرزهم: جان كوهين، وميشال ريفاتير، وجوناثان كولر، وجيرار جينيت، وكيبيدي فارغا الذي يقترب في رؤيته من تودوروف ليعرّفها على أنها «دراسة البنيات المتحكمة في الخطاب الأدبي…»، في حين عرّفها هروشوفسكي بأنها «الدراسة النسقية للأدب كأدب. إنها تعالج قضية ما الأدب؟ والقضايا الممكنة المطورة منها، كـ: ما الفن في اللغة؟ ما هي أشكال وأنواع الأدب؟ وما طبيعة جنس أدبي أو نزعة ما؟ ما نسق فن خاص أو لغة خاصة لشاعر ما؟ كيف تتشكل قصة ما؟ ما هي المظاهر الخاصة لآثار الأدب؟ كيف هي مؤلفة؟ كيف تنتظم الظواهر غير الأدبية ضمن النصوص الأدبية؟». 

تبرز الرواية بوصفها المجال الدراسي الذي تجد فيه الشعرية مبتغاها وإجرائياتها وأفقها الرحب، وبالمقابل أسهمت الرواية في تطوير الشعرية وتوسيع آليات بحثها واشتغالها. لذلك نجد فانسون جوف في كتابه (شعرية الرواية)، بعد أن يُعرّفها في مفهومها الأكثر عمومية بأنها دراسة الإجراءات الداخلية للأثر الأدبي، يؤكد «أنه يصعب اليوم تحليل نص ما دون التساؤل عن التقنيات التي يلتمسها والعناصر التي تشكله»، ومن هذا الأساس يمكن الانطلاق لفهم الشعرية وطبيعة ارتباطها بالنص السردي.

alidawwd@yahoo.com

إقرأ أيضا