مسؤوليتنا جميعا

لا أحد ينكر أن الوضع المأساوي الذي يعيشه الشعب العراقي لا يمكن لأي أمة أخرى أن تحتمله، فقد تحمل العراقيون نكبات وكوارث منذ أكثر من 30 عاما، شملت القتل اليومي والمجاني ونهب الثروات وتحطيم بنية المجتمع وقيمه العليا. وقد كانت أكثر الأدوات تدميرا للدولة والمجتمع، هي أبناء البلد أنفسهم. فبالرغم من وحشية الحرب التي شنت على العراق منذ العام 1991 من القرن الماضي وختامها في 2003 وما لحقها من احتلال وما رافقه من تداعيات، فإننا لم ننهض من الركام لبناء بلدنا، بل، بالعكس، رأينا أن الفوضى الخلاقة التي جاء بها الأمريكان وزرعوها بأرضنا أخذ الحكام الجدد على عاتقهم رعايتها وتغذيتها لأنهم بوجود هذه الغرسة الشيطانية (الفوضى الخلاقة) استطاعوا بناء إمبراطورياتهم وتقاسموا العراق وثرواته وخيراته، وأصبح بقاؤهم مرهونا بالقضاء على ما تبقى لدى المجتمع من قيم ومبادئ بنشرهم للفوضى وخلق أكبر قدر ممكن من المفسدين والقتلة ليصبح المجتمع مصابا بأمراض شتى لا يقوى على الشفاء منها، فما دام المجتمع متخلفا وتحكمه النزعات العشائرية والقبلية والطائفية يكون أرضا خصبة لإنتاج الفاسدين والسراق والقتلة.

ولكي نكون واضحين وصريحين أكثر علينا أن نسأل أنفسنا عمّن يتحمل مسؤولية ما وصلنا إليه من أوضاع مأساوية. فإذا كانت السلطة بكل عناوينها فاسدة وغير جديرة بالثقة فالمسؤول عن هذا هم الناس الذين لثلاث دورات انتخابية يرتكبون نفس الخطأ باختيارهم نفس الأسماء وكأننا نلدغ من جحر مرات ومرات فأصبحنا وقد تطبعنا على هكذا حكام يغذوننا فسادا وطائفية ويتقاسمون خيراتنا متنعمين، كما تطبعنا لثلاثين عاما على حكم المقبور فأتينا به من الشارع لننصبه ملكا نهتف ونصفق له ونقدم فروض الطاعة بين يديه ونفتديه بالروح بالدم، ولو لم تسقطه أمريكا فلن نسقطه أبد الدهر. واليوم نصنع ملوكا وليس ملكا واحدا.

من يقنعني أني \”غلطان\” وأنا أرى آلاف بيوت التجاوز والصفيح يسكنها أهل البصرة وبحار الذهب والبترول تحت أقدامهم وفي تظاهرات البصرة لا يخرج إلا 60 شخصا فقط، وأهل بغداد الذين يتعرضون لأكبر حرب إبادة بالتاريخ باتوا مستسلمين لقدرهم بعد أن واجهت الحكومة من تظاهر منهم بالحديد والنار، فهل هذه العملية السياسية البائسة تستحق هذه التضحيات الكبيرة التي يتبجح قادتها بأن كل شيء يهون من أجل بقائها؟ نعم لأنهم لم يخسروا شيئا، بالعكس، هم متنعمون ما دام أبناء العراق من يحمونهم، فلأي هوة سحيقة وصلنا؟ والملايين التي تحج لأبي الأحرار الإمام الحسين (ع) بأي وجه تلتقيه وتهتف هيهات منا الذلة فيما الإرهاب يتفنن بقتلنا والحكام ماهرون بسرقتنا؟

لنتصالح مع تاريخنا وأنفسنا ولنثبت مرة واحدة أننا جديرون بثرواتنا وبحريتنا وننفض غبار الطائفية والتخلف باختيار الشخصيات الوطنية الصادقة بالانتخابات القادمة فالشعوب تستكين لفترات  لكنها لا تموت أبدا.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا