مـا وراء التفجيرات في بغداد؟

  في يوم 11 آيار حدث منعطف أمني مفاجئ بسلسلة تفجيرات استهدفت مدينة الصدر والشعلة…

 

في يوم 11 آيار حدث منعطف أمني مفاجئ بسلسلة تفجيرات استهدفت مدينة الصدر والشعلة والكاظمية وحي الجامعة وقضاء بلد، وأسقطت عدداً كبيراً من الضحايا، لتكون بداية خروقات أمنية يومية خطيرة.. ورغم أن النخب السياسية اعتبرت هذه الخروقات إنعكاساً للخلافات الداخلية وصراع القوى السياسية، ومنهم من وجه اللـوم على القيادات الأمنية، إلاّ أنه ظل هناك أهـم سـؤال: لمـــاذا انحصـرت التفجـيرات في نطـاق العاصمـة بغــداد ولـم تنعكـس تلك الأسـباب على بقيـة المحافظـات..!؟

 
أولاً – لوحظ أن التفجيرات رغم استهدافها مناطقاً شيعية عديدة إلاّ أنها ركزت بدرجة رئيسية على منطقتي (مدينة الصدر، والشعلة)، وهما أكبر معاقل التيار الصدري على الإطلاق والمصدر الأول لحشوده التي يتظاهر بها، وبالتالي فإن استهدافها من طرف ثالث سيحقق التـالي:

 

الايحــاء بأن السلطة والقوى السياسية المعارضة للمظاهرات هي من تقف وراء التفجيرات لترهيب المتظاهرين أو الانتقام منهم.. وإيجاد انطباع لدى الآخرين أيضاً بأن التفجيرات “سياسية” بما يشوه سمعة القوى السياسية المختلفة، وهذا الاحساس وجدناه لدى الغالبية العظمى من الناس.

 

زيادة فجوة الخلاف بين الصدريين والحكومة وبقية القوى السياسية جراء ذلك الإيحاء، وتعقيد فرص التوافق أو حلحلة الأزمة على نحو يعطل أداء الحكومة والبرلمان في ظل استمرار مقاطعة التيار للعملية السياسية، أو رفع سقف مطالبه.

 

تأجيج الغضب الشعبي لدى الصدريين وحماس الثأر، وتأهيلهم نفسياً لخوض غمار مرحلة قادمة من المواجهة (الثورية) مع السلطة أو غيرها، وفي نفس الوقت كسب تعاطف بقية الشارع معهم.

 

زعزعة الثقة بالجهات الأمنية، خاصة في تلك المناطق، وجعلها بموضع اتهام بما يجعلها خائفة وخانعة أمام الحراك الشعبي، أو يدفعها للانضواء بركبه.

 
 ثانياً – إن تكرار التفجيرات على نطاق واسع داخل العاصمة يولد انطباعاً عاماً بفشل المنظومة الأمنية، وهو ما قد تستغله القوى التي تقف وراء التفجيرات لممارسة ضغوط لإحداث تغييرات بالقادة الأمنيين، أو بالجهة المناط بها حماية أمن العاصمة، أو خرائط الانتشار الأمني… وما شابه من أمور مدرجة في حساباتها أنها ستصب لمصلحتها.. قد يكون من بين ذلك أيضاً دفع سرايا السلام لتولي حماية مناطق نفوذها، وجر فصائل أخرى من الحشد لانتشار مماثل يمهد للاحتكاك والصدام..

 
ثالثاً – من الملاحظ أيضاً أن التفجيرات تتزامن مع تطورات في ساحة المعركة مع داعش.. فالولايات المتحدة لا ترغب بخوض معركة تحرير (الفلوجـة والحويجـة) في الوقت الحاضر وتمنح الأولوية لتحرير الموصــل لسببين: أولهما كسب نصر كبير تستبق به إدارة أوبامـا الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وثانيهما إشغال الحشد بعيداً عن معركة الموصل بمعارك تشتيت جانبية على حزام بغداد وفي مكحول وحمرين وغيرهما من خلال الحويجة.. وهو عكس موقف الحشد الشعبي الذي يعتبر الفلوجة “رأس الأفعى” والحويجة مقر القيادة البديل لداعش ومصدر تهديد لصلاح الدين وكركوك ويمنحهما الأسبقية ويحشد لهما خيرة قواته.. وبالتالي فإن خلط الأوراق الأمنية داخل العاصمة، والدفع نحو الفوضى أو التأزم على أقل تقدير قـد يؤثر على أولويات الحشد الشعبي ويحقق الغايات الأمريكية.

 
رابعاً – على الرغم من تزامن التفجيرات مع ذكرى مولد الأئمة الأطهار عليهم السلام، ثم مع انتصارات عسكرية نسبية في الرطبة، لكنها- باعتقادنا- لم تكن غايتها الرئيسية التعتيم على تلك الأحداث، لأنها انحصرت في العاصمة ولم تتمدد إلى المحافظات الشيعية الأخرى.

 
خامساً – من عناصر تثوير الشارع ضد الأنظمة التي تعتمدها الجماعات الإرهابية هي (الأزمات المعيشية) المرتبطة بقوت وحياة المواطن اليومية، وقد بدأته بتفجير معمل غـاز التاجي، ونتوقع أن تكون هناك محاولة استهداف منشآت مماثلة كالكهرباء وما شابه.

 
سادساً – لدينا إحساس بأن اليد الطولى فيما يحدث من خروقات أمنية هي للبعث نظراً لبعدها السياسي، وأنه- ربما- أعاد تشكيل تنظيمات معينة في محاولة للمحافظة على حضوره في الساحة أولاً، وثانياً لإعادة تأهيل نفسه لمرحلة ما بعد داعش بعد إدراكه أن نجم داعش آيل للأفـول قريباً، وأن خرائط المستقبل تنبيء بتسويات دولية وإعادة كثير من قادته تحت مظلة “المصالحة الوطنية”.. وهناك الكثير مما يقال بهذا الشأن، سنتناوله في قراءة تحليلية منفصلة!!

 

إقرأ أيضا