رباعية القراءة و الكتابة، القول و الإصغاء

من المآخذ المسجلة على العرب المعاصرين إرباكهم المسلكي لهذه الرباعية، وهي التي يكوّن مفرداتها التواصل الحيوي \”الحوار\” حول مختلف مسائل الحياة والكون.

وتصل المآخذ الى الحد الذي يُتّهمون فيه بانهم يلغون من يحاورهم ويكتبون ما يقرؤون وفي الغاء المحاور الغاء السؤال المتعلّق بسبب الحوار وفي اعادة انتاج القراءة ادعاء باطل بما انجزه الآخر.

وتستند المؤاخذات على قلة المنجز على صعيد العلوم الطبيعية والانسانية والخلط على صعيد التلقي بين المناهج وعدم الخروج بكشف جديد مما تراكم لدى مثقفيهم من المعارف وغياب النقد المقارن في نتاجهم الأدبي وقلة حيلتهم في كتابة الخطاب السياسي الناتج عن إبتدائيتهم في العلوم السياسية وغياب نظريتهم في علم الاجتماع وعزلة نتاجهم الشعري على قلته وميلهم الى الشفوية اكثر من التحرير في ابداء آرائهم، وغير ذلك من المستندات التي تؤدي الى ارباك رباعية التلقي والعطاء. وفي الوقت الذي يعود فيه الباحثون في مجالات الفلسفة والعلوم الأخرى الى الحاضنات الانسانية الأولى في بلاد ما بين النهرين والفراعنة والفينيقيين والآراميين، تسود جهالة لدى العامة العربية وصولاً الى المثقفين العرب حول هذا الإرث العظيم .

وفي الوقت الذي عضّ فيه الفلاسفة (الذين غادروا الحياة) اصابعهم ندماً على عدم تعلمهم اللغة العربية بصفتها مفتاح الولوج الى اقبية تسكنها معارف خلاّقة من المؤكد ان تنعش السؤال الانساني حول ماهية الوجود، في هذا الوقت يتشبّث العرب بأجوبتهم الجاهزة التي لاشبيه لها

 

الاّ حنين معدتهم الدائم للأطعمة (……) فتحطّمت بذلك روابطهم الوجودية الخلاّقة مع إرث حضاري قل وجوده لدى الشعوب الأخرى.

وفي الوقت الذي اكتشف فيه المفكرون الغربيون بأن الاختصاص يقود الى التآكل يحاول العرب استيطان الاختصاص ولو شكلياً (….) دون تحصين من محيط المعارف التي تُعنى ببقية مجالات الحياة .

وفي الوقت الذي كشف فيه الغرب مأساة التعليم الثانوي ومنذ الثلاثينيات (استراليا تعاني منه) اصبحت ظاهرة الأمية مخجلة في هذا المستوى التعليمي الخطير، وبدلاًمن اعتماد وتطوير المناهج أُعتمد التدمير والفوضى للبنى التعليمية وتحولت الدولة الى راعية لشؤون الغباء ومعممة لأناشيد وبرامج وشعارات استهلكتها حتى كلاب الغرب وتجاوزاتها .

من كل ما تقدم نكشف ذلك الاستسهال في اطلاق صفة \”مثقف\” مع ان الثقافة من اوسع مفردات العلوم، حتى ان الجامعات تضيف اليها مفردة \”عامة\” خوفاً من الضياع في اتساعها.

وأتذكّر مرة قرأت تغطية لزيارة قام بها الشاعر أدونيس الى الدنمارك، وفي جامعة كوبنهاكن سأله احد الطلبة عن مستوى الانتاج الثقافي للعرب، فأعتذر الشاعر قائلاً \”ان كلمة ثقافة واسعة جداً وليس بإمكاني الاحاطة بها في جوابي، استطيع اجابتك في شقين ثقافيين الشعر والفنون التشكيلية\”. (…..) ومن الاستسهال في إطلاق الصفات نكتشف هذه الخارطة الفظيعة من المصائب حيث البدء بالحروب و تنتهي بالمفاوضات وعلى الطرفين تدمغنا الخسارة، فالحروب الحديثة تحتاج الى تقنيات والى مواطن غير مستلب الحقوق، والمفاوضات تحتاج الى لغة ينتجها شعب يتمتع بحيوية ثقافية مصدرها الإبداع وأساسها تربية انسانية تعتمد رباعية التلقي قراءةً واصغاء ، والعطاء كتابةً وادلاء.

إقرأ أيضا