نصب واحتيال آسياسيل في سوق الأوراق المالية

  شركة آسياسيل ليس اسما عاديا في عالم الاتصالات والمال والأعمال ولا هو اسم مجهول…

 

شركة آسياسيل ليس اسما عاديا في عالم الاتصالات والمال والأعمال ولا هو اسم مجهول أو غير معروف في العراق. آسياسيل هي واحدة من ثلاث شركات للهواتف الجوالة هي زين العراق وآسياسيل وكورك وتملك رخصة بقيمة مليار ومائتين وخمسين الف دولار أمريكي (1,2 مليار)، وهي أيضا رخصة من ثلاث رخص لتشغيل الهواتف الجوالة في العراق. وبما أن لعالم الاتصالات معنى خاصا في عالم المال والثروات بسبب ارباحه الضخمة الكثيرة التي تجري مثل جريان الماء في الانهار، فان هذا يعني أن آسياسيل هي واحدة من امبراطوريات المال حالها في ذلك حال أي شركة أخرى من كبريات شركات الهواتف الجوالة والاتصالات في العالم.

 

لذلك ليس أمرا عاديا أن تتعرض أسعار أسهم شركة آسياسيل للانهيار في أسواق الأوراق المالية في العراق وليس أمرا عاديا أيضا أن تتعرض هذه الأسهم إلى إيقاف تداولها في سوق الأوراق المالية العراقية بعد انهيار اسعارها. لقد كان من المفروض في دخول اسهم شركة آسياسيل وربما لاحقا غيرها من شركات الهواتف الجوالة إلى التداول في اسواق الأوراق المالية العراقية أن يخلق آثار إيجابية في إنعاش حركة هذه الأسواق وتطورها وازدهارها بسبب ما لهذه الشركة من موجودات مالية كبيرة وإيرادات ضخمة وارباح واسعة، أما أن تتعرض اسهم آسياسيل للانهيار وإيقاف تداولها في سوق الاوراق المالية فهذا الذي يثير الاستغراب ويطرح علامات استفهام كبيرة حول الذي يحصل وعما اذا كان حالة طبيعية في سياق حركة السوق وتداول الأسهم أم إنه عملية مشبوهة ومشكوك فيها لغرض توسيع وزيادة ارباح الشركة على حساب المساهمين لاسيما المساهمين من المواطنين العراقيين؟

 

مما لا يعرفه الكثيرون أن دخول شركة آسياسيل أو غيرها من شركات الهواتف الجوالة سوق الأوراق المالية العراقية وطرح بعضا من أسهمها للتداول هو ليس مبادرة طوعية ذاتية ولا رغبة تجارية خاصة من هذه الشركات وإنما هو جزء من واجبات والتزام هذه الشركات بعقد الرخصة مع هيئة الإعلام والاتصالات الذي يحدد التزامات وواجبات واعمال شركات الهواتف الجوالة مقابل منحها رخصة تشغيل شركة للهاتف الجوال.

 

وتنص المادة (24) من عقد الرخصة على أن تقوم شركات الهواتف الجوالة في العراق ومنها شركة آسياسيل بطرح 25% من أسهمها للاكتتاب العام من قبل المواطنين في سوق الأوراق المالية العراقية وبفترة زمنية أقصاها 31/ آب/ 2011 .

 

إن بيع 25% من اسهم هذه الشركات للمواطنين يعني تحويل 25% من رأسمال هذه الشركات وبالتالي ارباحها أيضا الى الاستثمار الوطني، وهذا يعني ايضا أن تفقد الشركات 25% من ارباحها وهي مبالغ ضخمة وكبيرة لا ترغب الشركات ان تخسرها رغم انه جزءا ملزما من عقد الرخصة. ولذلك تمنعت هذه الشركة وسوفت وماطلت من طرح هذه النسبة من اسهمها في الاسواق المحلية من سوق الأوراق المالية حيث لاتزال شركتا زين وكورك تمتنعان عن ذلك حتى الآن فيما لم تبادر شركة آسياسيل الا بعد عام من الوقت المقرر لذلك حسب عقد الرخصة.

 

والذي يبدو ان شركة آسيا سيل آثرت أن تتحرك مع مجرى التيار، ولكن بطريقة التاجر الشاطر الذكي الذي يُفرغ العملية من محتواها وأهدافها ومقاصدها ويحولها إلى عملية تجارية مُربحة تُعيد تدوير الأرباح لتصب من جديد في خزائن شركة آسياسيل على حساب المواطن العراقي الذي سيتورط في شراء أسهم شركة آسياسيل.

 

آسياسيل التي أبلغت هيئة الإعلام والاتصالات عن استعدادها لتنفيذ المادة (24) من عقد الرخصة وطرح 25% من اسهمها في اسواق الأوراق المالية العراقية تأخرت عن التنفيذ عاما كاملا عن التوقيتات الزمنية، لذلك وحتى 13/آب/2012. وبعد هذا التاريخ بدأت الشركة بالإجراءات القانونية حتى باشرت بحملة دعائية اعلامية تعمل للترويج لأسهمها وقيمتها الاقتصادية.

 

كانت دعاية آسياسيل تبشر بأرباح مجزية لأسهمها التجارية تتراوح بين (200- 300)% وهي أرباح جيدة. المواطن العراقي من جهته يبحث وهذا من حقه عن تحسين ظروفه المعاشية وتطوير اوضاعه الاقتصادية ولذلك فهو يبحث عن أي امكانية أو مجالات أو فرص استثمارية تساعده في هذا الاتجاه.

 

وبسبب ظروف العراق الأمنية والاقتصادية الصعبة فان المواطن العراقي لم يكن ليجد الفرص المناسبة والأمنية المؤهلة للاستثمار الاقتصادي، لكنه تصور ان في فرصة الاستثمار في أسهم شركة آسياسيل هي الفرصة (الذهبية) المناسبة التي يبحث عنها لان شركة آسياسيل وحسب تقديره شركة كبيرة في موجوداتها المالية وفي اعمالها وفي ارباحها لذلك فان من الثابت أن يكون الاستثمار في اسهم مثل هذه الشركة مربح جدا وغير قابل للخسارة. لذلك ما ان اعلنت آسياسيل عن الاستكتاب على اسهمها في سوق الأوراق المالية العراقية حتى بادر الكثير من المواطنين إلى جمع ما عندهم من مدخرات حتى وان كانت بسيطة أو بيع ما عندهم من مصوغات وقاموا بشراء ما يمكن شرائه من اسهم آسياسيل على امل ان يساعدهم هذا في انعاش حياتهم المادية والاقتصادية ولم يعلموا بالذي يخبأه لهم القدر وما الذي كانت تخبأه لهم آسياسيل.

 

باشرت آسياسيل بطرح اسهمها في اواخر عام 2012 او في مطلع عام 2013 وبقيمة 22 دينار للسهم الواحد اي أن قيمة الألف سهم تبلغ 22 ألف دينار، والألفي سهم 44 ألف دينار والمليون سهم 22 مليون دينار والمليونين سهم 44 مليون دينار وهكذا دواليك. غير ان الذي لم يكن يدركه المواطن العراقي المستثمر ان اللعبة معه كانت قد بدأت من بداية المشوار ذلك أن آسياسيل التي كانت ملزمة حسب عقد الرخصة بعرض 25% من اسهمها وحسب قواعد وقوانين الاستكتاب عرضت نوعين من الاسعار للاستكتاب.

 

المادة  24 من عقد الرخصة تفرض على الشركات أن تعرض 25% من اسهمها، غير أن آسياسيل عرضت 15% فقط على المواطنين، وبسعر 22 دينار للسهم الواحد فيما باعت بطريقة غير معلنة 10% من هذه النسبة بقيمة دينار واحد فقط وهو السعر الحقيقي الذي يحدده قانون الاستكتاب الاولي على شركة رواد للخدمات العامة المحدودة والتي يسيطر عليها القطريون المساهمون المؤسسون لشركة آسياسيل بمعنى ان المليون سهم التي يشتريها القطريون بمليون دينار فقط والتي يشتريها المواطن العراقي بـ 22 مليون دينار.

 

لم يعرف المستثمر العراقي بأول حيلة من آسياسيل ودخلت هذه الاسهم الى التداول في سوق الاوراق المالية وفي عام 2013 وزعت آىسياسيل أرباح بمايقرب من 200% لتنخفض نسبة الأرباح الموزعة على المستثمرين الى 150% عام 2014. غير ان الارباح تراجعت بنسبة كبيرة جدا عام 2015 لتبلغ 15% فقط يضاف الى ذلك ان آسيا سيل لم تدفع أموال مقابل هذه الارباح البسيطة جدا عام 2015 وانما حولتها الى ما يسمى بالرسملة أي أضافت اسهم جديدة على حسابات المستثمرين مقابل هذه الأرباح.

 

خلال كل هذه الفترة كانت قيمة اسهم آسياسيل تتراجع بصورة مضطردة في سوق الأوراق المالية ولأسباب وعوامل كثيرة تتحمل آسياسيل مسؤوليتها جميعا. غير أن الانهيار الأكبر والذي قضى على قيمة هذه الاسهم وسحق رؤوس اموال المستثمرين العراقيين كان من عام 2015 وحتى عام 2016 عندما أوقفت سوق الأوراق المالية في جلسة 13/7/2016 تداول اسهم آسياسيل في السوق بسبب توقف شركة آسياسيل عن تقديم الافصاح السنوي عن أرباحها لعام 2015 واستمرار الايقاف لعدم تقديم هذا الافصاح ايضا عن الأرباح لعام 2016.

 

أصبحت مصيبة المواطن العراقي المستثمر في اسهم شركة آسياسيل مصيبتين الأولى مصيبة انهيار الاسعار والتي انحدرت الى 4.5 دينار للسهم الواحد تقريبا وهو التي اشتراها بـ 22 دينار والمصيبة الاخرى ايقاف تداول هذه الاسهم في سوق الأوراق المالية.

 

وبسبب هذا الانهيار وهذا الايقاف فان خسائر المواطن العراقي المستثمر باتت كبيرة جدا حيث يمكن القول ان امواله التي استثمرها في اسهم شركة آسياسيل قد تبخرت اذ ان من كان له الف سهم بقيمة 22 الف دينار أصبحت بقيمة 4500 دينار فقط، ومن كان له مليون سهم بقيمة 22 مليون دينار اصبحت بقيمة 4.5 اربعة ملايين وخمسمائة الف دينار فقط، ومن كان له مليونا سهم بقيمة 44 مليون دينار اصبحت بقيمة 9 تسعة ملايين دينار فقط وهكذا دواليك، انها في الواقع مجزرة شركة آسياسيل في أموال الناس ومواردهم البسيطة الضعيفة.

 

السؤال الكبير الذي يدور في أذهان الجميع هو من المستفيد من عملية النصب والاحتيال هذه على الناس ومن الذي يتحمل مسؤوليتها؟

 

مما لاشك فيه ان شركة آسياسيل هي المستفيد الوحيد في عملية القرصنة هذه، ذلك ان شركة رواد المملوكة للقطريين وهي المساهمة في التأسيس وفي الشراكة في آسياسيل كانت قد اشترت 10% من اسهم الشركة المعروضة للبيع بقيمة دينار واحد فقط للسهم الواحد ، بمعنى أن هذه الشركة والتي هي بعبارة اخرى شركة آسياسيل نفسها لاتزال تربح في السهم الواحد 3.5 دينار رغم انهيار قيمة الأسهم الى مايقرب من 4.5 دينار لانها اشترت السهم بدينار واحد هذا اولا. وثانيا ان آسياسيل جمعت أموال طائلة بالمليارات من الدنانير من المواطنين العراقيين الذين اشتروا الـ 15% الباقية من 25% من الاسهم وبقيمة 22 دينار للسهم الواحد.

 

اما من يتحمل المسؤولية في عملية القرصنة المالية هذه فهي بالدرجة الأولى شركة آسياسيل والجهات الراعية والمنظمة والمشرفة على اعداد وتقدير أسهم شركة آسياسيل وتقديمها الى سوق الاوراق المالية وعرضها للتداول وهذه الجهات هي هيئة الإعلام والاتصالات ومسجل الشركات وهيئة الاوراق المالية وسوق الاوراق المالية. مسؤولية آىسياسيل هي اولا انها عرضت سعرين لقيمة السهم الواحد الأول بـ دينار واحد والآخر بـ 22 دينار, وثانيا انها لم تهتم وتتابع بشكل جاد وحقيقي حركة سعر اسهمها في سوق الوراق المالية اذ انها لم تقدم بشكل شفاف وواضح وحقيقي ارباحها السنوية كما انها لم تقدم الافصاح عن هذه الارباح ولسنتين متتاليتين في 2015 وفي 2016، كما ان مجلس ادارة آسياسيل لم يتدخل ولو لمرة واحدة في انقاذ اسعار اسهم الشركة او وقف انهيارها من خلال المبادرة الى دعم هذه الاسهم بشرائها وتركها تنهار بهذه الطريقة وتحرق اموال الناس العراقيين المستثمرين. اما الهيئات والمؤسسات الاخرى التي شاركت في الاعداد والتنظيم مثل هيئة الاعلام والاتصالات ومسجل الشركات فانها مسؤولة عن كيفية وضع اليات احتساب سعر السهم الواحد وكيف حصل طرح نسبتين للبيع وليس نسبة واحدة وبسعر واحد، احدهما 10% وبسعر دينار واحد للسهم الواحد والاخرى 15% وبسعر 22 دينار للسهم الواحد وعدم شفافية الهيئة في الاعلان عن ارباحها الحقيقية ومن ثم التوقف عن هذا الاعلان عندما توقفت عن الافصاح السنوي؟

 

ان على شركة آسياسيل معالجة الموقف وحفظ مصالح الناس المسثمرين وصيانة حقوقهم المالية العادلة وتعويض الناس عن هذه الاضرار الكبيرة التي لحقت بهم بسبب سياسات الشركة وممارساتها وادارتها اللامسؤولة ، ويقول خبراء ومطلعون على هذا الملف ان المعالجة المنصفة والتعويضات العادلة هي ان توحد الشركة قيمة البيع للسهم الواحد فبدلا من ان يكون البيع بسعرين هما دينار واحد للسهم الواحد لشركة رواد التي يسيطر عليها القطريون و22 دينار للسهم الواحد لعامة المستثمرين العراقيين وبذلك يكون البيع بسعر واحد فقط للجميع هو دينار واحد وعلى هذا الاساس تعيد الشركة لكل مستثمر من المستثمرين 21 دينار عن كل سهم من الاسهم التي اشتراها بقيمة 22 دينار.

 

الحكومة العراقية عليها هي الأخرى مسؤولية كبيرة ايضا ، ذلك أنها مسؤولة عن حقوق العراقيين والدفاع عن مصالحهم لذلك عليها ان تشارك مع الهيئات والمؤسسات الاخرى في تشكيل لجنة او هيئة عليا للتحقيق في الموضوع واعادة حقوق الناس واموالهم ومحاسبة المقصرين.

 

 

أكاديمي ومراقب في سوق الأوراق المالية

 

إقرأ أيضا