كلب الماء الذي استهوى الرحالة الاسكتلندي “ماكسويل”

بين ابرز الرحّال والمستشرقين الذين زاروا مناطق الاهوار وعاشوا فيها وكانت لهم معها قصص بل مغامرات…

بين ابرز الرحّال والمستشرقين الذين زاروا مناطق الاهوار وعاشوا فيها وكانت لهم معها قصص بل مغامرات حرصوا على توثيقها بشكل او بآخر، من جملة هؤلاء الروائي الاسكتلندي كافن ماكسويل ” Gavin Maxwell” فلهذا الرجل “1914- 1969” رؤية مختلفة بعض الشيء عمن سبقوه انطلاقا من كونه يمسك بإحدى يديه تخصصا في الشؤون البيئية ويمسك باليد الاخرى خيالا خصبا جعل منه روائيا ناجحا.

قدّم ماكسويل الى الاهوار عام 1956 برفقة الرحالة الشهير وليفريد ثيسيغر، قضى بضعة اشهر هناك، اثر تلك الرحلة كتب روايته الشهيرة “قصبة في مهب الريح” التي حازت على جائزة “هينمان للادب”. الرواية ليست الا نتاج مشاهدات عينية في مناطق الاهوار، وتضمنت إلتقاطات ذكية عن طبائع وحياة الناس هناك، مصاغة بلغة ادبية محكمة.

ولان الرجل مختص في الشؤون البيئية فقد لفت نظره بشكل خاص حيوان “كلب الماء” لدرجة انه طلب اصطياد هذا الحيوان، وحينما حصل عليه أخذه الى لندن، فضّل ماكسويل ان يسمي رفيقه باسم محلي “مجبل”، وبعد اجراء الفحوصات من قبل علماء الحيوان في لندن على كلب الماء او مجبل تبيّن انه حيوان سومري قديم ونادر

واطلق عليه اسم علمي “lutrogale perspicillatu maxwelli”، مأخوذ فيه بعين الاعتبار اسم ماكسويل باعتباره المكتشف لذلك الحيوان، وهذا ما دفع ماكسويل الى تأليف كتاب عن ذلك الحيوان بعنوان “حلقة في الماء اللامع” لاقى حينها شهرة كبيرة جدا.

ماكسويل وقبل ان يحصل على ذكر ذلك الحيوان “مجبل” اشترى جروة كلب ماء، تعلّق بها كثيرا واسماها “كحلاء”. عنها يكتب ماكسويل “ان معظم صغار الحيوانات تتسم بالجمال، ولكن لهذه الجروة من السحر في كل نقطة من جسمها ما لم اجده في صغار اي حيوان آخر، ولا يمكنني الكتابة عنها دون ان احسّ في داخلي بغصّة من اجلها.

اشترى لها زجاجة الحليب من اجل ارضاعها، يسترسل ماكسويل كثيرا في توصيف رضعات كحلاء فيكتب: “كانت ترضع مستلقية على ظهرها وممسكة بالزجاجة بين مخالبها كما يفعل صغار الدببة وحين تنتهي من الرضاع تأخذها اغفاءة لذيذة بينما حلمة المطاط لا تزال في فمها، وعلى وجهها الطفل تعابير من رضى واقتناع”. يقف ماكسويل في كتاباته طويلا عند هذا الحيوان ويستمتع كثيرا بالكتابة عن كحلاء، خصوصا بعدما كبرت واصبحت تتناول اللحوم.

بعد موتها ايضا لم تبارح ذاكرته على الاطلاق “كثيرا ما كنت افتقد كحلاء عندما اجلس لأكتب عنها عند عودتي لأرض الوطن، ويأخذني الحنين فاطرح المسودات والقلم جانبا واخرج الى الباب واصفّر فينطلق من البحر على مسافة خمسين ياردة “مجبل” الذي خلّف كحلاء ويأتيني راكضا فوق رمال البحر ويقفز من حولي ثم يدخل البيت ويذهب لينام على ظهره الى جانب الموقد، كان مجبل كلبا من كلاب البحر ذا اهمية كبيرة فإن جنسه كان غريبا وجديدا على العلم، ولو اكن لاكتشفه هناك لو لم تمت كحلاء التي كم تمنيت لها الا تموت.

وبمناسبة الحديث عن “كلب الماء” تعود مرة اخرى قصة الاختلاف وعدم توحيد المصطلحات العلمية، مرة اخرى نجد انفسنا امام تضارب في الاسم الدقيق لهذا الحيوان، بل المشكلة فيه ربما تكون اكثر وضوحا مما سبق، لأنه اساسا حيوان نادر، بعضهم يعتقد انه “قندس” وآخرون يعتبرونه  قضاعة “Otter”  او ثعلب الماء وغيرها من الاسماء.

وبالمجمل العام فإن كلب الماء ينتمي لصنف الثدييات البرمائية التي تنتمي الى فصيلة العرسيات، وتتغذى على الاحياء المائية، تسكن في جحور تحفرها قرب ضفاف الأنهار والمستنقعات، وبحسب المنظمة العالمية للحفاظ على القضاعات “IOSF” فإن هناك سبعة أجناس منها تنتمي الى ثلاثة عشر نوعاً يواجه بعضها خطر الانقراض، فيما أدرج الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة ومواردها “IUCN” القضاعة ذات الفراء الناعم او “كلب الماء” على اللائحة الحمراء للحيوانات المهددة بالانقراض.

ولقلة تواجد كلب الماء حتى في الاهوار يهوى مهرة الصيادين التخصص في صيد هذا النوع من الحيوانات، اذ يتطلب متابعة دقيقة لتواجده وتحركاته فهو لا يظهر الى السطح الا نادرا كما انه يسبح بمهارة عالية وحينما يريد الخروج فإنه يخرج جزءا بسيطا من رأسه وانفه فقط، مما يصعّب عملية اصطياده.

انه حيوان بفرو ناعم وفاخر ويباع بثمن مرتفع جدا ولأنه يعرف انه مطلوب بقوة، يبتعد في عمق الاهوار بعيدا عن الانظار.

إقرأ أيضا