هزيمتهم في سوريا وجنونهم في العراق!

لماذا تصاعدت وتيرة العنف وعدد الاعتداءات الإرهابية بالعراق في الأشهر الأخيرة؟ حتى أصبحت تحدث بشكل يومي تقريبا وبمعدل من خمسة إلى عشرة تفجيرات وفي مناطق عديدة.

في السابق كانت الاعتداءات الإرهابية تقتصر على العاصمة بغداد، أما الآن فهي تطول كل المدن العراقية بما فيها المناطق الأكثر أمنا واستقرارا مثل المناطق الشمالية وإقليم كردستان.

ما الذي تغير في المعادلة؟ هل إن الأجهزة الأمنية والشرطة والجيش أصبحت من الضعف والاختراق بمكان بحيث أنها غير قادرة على إيقاف تلك الاعتداءات ومواجهة العصابات المتطرفة من القاعدة وفلول البعثيين ومن والاهم؟

الأسئلة المتعددة أعلاه لا جواب شاف لها, ابتداء من ضعف وعدم مهنية الأجهزة الأمنية وحجم الفساد الهائل، إلى الاختراق الكبير لها من المتضررين من تغيير النظام في العراق.

هذا على صعيد كفاءة الأجهزة الأمنية وقياداتها، أما الشق الآخر من محاولة إيجاد الجواب فهو يتعلق بالوضع السياسي الداخلي ومتغيراته بعد إصدار مذكرة الاعتقال بحق السيد طارق الهاشمي وما تلاها من اشتعال حرب التصريحات بين معسكر الهاشمي من جهة ومعسكر السيد نوري المالكي من جهة أخرى. النقطة الثانية هي اتهام حمايات السيد رافع العيساوي وما أعقبها من ردود أفعال ما زالت تداعياتها الخطيرة قائمة إلى الآن، منها التظاهرات والاعتصامات التي نفذتها بعض المناطق والقوى التي وان اختلفت توجهاتها الفكرية والعقائدية إلا أنها اجتمعت على هدف واحد وهو العداء للسيد المالكي. العداء للسيد المالكي ولحكومته وحزبه الحاكم ربما كان أمرا مبررا لما لشخص المالكي من هفوات وأخطاء وما رافق حكومته من كوارث في كل المجالات؛ إلا أن المعادين والمنتقدين ليس لديهم أي بديل منطقي معقول، وكل ما يلوحون به هو العنف والتهييج الديني المبني على الصراع الطائفي. هذا بشكل سريع هو الوضع الراهن في الداخل.

لكن ما عوامل التغيير في الخارج والجوار العراقي التي أدت إلى هذه الموجة من العنف؟

لا يختلف اثنان على أن الوضع في سورية والحرب الطائفية المشتعلة هناك لها الدور الأكبر والمباشر في الوضع العراقي. كلنا يذكر معركة \”القصير\” وما تبعها من تصريحات ومواقف إعلامية أثبتت أن الحرب في سوريا أخذت بعدا آخر ورجحت كفة النظام في مواجهة الفصائل التي تقاتله. معركة القصير أثبتت بشكل قاطع مشاركة حزب الله وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، كذلك أثبتت أن الفصائل السنية المتطرفة تلقى دعما وتأييدا من اغلب دول الجوار خصوصا المملكة العربية السعودية، وهذا الدعم ليس بالضرورة دعما حكوميا واضحا، بل يأخذ طابعا شعبيا تروج له المؤسسة الدينية وبعض غلاة السنة ومتطرفيها. في الكويت مثلا كانت بعض الخطب والتصريحات الإعلامية تملأ الفضاء الالكتروني بالتحريض والثأر من الصفويين و(حزب الله حزب الشيطان الإيراني). أقول إن الانعطافة التي حدثت في ميزان القوى بعد معركة القصير دفعت ببعض الفصائل لإيجاد مفاصل أكثر ضعفا لتوجيه الضربات لها, وما إعلان ما يسمى بدولة الشام والعراق الإسلامية إلا مؤشرا واضحا على ذلك.

لا تخفى أيضا التطورات التي حصلت بعد فوز الرئيس الإيراني المعتدل محمد روحاني ونبرة التسامح والتعاون التي أبداها خصوصا في قمة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الأخيرة وما سبقها من قرار مهم من مجلس الأمن بخصوص الأزمة السورية الذي ينص على عدم استخدام القوة والتعاون مع النظام السوري على التخلص من الأسلحة الكيمياوية. إن هذا القرار المرقم 2118 كان بمثابة لطمة كبيرة للمحور السعودي الداعي إلى توجيه ضربة عسكرية لسوريا وتغيير نظامها بالقوة. 

التقارب بين أميركا وإيران من جهة وموقف مجلس الأمن تجاه سوريا جعل السعودية تفقد أعصابها، وكان ذلك واضحا وجليا عندما انسحب ممثلها من اجتماع مجلس الأمن وكذلك رفضها أن تكون احد الأعضاء في المجلس تعبيرا عن الغضب والاستنكار. التعاون السعودي الأميركي المبني على نظرية النفط مقابل الحماية يبدو انه في طريقه إلى الانهيار بعد أن وجدت أميركا أن الاعتماد كليا على الحليف السعودي لا يجدي نفعا خصوصا بعد التغييرات التي أحدثها ما يسمى بالربيع العربي. لذلك فان الخبراء الأميركيين يؤكدون أن أميركا سوف تستغني كليا عن النفط السعودي في مدة أقصاها السبع سنوات المقبلة أي في 2020.

الموقف العراقي الرسمي المؤيد للنظام السوري وتوارد أنباء عن قيام إيران بالإمداد الجوي لدمشق عبر بغداد.. كل هذا ربما جعل السعودية تدفع بمن يأتمرون بأمرها إلى تشديد الضغط والعمل العسكري سواء في سوريا أو العراق.

الصراع الداخلي المسلح الدائر الآن بين صفوف الفصائل التي تقاتل نظام الأسد واشتداد المعارك الأخيرة بين تنظيمات القاعدة والجيش الحر أدى إلى تعزيز موقف النظام السوري خصوصا ومؤتمر جنيف-2 على الأبواب، وهذا المؤتمر الذي دعت له وبقوة الأمم المتحدة وبموافقة أميركا والاتحاد الأوربي سيجعل موقف المعارضة السورية ضعيفا لاسيما وان اغلب المعارضين لا يريدون التفاوض مع النظام. وهذا بحد ذاته هزيمة كبيرة لداعمي الحل العسكري وفي مقدمتهم السعودية.

ربما تصاعد الهجمات وتنوعها الآن في العراق هو عملية تصفية حسابات بين السعودية ومخالفيها، إذ أن الحكومة العراقية الآن تعتبر من وجهة النظر السعودية والفصائل المتطرفة التي تدعمها حكومة موالية لإيران وتدعم حزب الله والنظام السوري, وهذا سبب كاف لضرب العراق. ليس صدفة ان السعودية من الدول القلائل التي لا تريد أن تعترف بالتغيير الحاصل في العراق والدليل انها لا تريد أن تعيد افتتاح سفارتها وعدم تعيين سفير لها في بغداد.

الهجمات الكثيرة والمسعورة التي تشنها الجماعات المسلحة الإرهابية المتطرفة والموجهة إلى الطائفة الشيعية تحديدا تحاول أن تجر العراق إلى حرب أهلية وصراع طائفي دام يصب في مصلحة دول الجوار سواء كانت إيران أو السعودية.

ولحسن الحظ ما زالت هناك أصوات معتدلة من الجانب السني يقابلها أيضا عقلاء من الشيعة رغم أن هذه الأصوات تضيع في اغلب الأحيان في ضجيج القتل والتفجيرات والأصوات النشاز التي يطلقها بعض متطرفي الطائفتين. 

أتمنى أن تكون هذه رفسات الموت الأخيرة للفصائل المدعومة إقليميا لجر العراق إلى حرب أهلية كاملة وواضحة المعالم، رغم أن الذي يجري الآن لا يمكن تسميته بغير تصفية وحرب إبادة واضحة.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا