فكرة الله ومشروع كانت الفلسفي

يقدم البرفيسور بيتر بايرن في كتابه \”كانت واللهKant on God \” تحليلا فلسفيا لفكرة الايمان بالله، لدى الفيلسوف الغربي الشهير\”.

ويستغرق بايرن في مقدمة كتابه الذي صدر لأول مرة في العام 2007 عن الكلية الملكية بلندن، ولم يحظ بالترجمة الى اللغة العربية لغاية الآن)، في الحديث تلك الفكرة الفلسفية التي اشتهر بها كانت، حيث يبين:

الهدف والمشكلة في هذا الموضوع هو دراسة الادعاءات بشان الايمان بالإلوهية في الفلسفة النقدية والتي ارتفعت اهميتها نتيجة لعدد من الحقائق. 

الحقيقة الاولى هي ان الفلسفة النقدية تبدو وكأنها تقدم بوضوح ازدواجية او مفارقة في استخدامها لمفهوم الالوهية، فمن جهة نجد ان الالوهية والأفكار المرتبطة بها كان يحتكم اليها ويعتمد عليها عمانؤيل كانت في كثير من مقاطعه الرئيسية من ناحية الافكار والجدل. ومن جهة أخرى نجد أن الفلسفة النقدية تخبرنا بأنه لا يمكننا أن نعرف طبيعة الله ووجوده.

لذا فانه في وقت مبكر من نقده الاول نواجه بيان \”كانت\” الشهير، فيما يتعلق بمفاهيم الالوهية والحرية والخلود، حيث يقول \”انا انكر المعرفة من اجل افساح المزيد من المجال للإيمان\”، فضلا عن الكثير من هذه المقولات التي تضمنتها الدراسة. 

القراءات الاولى للنقد الكانتي تنطوي على معنى ان عالم الالوهية لا يمكن ادراكه، لذا فان \”كانت\”، لا ينفي فقط امكانية معرفة الله، وإنما ينفي أي معنى لكلامنا في الحديث عن الالوهية، وهذه النقطة كانت مثيرة للجدل فالعديد من المعلقين على اللاهوت الفلسفي عند \”كانت\”، تجاهلوا عمدا التزامه الفلسفي عن لا معنى الادعاءات حول الكينونات المتعالية مثل الالوهية. 

ويستطيع المرء ان يلاحظ لماذا فعلوا هذا، ذلك أن القارئ لـ\”كانت\” حول فلسفته اللاهوتية اذا اخذ هذا الالتزام الفلسفي بشكل جاد، فان المشكلة التي يعتمد عليها كانت والاستخدام الايجابي لفكرة الالوهية لديه في ذات الوقت تصبح مهمة عسيرة جدا. 

ففي محاولة التعبير عن الالوهية بالمعنى التقليدي يتبخر الحديث من ايدينا، ولاستعادة ذلك المعنى فان علينا اعادة تفسير ذلك بطريقة جذرية وموضوعية جديدة، وهذا ما يدفع بالقول الى أن \”كانت\” كان يحمل رؤيا جذرية جديدة في فلسفته اللاهوتية، فحساباته لمحدودية معرفتنا في ايجاد تفسير لها في مقابل التفسيرات التقليدية دفعه لبناء مفهوم جديد لما يعنيه الحديث عنها، فعملية إعادة البناء التي يقدمها \”كانت\” يجب أن تؤخذ بروح من يحاول الاحتفاظ بالملامح الرئيسية للاستخدامات التقليدية لفكرة الايمان باللاهوت.    

هناك تغيير جذري في استخدام كانت لمعنى الايمان بالله، فبحسب تفسير مؤلف الكتاب، فان هذا الفيلسوف الكبير لم يكن اخلاقيا بالمعنى الديني، ولا مسيحيا بالمفهوم التقليدي للايمان وقياساته المعروفة، ولذا يمكن أن يصنف \”كانت\” طبقا لهذا المعنى بالمصطلحات الحديثة بأنه كان \”مفكرا لما بعد المسيحية، وما بعد الايمان\”. 

شيء من هذا القبيل يجب ان يدخل في ذات الوقت الذي يجب فيه الاعتراف بحقيقة ان فكرة الإلوهية والمفاهيم الاخرى المتصلة معها مثل الخلود، قد لعبت دورا رئيسيا في نظامه النقدي، وهو ما يخلق حالة من التوتر والتناقض لطابع فلسفة الدين عنده مرة أخرى. 

ويتبين مما تقدم ان هذه الدراسة سوف تحدد نفسها لمعارضة اتجاه معين ضد الفلسفة الانكليزية الحديثة حول الدين. وهذا الاتجاه الذي يتحول نحو \”كانت\” ويلغي كل الشكوك الدينية التي يراها البعض في الفلسفة النقدية لديه. 

\”كانت\” هو استخلاص للفلسفة الايمانية والمسيحية، ففي مقال نشرته مجلة رائدة عن فلسفة الدين بعنوان \”عمانؤيل كانت: الفيلسوف المسيحي\”، وكتبه جون اي هاري، ويدعي فيه ان \”كانت، كان على عكس كل التفسيرات حول فلسفته الاخلاقية\”، وهو ما يعني ان الاخلاق \”الكانتية\” كانت تستلزم نوعا من العبودية الشخصية للخالق من خلال الثواب والعقاب، لكن الملاحظ في هذه المسألة انها كانت تتعلق بـ\”كانت\”، ومن كان في جدال معهم فهناك وفرة من النصوص في مرحلة ما بعد العام 1870 والتي تظهر أن تفكير \”كانت\” يعتقد بأننا يجب أن نستخدم فكرة الألوهية، وما يتعلق بها من خلال كونها تشمل في مضمونها مفاهيم الشرع المقدسة بان الله هو العالم والرحمن الذي يحافظ على العالم والقاضي العادل المنزه عن كل سلوك بشري. 

لكن سؤال مفسري \”كانت\” هو الى اي مدى كان يعتقد الفيلسوف الشهير باستخدام هذه الفكرة وهل كان هذا الاستخدام مجازيا ام حرفيا؟ وهل كانت هذه التفسيرات  تنبع من تقييم او انها لا تملك من القوة إلا كما لو انها من المفترض ان تكون بهذا الشكل. 

البروفيسور ستيفن بالم كوست، وجون اي هاري يتخذان موقف \”كانت\” من الفلسفة الدينية اسلوب المجددين وهم يسيرون في طريقهم ضد الاحساس الذي يرى في كانت انه كان من المتشككين في الدين، فالجانب المتشكك في فلسفته النقدية والميتافيزيقية للدين يمثل بمثابة التحدي للعديد من الفلاسفة الذين يعتقدون ذلك فالايجابية ميتة في الوقت الحالي وما يمكن اطلاقه الان مرة أخرى هو الفلسفة العقلية اللاهوتية لكن بعض الفلاسفة المعاصرين يحاولون اعادة اللاهوت الفلسفي على الطراز القديم. انهم يحترمون كانت ايضا لذا فإنهم يريدون ان يظهروا انه بجانبهم، وهناك حركة قوية جدا في الفلسفة الانكليزية المعاصرة للدين في مجال الفلسفة المسيحية تريد استعادة كانت كما لو انه كان اكثر تدينا مما تسمح به الشروح القديمة. 

اما ما يتعلق بجانب المتشككين فان النظرة اليه على هذا الجانب كانت قديمة جدا فقد كتب الفيلسوف الالماني هاينرش هاينه العام 1835 كتابا يتحدث عن كانت باعتباره من فلاسفة الشك، لكن هاينة النظير المدمر كان يتناقض مع حياة كانت الهادئة كباحث وهذا ما جعل كانت بين اثنين من التوترات الفلسفية الكبرى فالمتدينون يرون في كانت انه الى جانبهم بينما يرى المتشككون عكس ذلك. 

لكن اي دراسة ذات مصداقية في الواقع عن \”فلسفة كانت\” النقدية يجب ان تقر وتعترف بالمفهوم الايجابي لفكرة الايمان بالإلوهية، فقد كانت مرحلة ما بعد عام 1780 في حياته تستند على اهتمامات تعتبر جزأ لا يتجزأ من فلسفته النقدية، وهذه الجوانب الايجابية لم تكن موجودة، لأن \”كانت\” كان قلقا من دموع الطبقات الدنيا في المجتمع او لأنه كان قلقا من الرقابة في بروسيا سابقا (النمسا وألمانيا حاليا)، بل لأنه كان يؤمن بذلك وهو ما زاد من التوتر الحاصل الى جانب من يرون في كانت انه كان متدينا وليس متشككا.  

إقرأ أيضا