العراق وعقدة ستيفنسون

قبل ايام زار طارق الهاشمي العاصمة البلجيكية بروكسل، تلبية لدعوة من قبل لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان الاوروبي، الدعوة انجزت وتم الترتيب لها من قبل المثير للجدل النائب البريطاني في البرلمان الاوروبي ستروان ستيفنسون، الذي ترأّس في فترة سابقة بعثة الاتحاد الاوروبي في بغداد، ويدير حاليا ملف العراق في لجنة العلاقات الخارجية في الاتحاد الاوروبي.

من تابع المواقف السابقة في السنوات الماضية لستيفنسون لا يتفاجأ بدعوته الهاشمي الى بروكسل. ان ذلك الرجل يتعاطى مع الشأن السياسي باسلوب عاطفي متشنج بعيد تماما عن نهج الاعتدال في المواقف السياسية التي تتحلى بها مجموعة الاتحاد الاوروبي. فليس من المعقول ان يبني سياسي بهذا المنصب مواقفه المتشنجة والمتصلبة جدا بناء على تقارير وصلت اليه من جهات سياسية عراقية، او عبر ما يصله في البريد الالكتروني، كما اكد ذلك ستيفنسون نفسه. وكأن الساحة السياسية خلت من الخصوم وخلت من التنافس المحموم في هذه المرحلة السياسية المهمة جدا، وخلت من الاتهامات التي تطلق جزافا في كثير من الاحيان بين الخصوم السياسيين!

من يتعاطى مع كتلة الاتحاد الاوروبي بمختلف ما يتفرع عنها من مؤسسات سياسية او حتى دوائر غير سياسية على صعيد الثقافة، الفنون، الرياضة وغيرها يعرف اكثر من غيره بان تلك المجموعة الدولية ابعد ما تكون عن طريقة تفكير ستروان ستيفنسون!

فيما يتعلق بالانتخابات البرلمانية العراقية التي اقيمت عام 2010 فقد صرح الرجل المذكور في مناسبات سابقة لـ\”وكالة آكي الإيطالية للأنباء\” بأن معلومات وصلته عبر مسؤولين عراقيين تفيد بدخول شاحنات محملة بصناديق اقتراع ممتلئة من الحدود الإيرانية باتجاه العراق! وهذه قصة مكررة سمعنا بها من اطراف عراقية بعينها في اكثر من مناسبة انتخابية، وتأتي في اطار تصفية الحسابات لا غير، لكن الرجل غير المطلع تماما عن ملابسات الساحة السياسية العراقية وقع في فخ من الشائعات يأبى ان يردده حتى اولئك الخاسرون في الانتخابات لأنه اصبح مثيرا للسخرية! تلك المواقف المستعجلة والمندفعة جدا من قبل ستيفنسون الذي كان خارج العراق في اثناء الانتخابات البرلمانية العراقية، ولم يسجل ضمن فريق المراقبين التابع للاتحاد الاوربي، اجبرت زملاءه على توضيح الموقف الاوروبي.

على طريقته المنفعلة، طالما تعاطى ايضا بذات النهج مع قضية سكان \”معسكر اشرف\”، حول ذلك الموضوع جاء في احدى تصريحاته \”لقد كشفت في هذا الاجتماع الخطة الشريرة للحكومة العراقية لنقل سكان أشرف الى سجن المثنى في بغداد، ان نقل سكان أشرف غير قانوني\”. ورغم ان طريقة الحكومة العراقية مع ذلك الملف قد تخضع بشكل او بآخر للنقاش الا ان تعاطي ستيفنسون مع الملف تدعو للقلق خصوصا وانه مبعوث الكتلة الدولية الاكثر اهمية على مستوى العالم!

ان الاتحاد الاوربي هو الافضل بين التجمعات السياسية الدولية كما انه مدّ يدا طولى من اجل مساعدة العراق في الخروج ممّا مر به من ظروف استثنائية، كما ان العراق من جهته حاول ويحاول تفعيل العديد من الاتفاقيات السابقة واللاحقة مع الجانب الاوربي، كذلك مذكرات التفاهم وفق مبدأ المصالح المشتركة، خصوصا فيما يتعلق بالتوقيع على اتفاق الشراكة والتعاون بين العراق والاتحاد الاوربي، الذي بدأ التفاوض بشأنه في تشرين الثاني  2006، والذي يهدف الى تحسين الأطر التجارية المعمول بها بين الاتحاد الأوروبي والعراق، وتعزيز فرص الاستثمار فيه لإعادة دمجه في المشهد التجاري العالمي.. ولا يخفى على احد حاجة العراق الماسة لتلك المجموعة الدولية، لكن جميع تلك الجهود الدبلوماسية قد تتأثر سلبا بشكل او باخر بالمواقف الفوضوية التي يتخذها ستروان ستيفنسون، وهذا يمثل تحديا جديدا للدبلوماسية العراقية التي عليها خلق مسارات جديدة وتفعيل اخرى مع الاطراف الاوربية المؤثرة من اجل تجاوز ما يثيره ستروان ستيفنسون من مواقف مشاغبة. لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان العراقي وكذلك وزارة الخارجية العراقية ورئاسة الجمهورية، جميع تلك المؤسسات لم تستطع قطع الخيوط القديمة من علاقات احتفظ بها الهاشمي مع ستيفنسون حينما كان الاخير في بغداد وكان الهاشمي نائبا لرئيس الجمهورية. مؤسساتنا الرسمية لم تقم بما يلزم من اجل تمتين العلاقات مع الجانب الاوروبي وتفويت الفرصة على من يتصيدون في المياه العكرة. سوف تبقى عقدة ستيفنسون تلاحق العراق لأنه يمسك بالملف العراقي في البرلماني الاوروبي واذا ما تتحرك الجهات الرسمية بشكل فاعل فسوف نفاجأ بخطوات مشابهة لزيارة الهاشمي الاخيرة.

ان الشرق الاوسط منطقة تعيش حالة من الانقسام الحاد جدا بين ما يسمى بمحور الممانعة وما يقابله في المحور الاخر، وبما ان العراق يريد ان ينتهج سياسية متوازنة على الصعيد الخارجي عليه ان يبتعد عن الاصطفاف مع احد المحورين على حساب المحور الاخر، وهذا قد يدفعه لتشكيل محور ثالث يتحرك في جميع الاتجاهات، ولذلك فان المجموعة الاوربية خيار لابد منه في هذا الجانب. تلك امنية وان كانت صعبة الى حد ما في ظل الارباك الذي تعاني منه الدولة العراقية، الا انها امنية لو تحققت تشكل للعراق وللمنطقة محورا اكثر توازنا من سابقيه.. ياخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة العراقية التي تختلف بعض الشيء عن كلا المحورين.

gamalksn@hotmail.com

إقرأ أيضا