الجهاد الأوربي!

جاء إلى أوربا ﻻجئا مع عائلته وهو في عمر 9 سنوات. أكمل مراحل الدراسة الابتدائية والمتوسطة والإعدادية هناك. في بلد يعتبر من أفضل بلدان العالم في مجال التعليم والدراسة.

كان شابا خلوقا وهادئا وقليل الكلام، بل انه كثير المساعدة للآخرين. عندما سألت إحدى الصحف المحلية أصدقاءه وجيرانه عن سلوكه وطباعه لم يذكره أحد بسوء، بل كلهم أجمعوا على انه شاب مهذب وعلى خلق. في صورة فوتوغرافية له مع زملائه في الصف عندما كان طالبا في المرحلة المتوسطة كان يرتدي قميصا رياضيا لأحد الأندية المشهورة.. كان مرحا ويحب الحياة.

في الصف الأول من المرحلة الإعدادية ظهرت عليه علامات وملامح الإسلامي المتطرف من ملبس وسلوك. وأخذ يحضر بشكل يومي إلى ذلك المكان \”المسجد\” لأداء الصلاة خمس مرات في اليوم. هذا ما يقوله أصدقاؤه وزملاؤه وجيرانه ويؤكدون أنهم يحترمون توجهاته وإيمانه طالما أنه شخص مؤدب ومحترم وأنهم يقدرون اهتماماته الدينية والعقائدية. في المدرسة كان منعزﻻ، قليل الكلام لكنه يشارك وبقوة عندما يتعلق الأمر بسؤال عن الدين أو شأن مقارب. كانت ميوله المتطرفة أثارت حفيظة الآخرين ومنهم أيضا جهاز المخابرات. في لقاء معها في إحدى الصحف قالت مديرة المخابرات \”نحن نعلم بتوجهاته وإننا التقينا به أكثر من مرة للحوار والاستجواب. نحن ﻻ نراقب الأديان هذا ليس من صلب عملنا، بل نحن نحاول أن نحد من خطورة أولئك الأشخاص الذين يستخدمون العنف في محاولة لفرض وجهات نظرهم، وهذا الشاب كان أحدهم، حاولنا إرشاده ونصحه لكنه كان يبدو مصمما على الذهاب حتى النهاية في مخططه واعتقاده. إن جهاز المخابرات يعمل بالوسائل والطرق القانونية لمراقبة المتطرفين رغم أن هذا الأمر يبدو صعبا في ظل وجود مواقع إسلامية تحاول أن تجند هؤﻻء الشباب\”.

هذا الشاب الصومالي الذي ترعرع وكبر في واحدة من أعظم الديمقراطيات في العالم ومن أكثر الدول تسامحا وحرية عندما أصبح عمره 23 عاما كان أحد \”المجاهدين\” الذين احتجزوا واختطفوا المدنيين وقتلوهم بدم بارد في \”غزوة\” للمجمع التسويقي في نيروبي عاصمة كينيا قبل أسابيع و قتل على أثرها.

على صعيد آخر أيضا هناك فتاتان شقيقتان بعمر 16 و19 عاما ومن عائلة صومالية التحقتا بصفوف المجاهدين في سوريا، وكانت عائلة الفتاتين هي من أخبر الشرطة بسفرهما لغرض \”جهاد النكاح\” الذي أصبح موضة شائعة في أوساط الفتيات المتطرفات أيضا.

إن الإحصائيات التي أعلنتها المخابرات النرويجية تشير إلى أن 30-40 شخصا بينهم عدد من النساء توجهوا إلى سوريا منذ العام الماضي. المقلق في الأمر أن اغلب هؤﻻء من الشباب دون سن الثلاثين وبعضهم ولد في أوربا وبعضهم الآخر مثل الشاب الصومالي أعلاه كانوا قد جاؤوا وهم أطفال في سن مبكرة.

إن خوف الدول الأوربية من نتائج مشاركة هؤﻻء الشبان في عمليات إرهابية وحصولهم على خبرة القتال واستخدام السلاح وصنع المتفجرات يتأتى بالتأكيد لخشيتها من إمكان تهديدهم لأمن وسلامة مجتمعاتها عندما يعودون إليها.

ما الذي يجب أن تقوم به هذه المجتمعات من اجل الحد من ظاهرة التطرف؟ هذا السؤال يقلق الأوساط السياسية والاجتماعية وأجهزة الأمن في تلك البلدان، إذ أن الاندماج في المجتمع والدراسة والحصول على العمل ليس كافيا لإبعاد الشباب عن التطرف واعتماد العنف والإرهاب طريقا لتحقيق أفكارهم ومعتقداتهم.

وهذا السؤال مطروح على من يهمه أمر الشباب من أئمة الدين وصانعي الفتاوى والقرار في العالم الإسلامي أيضا، لاسيما وأن أغلب الذين يذهبون \”للجهاد\” من أوربا لديهم تحصيل علمي ما أو عمل، وأغلبهم مثلما تقدم كانوا قد ولدوا في تلك البلدان التي، وللمفارقة، يريدون النيل منها ومحاربتها.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا