المرأة في عوالم السرد

يتحول السرد على لسان المرأة، وتحت قلمها، إلى أداة بوح. كما أنها تغدو، في مقابل ذلك، وفي كثير من الأحيان، محوراً لمادّته الحكائية. المرأة والسرد رفيقا حياة، وخطّان متوازيان لا يفترقان، منذ بدء الحكاية وإلى سدرةِ منتهاها. 

كثيراً ما يختلط حبر المرأة السردي بالخواطر والأشعار والانثيالات، فهي تستلّ حكاياتها من ضباب أفكارها المفعمة بعواطفها الجيّاشة، ورغباتها المتصاعدة في إثبات الذات وترسيخ الحضور، ونزوعها الدائم لإعادة ضبط بوصلة العالم باتجاهها. 

تستلهم المرأة صورة شهرزاد الحكاية، بلياليها الألف، وصوتها الأول، قبل كلّ الحكّائين، وهي تماطل شفرة السيّاف بغواية السرد، لتصير، بعد طول توجّس ورهبة، رمزاً لقوّته وخطورته في حياة الإنسان، ولتغدو أصلاً للحكايات، ومنبعاً لنهرها الجاري.

تختلف رؤى المرأة وسردياتها تبعاً لتعدد أدوارها في الحياة، فهي الأم التي تُستعاد مع حكايات الطفولة والنشأة الأولى، ويُسترجع صوتها في مساءات العائلة الحميمة، وهي الجدّة بخزانتها الخشبية العتيقة المليئة بالعجائب والأسرار والمتعة الغامرة، وهي الزوجة والمحبوبة التي تملأ الحياة زهراً وتحيل جدبها إلى ربيعٍ دائم، وهي البنت ومن تحمل هموم أبيها، وهي الأخت والأذن الصاغية لأوجاع أخيها وأسراره. وهي مع كل هذه الأدوار تبقى حاملةً صورة شهرزاد، راويةً بألف روح، تتجدد مع كل طلوع، وتسلخ عن صوتها نبرته المألوفة لتلبسه نبر ما لم يُسمع من قبل. تمنحُهُ دثاراً جديداً وعطراً وغصن انتظار.

ثمة الكثير مما يحكى في كل حين وفي كل زمان وكل مكان، وعند كل حوّاء يتضاعف هذا الكثير ليصير عالماً من كلمات، لكنه ينتظر أذناً صاغية، فإذا عثرت على تلك الأذن انهمرت شلالاً من البوح والفضفضات والشجون الكامنة والخبايا الدفينة. ينشقّ قلبها لتنتثر منه الطفولات والأزهار والأسفار ودفاتر اليوميات والصور أيضاً، الصور التي أمسكت بلحظةِ جديلةٍ نافرةٍ، أو ضحكةٍ أبدت فرحةً مدرسيةً أو غبطةً عائلية قديمة. 

منذ غواية السرد الأكثر قِدَماً والشجرة المورقة بالخطيئة، وثمار حكايات الأنثى لا تغادر موائد الآدميين، ولطالما تسلّق ذكرها جذوع أحاديثهم، وبَسَط ظلاله على أفنية مجالسهم، فاختلف حضورها بين الطهر والعفاف والقداسة أو الخيانة والريبة والدَنَس. يخفضون أصواتهم ويتهامسون، كما لو أنها تفرض عليهم طقوساً خاصةً في الحديث لا تليقُ إلا بها. تحضر، أيضاً، بأدوارها الكثيرة التي لا استغناء عنها في الحياة، فتختلف صورتها في كل عين وتتباين على كل لسان، تبعاً لتفاوت التجارب التي عاشها كل واحدٍ من بني حوّاء مع الحواء التي يعرفها.

alidawwd@yahoo.com

إقرأ أيضا