عمر السراي لـ(العالم الجديد): أنا من جيل المحنة لا ما بعدها.. والحداثة أن تعاصر كل الأشياء

عمر السراي.. شاعر عراقي من مواليد 1980 حاصل على شهادة البكالوريوس في اللغة العربية من الجامعة المستنصرية، وعضو مؤسس لنادي الشعر في الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق وترأس دورتيه الثانية والسادسة. شارك في العديد من المهرجانات داخل وخارج العراق، وحصل على جوائز عديدة أبرزها جائزة الدولة في العراق، وجائزة المميزون في لبنان، وجائزة الصدى في الإمارات، وجائزة سعاد الصباح في الكويت وغيرها. 

يعد السراي من الأصوات الشعرية المميزة التي ظهرت ما بعد 2003، حيث واصل نشر مجموعاته الشعرية التي رسخت تجربته، وهي \”ساعة في زمن واقف\”، \”ضفائر سلم الاحزان\”، \”سماؤك قمحي\”، \”وجه إلى السماء\”، \”للدرس فقط\” وغيرها. 

وللحديث عن منجزه الشعري وتجربته التقته \”العالم الجديد\”:

* ما الحداثة الشعرية بالنسبة لك؟

– أن تكون أصيلا في التعامل مع الكون في قصائدك.. أن تكتب نيابة عن الأشياء.. التي لا تبلغ ألسنتها درجة البوح.. أن تعاصر كل شيء ليثبت في وجنة الزمان.. أن تكون قريبا من المدينة التي تحيط بك.. وصادقا في تلمس عكازها إن كانت عرجاء.. وأن تصير منديلا لزجاج نظارتها إن عانت من عسر الرؤية.. أن تكتب لكي لا تكذب.. ولا تستعير قبعات الغير.. وبالتالي رؤوسهم.. الحداثة في الشعر أمر معقد وبسيط.. يقتله التنظير.. وينعشه أن تكون إنسانا أولا تعيش الحياة لتدرك حجم تفوقها وتطورها كل رفة رمش.

* هل تعتقد أن قصيدة النثر تمنحك مساحة أكبر للبوح في كل ما لديك؟ ولماذا تعتبرها بأنها قصيدة ليست للمستقبل، بل هي قصيدة الآن؟

– لم أعانِ يوما وأنا أكتب في القصيدة ذات الشطرين أو التفعيلة من المساحة.. إلا أن ضيق المساحة دعتني دائما إلى أن أراكم الصور الشعرية عن طريق التوسع العمودي. وحين اكتشفت أن لا ضرائب ولا أجور أكثر على إشغال مساحات أرض الشعر.. قررت في لحظة صحو أن أكتب قصيدة النثر.. لا هربا ولا خوفا وتأثرا، إنما لكي أصل لأقصى أرض ربما لا أراها الآن.. ثم لا أعود إلا لأرض جديدة.. قصيدة النثر – كما أراها – تشبه الـ (آن) غير ملتزمة.. وقابلة للتشكل وعبثية وطرية السطح، لذلك كتبتها.. نعم تمنحني دفقا أكبر للبوح.. لكن السبب الأساس لكتابتها.. هو لكي لا تبقى القصيدة محض قصيدة، بل تكون ضيفا وربة بيت في المسرح والتلفزيون والسينما.. الشعر هو البوح وقصيدة النثر خياري الآن مع استمراري على الكتابة الموزونة في أمور أخرى.. الأهم أن تكون دافقا مع الكلمات لتصل أعمق.. واعترضت على من يعد قصيدة النثر خيارا مستقبليا.. وهي تقضي عقدها الخامس أو أكثر في الوجود.. وتتحول إلى شكل طارد.. قصيدة النثر موجودة الآن، وقبل سنوات.. لذلك هي قصيدة تنتمي للحظة الحالية ولم تنتظر فرصة لكي تقول: أنا هنا.

* تنوعت الأساليب الشعرية لنصوص مجموعتك الشعرية \”للدرس فقط\”، ما بين الغنائية والسردية والدرامية؟ ولماذا اخترت عنوان المجموعة \”للدرس فقط\”؟ 

– في مجموعتي (للدرس فقط).. نزوع مني نحو الدرامية.. فجل قصائدي متعددة الأصوات.. لأني كتبتها وفي قلبي حوارات لما يحيط بي من حيوات.. أما لماذا أسميتها بهذا الاسم.. فقد نزعت بهذا الاسم عن المتلقي عناء حفظ شيء منها.. أتذكر حينما كانت تصادفنا القصائد في منهج الأدب والنصوص التي يكتب أعلى يسارها للدرس فقط.. كنا نحبها أكثر من القصائد التي يكتب أعلى يسارها للدرس والحفظ.. وكنا نحفظ ما للدرس لحبنا لها.. وليس لأننا مجبرون.. ولأن جلَّ قصائد المجموعة كانت من التفعيلة وقصيدة النثر، أردت لها أن توصل رسالة بأن الشعر وحده يستطيع أن يقول ما يشاء وقتما يشاء.. لذا أرت لها أن تدرس اكثر مما تتداول شفاها.. وهذا ما أظن بأني وفقتُ بأن أصل إليه.. فهي مجموعة بها نفس نخبوي يحتاج له الشاعر لعمق بصمته في تاريخ كتابته.

* قصيدتك \”غريب بلا خليج\”.. لماذا هيمنت التشاؤمية على صور النص الشعرية؟

– غريب بلا خليج.. هي بنتُ مأساتنا.. حيث الشوارع تعض أقدامنا الطرية.. وهي دفقة كتبتها في سورة حزن عميق، ولا أستغرب.. ألسنا منقوعين بالسواد.. ألسنا نبكي بلا صدر يهدهدنا.. ألم تختلط الأسلاك بدمى أطفالنا.. ألم تهاجر طيورنا الملونة..؟ كل هذا قد جرى ونحن شهود.. لذلك كانت القصيدة.. مع أني احتفل بالأمل فيها بدعوتي بأن نملأ كل ثغر بقبل النساء.. لأن الأرض ملت من وأد رجالنا أكثر من نسائنا.

* هناك من يطالب الأدباء بأن يتفرغوا لإبداعهم.. بالنسبة إليك، هل يتعارض عملك في الإعلام مع مشروعك الشعري؟

– لو لم يكن الشاعر مندمجا مع الحياة.. لما استطاع أن يكتب شيئا.. لذا أؤمن بالعمل وسيلة للكتابة أكثر من الدعة والاسترخاء، لكن العمل الذي نعمله الآن يقتلنا ويسحق أوقاتنا ويجيرها له دون منحنا فرصة، لكي نمارس شيئا من الكتابة.. نعم أتعب كثيرا.. واطرد القصيدة حينما تباغتني في وقت عمل لي لأني مضطر لذلك.. ما أتمناه، هو ان يعمل الأديب.. عملا يكفيه ويغنيه ليعيش عيشة لائقة وهو أدنى ما يستحقه أي مواطن مبدعا كان أم لا.. وأن تسعى المؤسسات للاستفادة من ذهن الأديب في رفد المشروعات واستلهام الخيالات للاستمرار.. فالأديب إنسان اولا.. وله من المتطلبات ما يحتاجه، لكن المأساة تكمن في ان كل النتاج الادبي الآن يرتبط بالمجانية في العراق.. حيث لا سوق كتاب او كاسيت رصين، لكي يعيش منها الأديب عيشة لائقة.. وهو ما دفع الشعراء لأن يعملوا أكثر من البشر، لكي يعيشوا كالناس ثم ليملوا إبداعهم واحتياجاتهم، وكأن ابداعهم صار عبئا عليهم لأنهم يطبعون لأنفسهم باموال طائلة ليهدوا الكتب للناس بلا مقابل يعينهم شتاء الحاجة.. لكني أؤمن بأن يعمل الشاعر اكثر من غيره.. لكي يحقق أسطورة الكائن الاستثنائي.

* هل أنت راض بمصطلح \”جيل ما بعد المحنة\”؟ 

– لا يعنيني كثيرا مع احترامي لكل من اعتمده أو نظر له.. لأننا جيل حققنا ظهورا زمنيا شئنا أم أبينا.. لكننا لسنا (بعد المحنة).. فالظروف التي عشناها كانت هي المحنة ذاتها فأين الــ (ما بعد) في هذا الأمر.. أرى بأن من الأدق أن نكون مع مجموعة الشعراء المتزامنين في وقت واحد وهم واحد.. أن نكون جيلا للتغيير، فقد صنعنا التغيير بأيدينا وأقصد التغيير الادبي والثقافي، لأننا كنا من الموجودين آخر عصر الديكتاتورية، وقدنا الأعراف الثقافية بعد التغيير، لذلك نحن من غيَّر الساكن القديم وألبسه ثوب الجديد.. فقد جمعنا في قلوبنا الــ (قبل) الذي هشمنا أصنامه.. والــ (بعد) الذي صنعناه لمن جاء بعدنا.. والــ (آن) الذي أصررنا على أن نعيشه.

* يقال ان المشهد الشعري العراقي فيه شحة في الشعر وتخمة في الشعراء؟ 

– أعترض على الشطر الأول وأقف مع الثاني، فهناك الكثير من الشعر المميز لكن صوت السياسة وعدم الاستقرار كبح جماله.. وكلنا يعرف كيف أن الشعر يبرز في الرخاء أكثر من عدم الاستقرار.. وبالفعل، لدينا تخمة في الشعراء.. فقد تحول الشعر من نبوة وموهبة إلهام وتفاعل.. إلى مهنة رابحة.. وعملة مضروبة ومزورة يدعيها كل شخص يفترض لنفسه وجودا على كل جاهل لا يعي.. وكأن الشعر صرعة أو موديل.. أتمنى أن يزول هذا الموديل ليعود الزي الشعري الأصيل لأصحابه الأصلاء.. وكل هذا ما كان له أن يكون لولا عدم وجود مؤسسة نقدية فاعلة. 

* ما رأيك بالواقع النقدي العراقي؟

– هنا تكمن المعضلة.. نقد يتخلف وتجارب شعرية تتطور.. أية معادلة حزينة تلك.. والنقاد تحولوا إما إلى اكاديميين معلمين يحملون الكونكريت الجاهز في عقولهم ولا يؤمنون إلا بمن مات الأدباء.. أو مجموعة مجاملين وبنائي زيف في صفحات المجلات الرخيصة.. وتلك هي المشكلة.. حين يحتاج الناقد لناقد يكشف زيفه.. حيث لا بوصلة في زمن التيه، لذلك ارتهن الشعراء لمجسات خاصة بغرائزهم ليحصنوا أنفسهم من السقوط في هوة الانجراف.

إقرأ أيضا