تراثيات: الحارث نصير الوثنيين المظلومين

  هو أبو حاتم الحارث بن سريج الدارمي التميمي

 

هو أبو حاتم الحارث بن سريج الدارمي التميمي. بدأ حياته مرجئيا (مذهب سلفي متشدد يقدم الإيمان على العمل، ويقول بعدم الخوض في خلافات الصحابة بعد مقتل عثمان وإرجاء البت فيها إلى يوم القيامة ليتولاه الله). ولكنه انقلب على هذا المذهب عمليا فلم يرجئ الحكم على بني أمية الى يوم القيامة بل خرج – ثار – على دولتهم.

 

كان خروجه سنة 116 هجرية بإقليم خراسان في عهد الخليفة الأموي المرواني هشام بن عبد الملك وحينها كانت خراسسان مطرحا لوجود سكاني عربي كبير، لقبيلة تميم موقع متقدم فيه.

 

انضم إلى وثبة الحارث عدد من كبار مثقفي وفقهاء عصره، منهم مثلا جهم بن صفوان مؤسس الجهمية المعتزلية، ومقاتل بن سليمان المفسر والمحدث وعالم الكلام ذو الثقافة الواسعة والمعادي للدولة الظالمة أيا كانت، وتلقى الحارث دعما معنويا من شيعة الكوفة والبصرة على لسان شاعرهم الكميت الأسدي الذي اعترف له بالعجز عن المشاركة العسكرية (بسبب ما هم فيه من ضيق وحصار).

تحالف الحارث مع الفلاحين الفقراء الوثنيين الذين عانوا من بطش الولاة الأمويين، وخاصة أسد بن عبد الله ونصر بن يسار و الكرماني. ومن ملوك أو زعماء الوثنيين الذين تحالفوا معه خاقان ملك تركستان و كورصول الذي قاتل الى جانب الحارث فعليا.

 

ومن الأمثلة على ظلم الولاة والقادة الأمويين ما فعله الكرماني بعد استسلام مدينة توشكان له، بعد أن امتنع أهلها عن القتال حقنا لدمائهم كما وعدهم، ولكنه حين دخل المدنية أخذ خمسين رجلا منهم وشق بطونهم وألقى بهم في نهر بلخ، و قطع أرجل ثلاثمائة آخرين، ونهب ممتلكاتهم وباعها في مزاد علني. وحين انشق الكرماني على بني أمية وحاول الالتحاق بثورة الحارث ضدهم رفضت قيادة الحركة التحالف معه ففتح ضدهم جبهة جديدة سنرى نتائجها بعد قليل.

 

بلغ جيش الحارث ستين ألف مقاتل وحرر مناطق واسعة من آسيا الوسطى وانتزع أربعة مدن كبرى من الأمويين هي بلخ والجوزجان والطالقان ومروالروذ. ولكنه فشل في معركة السيطرة على عاصمة خراسان مرو فانسحب بقواته الى معاقله في أعماق آسيا، و هناك، أدار مناطق حلفائه الترك الوثنيين حيث أعاد لهم أموالهم وممتلكاتهم التي صودرت و حرر عوائلهم التي استرقت. وفي ذلك الإبان جاءه خبر وفاة الخليفة الأموي الثائر يزيد الناقص فعرف الحارث أن الثورة القدرية ( نسبة إلى القدريين وهم على عكس اسمهم لا يؤمنون بالقدر والحتم بل بالاختيار والحرية الإنسانية مقابل الجبريين الذين يؤمنون بأن الإنسان مجبر ومسير لا مخير وهو المذهب الذي تبنته الدولة الأموية بشكل شبه رسمي لتبرير وجودها: نحن قدركم فارضوا بنا أو نقتلكم!)، وخلافتها زمن يزيد الناقص التي دامت ستة أشهر تقريبا قد انتهت وعاد الأمويون بفرعهم المرواني بعد سقوط الفرع السفياني القصير الى الحكم واستعد الحارث للقتال فقد كان الكرماني الذي رفضت الحركة التحالف معه كما أسلفنا، قد زحف نحو معاقل الثوار بجيشه الجرار النظامي جيد التسليح والتدريب وبعد معركة ضارية قتل الحارث ونائبه بشر بن جرموز الضبي وتشتت جيشه بعد ذلك.

 

يعتقد المعلم العلوي أن سياسة التحالفات الجبهوية عند الحارث (تقوم على التمسك بالمبادئ – الإنسانية – والتساهل في العقائد – الدينية – التي لم تقف حائلا دون أي طرف يمنعه من دعم الحارث أو الانضمام إليه أو يمنع الحارث من قبوله. لقد ائتلفت حوله فرق وفئات كان مقدرا لها أن تحترب لما بينها من خلافات أديولوجية شديدة. وهذا دليل على أن العقائد تتراجع عند احتدام الصراع الاجتماعي تاركة للحس الإنساني والوعي الطبقي أن يقوم بدوره في تكييف العلاقات السياسية والاجتماعية / المصدر نفسه ص 116 ).

وهذا هو ديدن تاريخ الثوارت قديما، أما حديثا فقد شهدنا “مسلمين إسلاميين” تحالفوا مع الغزاة الأجانب ضد شعوبهم ففرضوا عليها أنظمة حكم طائفية متخلفة كما هي الحال في حكم المنطقة الغبراء في بغداد اليوم!

 

إقرأ أيضا