غسان اسماعيل في حوار موسع مع (العالم الجديد): عبدالخالق المختار تنبأ لي بمستقبل وأساتذة (المعهد) حاربوني

  الحديث عن الحياة الشخصية للفنان الكوميدي غالبا ما يصدم المتلقي بشيء من العجب بسبب…

  الحديث عن الحياة الشخصية للفنان الكوميدي غالبا ما يصدم المتلقي بشيء من العجب بسبب كمية الحزن والظروف العصيبة التي تعتري هذه الحياة فآغلب الناس يعتقد ان من يمتهن الكوميديا لم ير الهم في حياته، لكن الغريب في الامر ان اساطير الكوميديا كانوا يبتسمون في التمثيل فقط! كالفنان المصري الراحل اسماعيل ياسين.   نجم ولاية بطيخ “غسان اسماعيل” الذي يمثل اليوم احد مصادر البسمة للفرد العراقي لما يقدمه بمعية مجموعة من الشباب من كوميديا هادفة، هو الآخر عاش ظروفا قاهرة وعصيبة لا يمكن لأي شخص ان يتخيلها عند رؤيته وهو يقول “استغفر الله جنان“ “بغض البصر“، وغيرها من مفردات الكوميديا التي اشتهر بها.   “العالم الجديد” توغلت في اعماق الحياة الشخصية لنجم الكوميديا غسان اسماعيل، وخرجت معه بهذا الحوار المثير في كل تفاصيله:    

س: في البدء حدثني عن طفولة ونشأة غسان اسماعيل؟   ج: انا من مواليد بغداد منطقة الشعلة عام ١٩٧٩، نشأت في ظروف طبيعية نوعا ما، لكنها تغيرت للاسوأ بشكل رهيب وانا بعمر الاربع سنوات بسبب استشهاد والدي في الحرب العراقية الايرانية عام ١٩٨٣، هذا الحادث جعل من والدتي تتخذ دور الام والاب وبدأت تكافح لتوفير متطلباتي انا وشقيقاتي.    

س: ماذا كانت تعمل والدتك؟  

ج: معلمة في معهد للعوق الفيزياوي، طلبتها من ذوي الاحتياجات الخاصة والمعاقين، بقيت تكافح في حياتها دون ان تجعلنا نشعر بشيء وخلال سنوات نجحت في شراء شقة بمنطقة حي السلام “ شقق صدام سابقا“.    

س: هذا يعني ان دراستك الابتدائية كانت في هذه المنطقة؟   ج: نعم، كانت فترة جميلة رغم مرارتها، كنت ابكي عندما ارى طالبا يحضر بمعية والده الى المدرسة لاني بلا اب!، رغم ذلك كنت من المتفوقين والاول على صفي في كل المراحل، بعض المعلمين اشعروني بحنان الاب الذي افتقده حتى اليوم، كان لدي اصدقاء لازالوا متواصلين معي لغاية اللحظة.   في هذه المرحلة اكتشفت عشقي لكرة القدم “يقول ضاحكا“ عند خروجي من المدرسة اتجاهل تهديد ووعيد والدتي اليومي بعدم اللعب والعودة مباشرة الى البيت، اتوجه الى الساحة الشعبية القريبة من المدرسة واستمر في اللعب حتى اشعر بوجود والدتي وهي توبخني امام الجميع، تآخذني الي المنزل مباشرة كي اتفرغ لواجباتي بعد الاستحمام.        

س: هذا روتين متعب جدا لك ولوالدتك  

ج: نعم كنت معتادا على الوصول الى المدرسة في الدرس الثاني دون ان اغسل وجهي او امشط شعري.    

س: وكم استمر هذا الامر؟  

ج: الى ما بعد حرب الخليج والحصار الاقتصادي، كنت في المرحلة المتوسطة، وهنا كغيري من العراقيين بدأت الحياة تتعقد معي اكثر، كنت اعمل في الفترة المسائية لاعانة والدتي وايام العطلة اعمل في النهار بآكمله، كنت مكرها على العمل في بيع السكائر والتتن واكياس النايلون وعندما نضج بدني قليلا عملت في “الحمالة” كي اكسب اموالا اكثر.    

س: وهل واصلت دراستك؟  

ج: استمريت في الدراسة حتى بلغت الخامس العلمي لكني رسبت سنتين متتاليتين، ليتم استدعائي للخدمة العسكرية الالزامية، اكملت مركز تدريب ثم قمت بدفع مبلغ قدره مليون و٥٠٠ الف دينار عراقي “بدل خدمة”.  

س: كيف استحصلت هكذا مبلغ وانت تعيش ظروف اقتصادية عصيبة؟  

ج: اقترضت والدتي المبلغ، ثم قمنا بايجار شقتنا واستأجرنا مسكنا اقل مستوى حتى تمكنا من استيفاء الدين.    

س: وماذا حصل بعد ذلك؟

ج: استمريت بعملي السابق ثم بعد ذلك تقدمت للدراسة في معهد الفنون الجميلة كوني احمل شهادة المرحلة المتوسطة.

س: كيف تولدت فكرة الدراسة في المعهد؟  

ج: كانت صدفة، كانت تسكن بقربنا المخرجة المنفذة انتصار عبد الجبار التي سعت الى تشغيلي واعانتي واعطتني دورا ثانويا “كومبارس“ في احد الاعمال التمثيلية الذي كان يجسد بطولته الفنان الراحل عبد الخالق المختار، وهو اول من نصحني بالتقديم للدراسة في معهد الفنون الجميلة اذ تنبأ بموهبتي في التمثيل.    

مع الراحل راسم الجميلي (العالم الجديد)

س: وكيف سارت الامور بعد ذلك؟

ج: صراحة واجهت صعوبة شديدة اولها رفض والدتي للدراسة في المعهد لان الدراسة تتطلب اموالا كبيرة لا يمكنني توفيرها، لكني وضعت من الموضوع هدف ويجب تحقيقه بآي شكل من الاشكال.    

س: كيف نجحت بإتمام دراستك في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة؟

ج: مسكني كان في حي السلام، ومعهد الفنون يقع في منطقة المنصور، هذا يعني انني كنت أضطر الى ركوب ٤ مركبات من منطقة الى اخرى، وبما انني لا استطيع توفير المبلغ، فقد كنت اركب سيارتين فقط، واحاول قدر الامكان الوصول الى منطقة البياع ومن ثم اتمام طريقي سيرا على الاقدام حتى الوصول الى المعهد، اغلب الايام كنت اتجه الى المسرح للتمرين في الفترة المسائية، وعند انتهاء التمرين اضطر الى المنام في المسرح، لاني لا املك الاجرة الكافية للعودة الى منزلي، ورغم الجوع الشديد كنت انام لاني منهك تماما من المسير والتمرين.

س: هل دفعتك هذه الظروف الى التفكير بترك المسرح؟

ج: إطلاقا، لان ظروفي كانت مشابهة لظروف اصدقائي في المعهد، كنا نتعاون فيما بيننا لتجاوز المحنة، كنا نرتدي ملابس بعض، ونستخدم نفس العطر الذي يفارق الجسد بعد دقيقتين، عندما نتجه الى المسرح نجلس بكرسي واحد في سيارة الباص كي ندفع اجرة شخص واحد.

س: من كان أبرز الأصدقاء انذاك؟

ج: مخلد راسم الجميلي، هذا الشخص جعلني اعشق المسرح والتمثيل ودعمني بقوة في ذلك الوقت.

س: هل هناك من الاساتذة من امن بموهبتك؟

ج: الاستاذ رحمن عبد الحسين كان مؤمنا جدا بي ودائما ما كان يتنبأ بمستقبل عظيم لغسان اسماعيل في الكوميديا، هو كان مخرجا لاول بطولة كوميدية لي في المسرح. في ذات الوقت كان الاستاذ حميد لطيف يراهن كثيرا على فشلي، وكان ينصحني بترك التمثيل لان لن اصبح ممثلا حسب تصوره.    

س: هل كان هو الشخص الوحيد الذي اعاق طموحاتك؟

ج: على مستوى الاساتذة نعم، لكن على مستوى المخرجين كان المخرج حسن الماجدي مخرج مسلسل “اسد بابل” النقطة الاسوأ في مسيرتي، حاربني كثيرا في العمل، وسعى الى افشالي بشتى الطرق.

 س: لماذا؟  

ج: من المشاكل الازلية في اعمال الدراما هي المعارك بين الانتاج والاخراج، اذا كان المنتج هو من استقطب الممثل فانه يواجه صعوبة بالغة بالتعامل مع المخرج والعكس صحيح ايضا، الممثل غالبا ما يكون حطبا لهذه المعركة.    

س: وهل كانت هناك عودة للمعهد ام انتهى الامر بمجرد التخرج؟  

ج: نعم كانت هناك عودة.. بعد سنوات من التخرج تم تكليفي بالقاء محاضرات في معهد الفنون الجميلة للمرحلة الاولى قسم التمثيل، كان شعورا عظيما المعهد الذي تخرجت منه طالبا اعود اليه استاذا!، الطلاب جميعهم عشقوا المسرح من خلالي بسبب العلاقة الوثيقة التي ربطتني بهم انذاك.    

س: كم استمر هذا الامر؟  

ج: لم يدم طويلا، اساتذة المعهد لم يرق لهم نجاحي، وحب الطلبة لي، بدأوا بمحاربتي بشتى الوسائل لاخراجي من المعهد، حتى سنحت لهم الفرصة يوم استحصلت اجازة بسبب سفري الى مدينة السليمانية لتصوير مشاهدي في مسلسل “رباب”، وعند عودتي فوجئت بأن الاجازة قد تحولت بقدرة قادر الى استقالة موقعة من قبل الجميع.    

س: جميع الاستاذة كان موقفهم سلبيا؟  

ج: الكل بدون استثناء، الكل يستحق ان اوجه هذا الكلام اليه.    

س: هل درست في كلية الفنون الجميلة ام اقتصر الامر على المعهد؟  

ج: نعم درست كلية الفنون وكانت فترة ليست سهلة بالمرة، عملي في الدراما بدأ في فترة الكلية وكان الامر يتطلب التفرغ لفترات ليست قصيرة لتصوير المشاهد المطلوبة مني لكن كنت محرجا من هذا الامر لأن الاساتذة الذين اشرفوا على تدريسي يحملون تاريخا كبيرا يحتم علي احترامهم، ليس من السهل ان تتغيب عن حضور محاضرة فاضل خليل او سامي عبد الحميد او هيثم عبد الرزاق، عانيت كثيرا جراء هذا الامر، لكن بفضل الله جرى كل شيء على خير.    

س: وسط هذه الظروف هل كان للحب نصيب في حياتك؟  

ج: لم أكن افكر به، لكنه اخترقني من حيث لا احتسب، في احد الايام كان لدي عرض مسرحي وجاءت احدى الصديقات ومعها فتاة تحضر للمرة الاولى لفتت انتباهي بشكل كبير، توجهت بالسؤال عنها لصديقتها لكنها صدمتني عندما قالت بانها متزوجة!، لم اكن اتوقع اني سأغرم بها الى هذا الحد رغم اني علمت بانها متزوجة، استمريت بحبها في سري لسنوات طوال دون ان تعلم هي بذلك حتى جمعتني بها الصدفة ذات يوم في موقع الفيس بوك فتحركت المشاعر الراكدة، سألتها عن حياتها وحالها وابلغتني بخبر استشهاد زوجها!      

مع الراحل عبدالخالق المختار

س: كيف كان شعورك في تلك اللحظة؟  

ج: شعور متناقض، حزنت كثيرا على رحيل اب لابنتين، وفرحت لانها اصبحت متاحة لي وبامكاني طلبها للزواج.    

س: وماذا حصل بعدها؟  

ج: في عام ٢٠٠٩ تحديدا جمعتنا الصدفة، حاولت دخول حياتها بشتى الوسائل لكنها كانت ترفض، كانت تشعر بالاحباط والاسى لفقدان زوجها، عرضت عليها الوقوف الى جانبها كصديق لمساعدتها في محنتها، استمر تواصلنا لمدة عام وبعد الحاح متواصل “الله هداها واقتنعت“.    

س: كيف كانت الاجواء بعد الزواج خصوصا وان حبيبتك أم لابنتين؟  

ج: اجواء عظيمة جدا، اصبحت والدا للفتيات واليوم ينادوني “بابا” وهو ما يشعرن به تجاهي، وليس طلبا مني، بعدها رزقني الله مولودا اسميته “شهم” والعلاقة بينه وبين أختيه فوق الممتازة، واحمد الله كثيرا على نعمة هذه العائلة.    

س: من هو رفيقك طيلة هذه المسيرة؟  

ج: اقرب صديق لي بكل المراحل والمشاوير هو انيس العيساوي الشاعر والمعلم والحبيب والانسان المعطاء، هذا الانسان قاسمني ايامي المرة بكل تفاصيلها.    

س: حدثني عن مرحلة ما بعد النجومية؟  

ج: يمكنك القول انها المرحلة الوحيدة التي استطيع فيها شراء ما اريد دون حساب المتطلبات الاخرى، المرحلة الوحيدة في حياتي التي انتعشت فيها اقتصاديا نوعا ما.    

س: وماذا عن حب الناس؟  

ج: النعمة الاعظم في هذه المرحلة، اتلقى يوميا عشرات الرسائل المحزن منها والمفرح، هنا لابد ان اذكر الرسالة التي جعلتني ابكي كثيرا، وصلتني من احدى الاخوات العراقيات تقول “انا ام ليتيمين اعمل خبازة لاعانتهم اقدمت مؤخرا على شراء جهاز ايباد بالتقسيط كي يتابعوك لانك فرحتهم الوحيدة“، احيانا اتكاسل في العمل واتعمد قراءة هذه الرسالة كي استعيد نشاطي واشحذ هممي لتقديم عمل يفرح هؤلاء الايتام، وهناك رسالة وصلتني من فتاة تشكرني لاني كنت سببا لعلاج والدها من مرض الاكتئاب.      

س: هل هناك مواقف طريفة مرت بك مع المعجبين؟  

ج: من الغريب ان يمر يوم دون طرائف مع المعجبين، اذكر لك بعضها، في احد الايام جاءني شاب وطلب التصوير معي، فوافقت بكل بساطة وعندما انتهينا قال “كلكم هيج بس اثير على راسي“!، وذات مرة كنت قريبا من الاستوديو لغرض التصوير، فركن احد سواق التاكسي دون ان اطلبه وقال “استاذ اصعد اوصلك“ شكرته وقلت له اني قريب من الاستوديو، اصر على طلبه، وحينما اعتذرت مجددا قال “دصعد ابن الكلب“.  

س: يقال انك متطرف في التشجيع الكروي؟  

ج: (يجيب ضاحكا)، نعم متطرف في عشق نادي برشلونة، هذا النادي له تآثير كبير على حياتي، خصوصا على مستوى العمل حتى القريبن مني يعلمون ذلك، كلما كان مستوى المشهد الذي اقدمه جيدا يقولون السبب فوز برشلونة.

س: ختاما هل من كلمة للجمهور؟  

ج: شكرا على هذا الحوار الذي يحمل الكثير من الشجون وشكرا لـ”العالم الجديد” على هذه الاستضافة، وحبي وتقديري لكل جمهور برنامج “ولاية بطيخ” واعدهم نيابة عن فريقي بتقديم كل ما يسعدهم في قادم الايام.  

إقرأ أيضا