45 عاما على المخبر السرّي!

فتح خبر إلغاء ألف مذكرة قبض صادرة عن جرائم ارهابية لمواجهة ظاهرة تشابه الأسماء، باب…

فتح خبر إلغاء ألف مذكرة قبض صادرة عن جرائم ارهابية لمواجهة ظاهرة تشابه الأسماء، باب التساؤلات واسعاً عن أسبابه، لاسيما أن العدد ضخم جدا. فهل تعرض القضاء لضغوط اجبرته على اتخاذ هذا القرار؟

 

بالعودة إلى سنوات العنف الطائفي وضعف مؤسسات الدولة وسيطرة تنظيمات ارهابية على مناطق واسعة داخل بغداد وخارجها، اضطرت المحاكم حينها إلى اصدار مذكرات قبض وفق اقوال المخبر السري، أو باسماء ثنائية أو اسم منفرد مع اللقب لمواجهة الهجمة الشرسة حينها، وهو ظرف استثنائي قد جرى التخلص منه.

 

مع الوصول إلى العام 2010، شهد عمل الجهات التحقيقية طفرة نوعية، وحصلت المحاكم وطواقمها على قاعدة معلومات كاملة عن الإرهابيين، بل إن الإجراءات القضائية أسهمت في كشف تواجد قادة تنظيم القاعدة حينها امثال ابو عمر البغدادي وأبو ايوب المصري اللذين تم قتلهما بدلالة أحد المتهمين.

 

لاحظ القضاء في السنوات الاخيرة أن عدداً من المخبرين السريين عمدوا الى منح معلومات غير صحيحة إلى المحاكم اسهمت في زج ابرياء في المواقف، فبادر إلى اصدار اعمامات متعددة توجه بعدم الاعتماد على اقوال هذه الشريحة في اصدار مذكرات القبض، معتبرا المخبر قرينة تدعو للبحث عن ادلة تدعمها قبل التوقيف.

 

ولم يكتف المسؤولون عن الملف القضائي بتعطيل الاعتماد على المخبر السري كسبب للقبض، بل اكدوا على محاسبة من يدلي بمعلومات كاذبة، وتم بالفعل الحكم على 100 مخبر منهم في بغداد مؤخراً.

 

لا يمكن عدّ الغاء الف مذكرة قبض نتيجة لردة فعل، بل هو امتداد لما تمخض عنه لقاء رئيس السلطة القضائية الاتحادية القاضي مدحت المحمود مع وزير الداخلية محمد سالم الغبان نهاية العام الماضي، ومن ثم زيارة رئيس المحكمة الجنائية المركزية، القاضي ماجد الاعرجي، إلى مديرية مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة، وتشكيله لجانا تدقق في المذكرات القضائية الثنائية أو ذوات الاسم واللقب فقط، أو الصادرة بناءً على اقوال المخبر السري.

 

وقت الزيارة التي جرت مطلع 2016، تم الاتفاق على تشكيل لجان تحقيقية تتولى تقديم المطالعات عن المذكرات القديمة، وتعطي اولوية لملف تشابه الاسماء لمعالجته.

 

النتائج ظهرت الان، بإلغاء هذه المذكرات بنحو ليس اعتباطيا، بل استند الاجراء إلى المادة 94/أ من قانون اصول المحاكمات الجزائية التي تجيز للمحكمة التي اصدرت مذكرة القبض أو الاعلى منها كمحكمتي الجنايات أو التمييز الغاؤها.

 

وطالب بعض الاعلاميين في مقالات لهم بتعويض من صدرت بحقه مذكرات قبض أو توقف ولم تتم إدانته، في وقت حسم المشرّع العراقي الجدل على هذا الملف.

 

المشرّع ذاته هو من اجاز الاستماع إلى اقوال المخبر السري منذ 45 عاماً، وتحديداً في الفقرة الثانية من المادة 47 لقانون اصول المحاكمات الجزائية الصادر في العام 1971 التي منحت للمخبر عن الجرائم الخطيرة ومن بينها التي تصل عقوبتها للاعدام كالارهاب “طلب عدم الكشف عن هويته وعدم اعتباره شاهداً..الخ”.

 

لابد من التفريق بين نوعين من الافراج، الأول لعدم كفاية الادلة وهو أن الجريمة موجودة مع توفر الادلة لكنها غير كافية لاحالة المتهم أو الحكم عليه، وهنا لا يحق له المطالبة بالتعويض كما ان غلق القضية يكون مؤقتاً بحسب مدد حددها القانون، حيث ان المشتكي استخدم حقه القانوني باللجوء إلى القضاء.

 

اما اذا صدر الحكم بالبراءة، وذلك يكون بدليل واضح وصريح على عدم ارتكاب للجريمة، كأن يثبت بأن القاتل هو شخص اخر، أو ان الجريمة لم تحصل، أو أن المتهم كان خارج البلاد وقت ارتكابها – هذه الحالات على سبيل المثال لا الحصر-، وهنا يستطيع البريء اللجوء إلى المحاكم المدنية لمقاضاة المتسبب باصدار مذكرة القبض أي المشتكي أو المخبر للحصول على تعويض منه شريطة أن يثبت سوء نيته -أي أنه يعلم بعدم ارتكاب المتهم الجريمة-.

 

وهذا الامر يشمل ايضاً من جرى توقيفه وفق اقوال مخبر سري كاذب، فتقوم المحكمة من تلقاء نفسها بتحريك شكوى ضدّ هذا المخبر وفي حال ادانته من قبل محكمة الجنايات فأن الاخيرة تمنح المتضرّر من اقواله بالعودة عليه بالتعويض من خلال المحاكم المدنية.

 

ولابد من الاشارة إلى ان محكمة التمييز الاتحادية قد الزمت، في قرارات لها، وزارتي العدل والداخلية بدفع مبالغ كبيرة وصلت لـ 40 مليون دينار إلى اشخاص لم تطلق سراحهم برغم صدور قرارات قضائية بالافراج عنهم أو أن محكوميتهم قد انتهت.

 

أرى أن من مهام الصحفيين الاساسية امتلاك الثقافة القانونية لكي تمكنهم من تشخيص الاخطاء وتحميل الجهات المعنية مسؤوليتها، فالغاء المخبر السري على سبيل المثال يتطلب تدخلاً تشريعياً من قبل مجلس النواب لتعديل قانون اصول المحاكمات الجزائية برغم أن القضاء حد من اثاره السلبية.

 

إن القضاة يطبقون القانون واي تعديل عليه يقع على عاتق مجلس النواب، وهو أمر ينسحب على النصوص العقابية التي ينتقد القضاء من قبل البعض بأنه اصدرها مخففة كانت أو مشددة، في حين أن المشرع قد حددها مسبقاً.

 

إقرأ أيضا