استعاد البصريون خلال الـ72 ساعة الماضية، مشهد الاستعداد لحرب انهاء سيطرة الميليشيات في عام 2008. ففي اذار قبل خمسة اعوام وصلت المدينة الجنوبية المنهكة حشود عسكرية غير مسبوقة بلغت 32 الف عنصر أمني، سبقت وصول رئيس الوزراء نوري المالكي اليها غداة اندلاع الاشتباكات الشرسة بطائرة مروحية. ومجدداً استقل المالكي طائرة مروحية عسكرية من صنع روسي في الثمانينات ليفتتح ملعباً رئيساً في مدينة البصرة الرياضية غير مكتملة البناء.
وعبّر البصريون عن شعورهم بالفرح والغبطة لافتتاح المدينة التي كلفت اكثر من 650 مليون دولار، غير ان الفرحة لم تدم طويلاً لدى عائلة عامل حدث من اهالي الزبير اثر مقتله بسقوطه من اعلى سطح الملعب الفخم.
شركة حلول، وهي احد اذرع شركات عبد الله عويز الجبوري المنفذة للملعب الرئيس، كلّفت احد عمالها من \”الاحداث\”، والذين يحظر قانون العمل العراقي تشغيلهم، باطلاق الالعاب النارية خلال حفل الافتتاح، غير أن انقطاع التيار الكهربائي المتكرر تسبب بانعدام الرؤية لديه، ما ادى الى انزلاقه من سطح الملعب الى الارض من ارتفاع شاهق ووفاته على الفور خارج الملعب.
وابلغ مصدر مطلع في ديوان المحافظة \”العالم الجديد\” ان \”العامل الحدثّ هو (عماد عاروك المنتفج) ويبلغ من العمر 16 عاماً (تولد 1997)، ويعمل كأجير يومي في المدينة الرياضية، من سكنة قضاء الزبير في حي سوق سوادي وسط القضاء، مشيراً الى ان \”عائلة المنتفج سجلت دعوى ضد رئيس مجلس ادارة الشركة عبد الله عويز الجبوري لتسببه بمقتله\”.
وهذه المرة الثانية التي يتحدث فيها المالكي الى حشد كبير في البصرة. في المرة الاولى تحدث المالكي الى الالاف من انصاره في ملعب الجمهورية وسط المدينة خلال مؤتمر انتخابي لائتلاف دولة القانون اواخر العام 2009، وامس، كرر رئيس الوزراء الوقفة مجدداً لكن امام حشد ليس بينهم عدد كبير من انصاره.
وبينما تحدث عن \”الانجازات الكبيرة\” أحرجه التيار الكهربائي بانقطاعه المتكرر عن ملعب \”جذع السعفة\” خلال مباراة الافتتاح الرسمية بين ناديي الزوراء ونظيره المصري الزمالك.
ويبين الملعب الرئيس \”جذع النخلة\” والذي يتوسط المدينة الرياضية التي لم تكتمل بعد، عند اجتياز الصحراء الرملية الشاسعة وابراج النفط وشعلات احراق الغاز الطبيعي المنتشرة على جانبي المنفذ الصحراوي شمال غرب المدينة او ما يعرف بالرميلة الشمالية، يعد تحفة معمارية لافتة مقارنة بمعمار المدينة الفقير.
الضاحية المتاخمة للمدينة، شهدت انتشاراً عسكرياً غير مسبوق بحسب شهود العيان، وسط غطاء مروحيّ طاف بكثافة في سماء البصرة، فيما كان السكان يشعرون بـ\”فرحة بالغة\” لافتتاح الصرح الرياضي، على الرغم من نقل حق تنظيم بطولتي خليجي 21 و22 على التوالي من البصرة، ونقلت الأولى الى اليمن والثانية الى جدة وسط انقسام في في محفلين السياسي والرياضي الرسميين، واعلان بغداد الانسحاب من البطولة رداً على قرار الاتحادات الخليجية المنظمة للبطولة الكروية التي حاز العراق على لقبها 3 مرات، وحرم من المشاركة فيها مرات عدة في ظل نظام صدام بسبب اجتياح الكويت!
ضاحية القِبّلة، غرب البصرة، والتي تقسم الى عدة احياء ابرزها (الجامعة، المهندسين، الشهداء، والقائم) عزلت أمنياً عن مركز المدينة، غير انها لم تقفل بالكامل، لكن نقاط تفتيش متعددة حكمت بقوة منافذها.
الزوراء والزمالك (تصوير – نبيل الجوراني)
ويقول أبو يوسف (أحد سكنة الضاحية) في حديث عبر الهاتف لـ\”العالم الجديد\” ان \”الانتشار الأمني كان كثيفاً، منذ أيام، لكن بعد انتهاء المباراة خف التواجد العسكري تدريجياً\”.
ويبيّن أن \”غالبية القوة الامنية المنتشرة لم تكن من البصرة، فالزي العسكري والمعدات، مختلفة تماماً (…) شاهدنا لأول مرة مصفحات جديدة لا تمتلكها الاجهزة الامنية في المحافظة\”.
ويلفت شاهد العيان، الذي لم يستطع الوصول الى المدينة الرياضية لحضور حفل الافتتاح، الى ان \”الانتشار الامني كان اكثر كثافة في الاحياء التي فيها غالبية سُنية\”.
الاجراءات الامنية المشددة سببت اختناقات مرورية في مركز المدينة، فيما اغلق الشارع الحيوي الواصل الى غربها منذ الصباح الباكر، من نقطة دوّار مجسرات ساحة سعد ولغاية جسر الزبير، وتحدثت مصادر اعلامية عن استقدم لواء من قوات \”سوات\” لتغطية زيارة رئيس الوزراء أمنياً.
الفرقة الوطنية السمفونية في حفل الإفتتاح (تصوير – نبيل الجوراني)
العلاقة السياسية بين رئيس الوزراء ومحافظ البصرة متوترة، على خلفية مواقف المالكي وائتلاف البصرة أولاً الذي ينتمي اليه ماجد النصراوي. ويتهم الاخير رئيس الوزراء بعرقلة عمل الحكومة المحلية، غير ان الخلاف المعلن حتى الان يتمحور على اقالة قائد شرطة المحافظة \”فيصل العبادي\”، وتعيين قائد بديل اللواء \”شاكر الاسدي\”.
وينوه مصدر في ديوان محافظة البصرة لـ\”العالم الجديد\”، الى ان \”المالكي يتصرف بخشونة مع الحكومة المحلية، ولم يبد مرونة كافية، فاعضاء ائتلاف دولة القانون هنا محكومون بما يقرر رئيس الوزراء، لكنه لا يفهم ان هناك علاقات اجتماعية وسياسية يمكن ان تلعب دوراً في التقارب\”.
وبحسب المصدر فان \”النصراوي لم يحضر حفل افتتاح المدينة الرياضية لسفره الى الحج\”، كاشفاً عن ان \”المحافظ غادر الى مكّة دون ان يصرف رواتب الموظفين، هناك فوضى ادارية تعم المحافظة، ونائب المحافظ اليوم (امس) صرف الرواتب بعد تأخرها\”.
الفرقة الوطنية السمفونية في حفل الإفتتاح (تصوير – نبيل الجوراني)
ويتشبث محافظ البصرة، والذي يقارنه البصريون بالمحافظ الاسبق شلتاغ عبود الذي اقيل بعد عام من تسنمه المنصب، لجهة ضعف الاداء وتراجع او توقف العمل بالكثير من المشروعات، بقراره بعزل \”فيصل العبادي\” ويعتبره من صلاحياته.
وصعّد ائتلاف \”البصرة اولا\” من لهجته ضد المالكي. ويضم الائتلاف اغلب الكتل البصرية الرئيسة. بحصيلة مقاعد بلغت 19 مقعداً. وابرز مكوناته متحدون، الوحدة والعدالة، المكون المسيحي، حزب الدعوة تنظيم العراق، ائتلاف الاحرار، ائتلاف دولة المواطن، حركة ارادة العراق، وعضوين من كتلة الوسط.
ويتهم الائتلاف المناوئ، المالكي بأن \”التغيير الذي حصل في الخارطة السياسية في المحافظة لا يروق له\”، معتبراً اياه بالوقوف بوجه \”القرارات الموحدة للقوى الوطنية البصرية التي من شأنها رفع المستوى الامني والخدمي في المحافظة\” بحسب بيان للائتلاف تسلمت \”العالم الجديد\” نسخة اليكترونية منه.
بيان إئتلاف البصرة أولاً
ويهدد الائتلاف بمقاطعة قرارات مجلس الوزراء التي اعتبرها \”تحمي المفسدين\”، والمضي قدماً بقرار اقالة العبادي الذي عدَّ فترته من اسوء الفترات الامنية، مدللاً باحصائية تشير الى وقع 18 تفجيراً مفخخاً، و286 هجوماً بعبوات ناسفة، فيما كانت الجرائم الجنائية 192 جريمة، وجرائم السطو المسلح 150 سطواً. وعيّن العبادي قائداً للشرطة في اول من تموز 2011، خلفاً للواء الركن عادل دحّام.
وقوبلت زيارة المالكي الى البصرة بفتور رسمي. رغم سعيه وسعي ائتلافه الى تحشيد دعم اعلامي كبيرة للزيارة، وافتتاحه لمجسر جديد شمال مركز المدينة، وعقده اجتماعاً بمجلس المحافظة. وسجل وعوداً \”اضافية\” للبصريين بتحسين الخدمات وبناء 8 ملاعب رياضية كبرى في عموم البلاد، فوجئ رئيس الوزراء الذي يُتهم من خصومه بـ\”الغرور الاعلامي\” بانقطاع التيار الكهربائي مرات عدة اثناء حفل الافتتاح الذي شهد مباراتين.
ويكشف مصدر مسؤول في ديوان محافظة البصرة ان حفل الافتتاح \”البسيط\” كلّف \”ملياري دينار عراقي\”.
وغص فندق البصرة بلينيوم (شيراتون سابقاً) بالوفود الرسمية والفرق المشاركة، والمشجعين القادمين من بغداد.
ويبين المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه، ان \”مشجعي فريق الزوراء نقلوا من بغداد على حساب وزارة الشباب والرياضة\”، مضيفاً ان \”وجبات طعام ومشروبات وزعت على الجمهور الذي غصّت به مدرجات الملعب الرئيس\”.
ويستوعب ملعب \”جذع النخلة\” نحو 65 الف متفرج.
وينوه الى ان \”الدخول الى حفل الافتتاح لم يكن مجاناً، فتذكرة الدرجة الاولى كانت 25 الف دينار، فيما الثانية 15 الف دينار، والثالثة 10 الاف دينار، وفئة المعاقين 5 الاف دينار\”، ومنبهاً الى ان \”الدخول بات مجانياً بعد بدء كلمة رئيس الوزراء\”.
الانقطاع المفاجئ للتيار الكهربائي مرات عدة، ولاسيما اثناء مباراة ناديي الزوراء والزمالك، احرجت رئيس الوزراء، كما قوبلت بصيحات استهجان من الجمهور، الذي بدا كأنه مشهد سفينة فضائية تسبح في ظلام دامس في فيلم Star Trek الشهير، مع رفع الالاف لشاشات هواتفهم المضاءة. صفحة رئيس الوزراء على الفيسبوك وعضو مجلس محافظة بغداد سعد المطلبي سارعا للدفاع عن الاخفاق غير المسؤول، بنشر مقاطع فيديو من مباريات في الدوري الانكليزي يتخللها انقطاع للتيار الكهربائي. وعلّق أحد نشطاء الموقع الازرق \”تلك المباريات ضمن سياق دوري، وليس افتتاح مدينة رياضية كان من المفترض ان تجرى بها بطولة كبيرة كخليجي 22\”.
وانتقد ماجد البجاري وهو مهندس بصري غادر الى الولايات المتحدة العام الماضي، في حديث مع \”العالم الجديد\” والذي كان يتابع الحدث الرياضي في مدينته الام قبل استقراره في نيويورك من على شاشة قناة العراقية شبه الرسمية، عدم التهيئة الكافية للحفل بقوله \”مع الاسف في اول يوم افتتاح الملعب في المدينة الرياضية في البصرة، وداعين نادي الزمالك، والاضوية تنطفي، ويتوقف اللعب، ويردون يجيبون دول الخليج تلعب بالبصرة، وهم ابسط الاشياء مثل الكهرباء ما يعرفون يضبطونه\”.
وخلال حفل الافتتاح الرسمي للمدينة الرياضية الذي تلا مبارة ناديي الميناء البصري والعهد اللبناني، الذي القى فيه المالكي ووزير الشباب والرياضة ورئيس مجلس المحافظة وعبد الله عويز كلمات، فضلا عن عزف السلام الجمهوري من قبل الفرقة السيمفونية العراقية، كانت العاب نارية تضيء سماء البصرة ابتهاجاً بالحدث، لكن حادثة غامضة عتمت عليها السلطات وهي مقتل عامل حدث بسقوطه من اعلى الملعب.
