تسامح مانديلا بين الأفلاطونيات والواقع

أصعب ما يواجه المُراقبون والمُحللون وهواة الكتابة \”مثل حالتي\” هو أن يقفوا بالضد من النظام الديكتاتوري السابق وينتقدوا مجرميه وشعاراتهم التي خدعوا بها الناس باسم القومية وحماية مكتسبات الثورة، وفي نفس الوقت يقفوا بالضد من \”أغلب\” فاسدي وفاشلي ومجرمي النظام الحالي وينتقدوا شعاراتهم التي خدعوا بها الناس باسم المذاهب وحماية الشعائر. إضافة إلى محاولة كشف البذور الفاسدة التي تمت زراعتها خلال حقبة حكم النِظامَين والمُتمثلة بالمجاميع والميلشيات المسلحة.

هسه ندخل بموضوع تسامح مانديلا.. تريدون نسولف أفلاطونيات لو الواقع؟!، آني أكَول نسولف الواقع أحسن.

قبل فترة توفي نيلسون مانديلا، لِيتم مع هذه المناسبة ومن جديد فتح النقاشات والآراء المُتعلقة بتطبيق \”تسامح مانديلا\” في العراق مِن قِبل بعض المُهتمين بالوضع العام.. فالمُستفيدون من النظام السابق يُريدون تسامحا وتصالحا مع أفراد ذلك النظام وأركانه وحيطانه وآخر ما تبقى من العنقود فيه عِزة الدوري. والمُتعصبون السُنة يُنادون بالتسامح مع قادة الجماعات المسلحة. والمُتعصبون الشيعة يُنادون بالتسامح مع قادة الميليشيات المسلحة..

المُشكلة إن اغلب الذين يتغنون بتسامح مانديلا لا تتجاوز معرفتهم بتاريخ جنوب إفريقيا سوى \”إن شِلة من البيض كانت تحكم ذلك البلد بصورة عنصرية، ومانديلا كان مسجونا ومن طلع من السجن تسامح مع سَجّانه، وبعدين دعا السود إلى التصالح مع البيض ومُسامحتهم على جرائمهم وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وبوس عَمك بوس خالك وعاشوا عيشة سعيدة\”.

لا إخوان.. مانديلا قبل أن يُطالب بالتسامح طالب بالعدالة، ومثال على ذلك هو رفضه منح الحصانة القانونية لمرتكبي الانتهاكات العنصرية في بلده إلا بعد أن يقروا بجرائمهم ويعترفوا بها علنا.. فقُبيل أول انتخابات حُرة في جنوب إفريقيا أصدر الرئيس العنصري آنذاك (ديك ليرك) أمراً يقضي بالعفو عن 4 آلاف شرطي ورجل أمن، ولكن مانديلا وبعد فوزه بالانتخابات ألغى هذا العفو وأسَسَ لجنة سُميت حينها (لجنة المصالحة والحقيقة).. أما هاي اللجنة فاصبرولي شوية جايكم بالكلام عنها.. هذه اللجنة يا معزوزي العين والسلامة كانت تحت إشراف القس (ديزموند توتو)، ولكي يحصل أحد مُذنبي النظام العنصري الجنوب إفريقي على عفو كان عليه أن يقوم بالاعتراف عن ذنبه في جلسه علنية وبحضور الضحية إذا كان على قيد الحياة أو بحضور أحد أقاربه إذا كان متوفى.. فقد قام المئات من الجلادين العنصريين البيض بالكشف عن تفاصيل عمليات القمع التي قاموا بها وذهبوا مع الصحفيين وذوي الضحايا إلى الغابات والأماكن السرية التي عذبوا فيها ضحاياهم وقتلوهم..

نعم إخوان، أركان النظام الحالي غير مؤهلين لتشكيل مثل هذه اللجنة، ولكن في نفس الوقت لم نلمس أي إشارة تُشير إلى أن أركان النظام السابق يريدون الاعتذار عن جرائم حلبجة والمقابر الجماعية والتعذيب في السجون، لا بل، بالعكس، ما زالوا يُدافعون عن تلك الجرائم.

لذلك أقول لكل من يطالب بتصالح هذا الشعب المغلوب على أمره مع ذباحيه وجلاديه بدون أي مقابل وضمانات: \”روحوا لعزة الدوري ولذباح الدورة ولأبو درع وقنعوهم يعتذرون من ضحاياهم، أو على الأقل لا يعتذرون وإنما يتعهدون بعدم تكرار جرائمهم من جديد، ومن بعدها تعالوا طالبوا بتطبيق تسامح مانديلا\”.

* كاتب عراقي

إقرأ أيضا