هذا العيد لا يُعوّل عليه

ارتبطت الاعياد عبر التاريخ بالشعائر الدينية في الاديان الوثنية والتوحيدية، وذلك ما يجعل العيد للمؤمنين حصرا ولمن يؤدون الشعائر منهم فقط، وهذا من الناحية الفكرية واحيانا العملية أيضاً. ومحاولة الحداثة خلق أعياد للعلمانيين لم تأت بالكثير، فبعض الأعياد مخصصة بشريحة من المجتمع، وبعضها مؤدلج له علاقة برؤية فكرية شمولية أو خطاب سياسي، والقليل منها عام وانساني، وحين يوجد فهو باهت ولا تهتم به الناس كثيراً.

الانسان غير المتدين لا يملك عيداً عاماً اليوم، وهو يشعر بالغربة عادة حين يصادفه عيد شعائري ما، خصوصاً ان الشعائري من الأعياد محمّل بالكثير من العلائق العشائرية وأعراف لا يؤمن بها حتى من يؤديها في الأعم الغالب. وقريباً من حدث العيد تجد غير المؤمن مرتبكا وعلى قلق، وغربته ليست بسبب كونه غير اجتماعي كما يوصف غالباً، بل لانه يفترق فكريا عن محيطه المحتفل، واقسى ما يعانيه حين يُجبر على تأدية الشعائر ليكون من أهل العيد تحت ضغط العائلة والوسط الذي ينتمي له، وفي أحيان أقل تحت ضغط المكان الذي يعيش فيه.

أفكر الآن في الطريقة التي تعاطى فيها اللادينيون عبر التاريخ مع أعيادهم الشعائرية، فهل كان ابن الراوندي وصالح بن عبد القدوس مثلا يختبئون أيام العيد؟ خصوصاً ان في زمنهم من كان يحاسب المتغيب عن الشعائر كصلاة العيد مثلاً. الصوفيون الذين خلقوا دينهم الخاص كيف كانوا يعيشون أعياد العامة؟ والحلاج الباحث عن نوروز الدم مثلاً، هل جاهر بانفصاله المعرفي والديني عن أهل العيد؟ ماذا فعل عمر الخيام والفارابي والمعري بمواجهة العقل الجمعي المحتفل؟.

المفارقة المؤلمة ان أكثر الأعياد ترتبط باهراق الدم و تقريبه كشعيرة دامية لا يتغير شكلها، وأغلبها تنتهج النحر طريقاً في ذلك، والتغيير الذي طرأ على نوعية الأضحية من البشر الى الحيوانات، محاولة لتخفيف البشاعة لم تمحها أبداً، بل جعلت الدم يختلط بخيال المؤمن اختلاطاً بشعاً يجعل التضحية سلوكاً طبيعياً في سبيل نيل رضا الذات الكبرى والتضحية بالحيوانات بديلاً عن البشر تم اختراقها كثيراً، وليس الجعد بن درهم سوى رجل لم يتفق مع محيطه المحتفل فتمت التضحية به على يد والي العراق خالد القسري في عيد الأضحى ابان العصر الاموي.

في الذاكرة عيد أضحى آخر، وهو الذي صادف اعدام الدكتاتور صدام حسين حيث فهم مسلمون كثر اعدامه بهذا التوقيت على انه تضحية بشرية وهو ما لا يمكن ايجاد فهم آخر له منطقياً برغم أهمية اعدام صدام كلحظة عدالة تاريخية اطفأت نيران قلوب كثيرة.

عيد الأضحى المقبل، لن يختلف كثيراً بالنسبة لمن يحتفل ومن سيعتزل، وأكثر الخوف فيه من التضحية البشرية التي من الممكن أن تقع عبر التفجيرات كما شهدنا في الأعياد السابقة، وهو بالنسبة لمن لا يؤمن به بهذا الحال، لا يعول عليه تناصاً مع أحد أكثر الباحثين عن أعيادهم الخاصة محيي الدين بن عربي.

إقرأ أيضا