بالصور: مدّ العشوائيات وتجريف البساتين يجبر أهالي حي الشرطة بالزعفرانية على مغادرة منازلهم المجاورة لـ(سارة خاتون)

  يعلق أبو محمد (61 عاما) على جدار منزله الواقع بحي الشرطة في منطقة الزعفرانية…

 

يعلق أبو محمد (61 عاما) على جدار منزله الواقع بحي الشرطة في منطقة الزعفرانية جنوب شرقي العاصمة بغداد، لافتة بيضاء اللون كتب عليها بالخط الاسود (الدار للبيع)، وهي الطريقة المعتادة في بيع الدور بالعراق بعد عرضه لدى مكاتب بيع العقارات. الأمر يبدو طبيعيا للوهلة الاولى، لكن المثير للاستغراب هو مشاهدة عشرات اللافتات المعلقة فوق منازل حي الشرطة.

 

ويتبع الحي المذكور منطقة الزعفرانية القديمة التي نشأت نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكان أشبه بجزيرة سياحية، يقع قبالة نهر دجلة ومحاطا ببساتين النخيل والفواكه، وكان سكان الحي ينتمون الى مختلف الاطياف والمكونات من العرب والكرد والمسيحين والصائبة والبهائيين.

 

ويعلل أبو محمد في حديث لـ”العالم الجديد” تزايد رغبة سكن الحي ببيع منازلهم، بالقول إن “العيش في هذا الحي بات لا يطاق ابدا، لسوء الامن والخدمات وتفشي جريمة القتل والاختطاف وكثرة المطالبات والنزاعات العشائرية”.

 

وفيما تمنى بيع منزله بـ”أسرع وقت ممكن”، يبين أن “السعر الحقيقي لقيمة المنزل تبلغ 200 مليون دينار (نحو 160 ألف دولار)، لكني مستعد لبيعه بأقل من هذا السعر”.

 

 

وعن الأسباب الحقيقية وراء رغبة غالبية السكان بترك الحي، أفصح الرجل الستيني عن أن “السبب هو تمدد العشوائيات التي يقطنها اناس من خارج المنطقة، ما ساعد على طغيان المد العشائري والريفي، حيث ان جميع المشاكل التي تحصل في هذا الحي لا تحل الا بالمجالس العشائرية، واننا لم نعتد على مثل هذه الاساليب التي اصبحت تستغل بالباطل من قبل طامعين او متهورين، ما دفع كثيرا من السكان الى الرحيل لمناطق اخرى اكثر امنا”، موضحا أن “الامور تدهورت بشكل كبير بعد نيسان عام 2003 من جميع الجوانب حتى تحولت المدينة الى قرية يسودها العرف المتخلف المدعوم من قبل زعامات دينية وعشائرية”.

 

فيما يعزو ابو مريم (63 عاما) تردي الحياة المدنية في الحي المذكور الى “تجريف أحد البساتين المجاورة للحي بمنتصف التسعينيات، والتي تحولت فيما بعد الى ارض للسكن العشوائي وهي تعرف اليوم (بالشيشان) ويقطنها أناس جاؤوا من المحافظات الغربية والجنوبية، لازالت اطباعهم عشائرية ولا تتقبل المدنية، وأن هؤلاء بدؤوا بالزحف التدريجي نحو الحي ونقل الاطباع العشائرية اليه”.

 

ويشير الى أن “بعضا من افراد سكان الشيشان هم عتاكة (باعة المواد القديمة والعتيقة)، اوباعة قناني الغاز والنفط الابيض، وفيهم مزارعون، ويتصرفون بسلوكيات بدائية أثرت على طبيعة الحي وعموم مناطق الزعفرانية الهادئة والمسالمة جدا”.

 

ويشرح مظاهر التغير الاجتماعي بالقول إن “النساء كن يتجولن بحرية تامة دون ان يتعرضن للتحرش، الا أن هذه الظاهرة المخجلة بدأت بالتنامي، بعد نشوء منطقة الشيشان، لتشهد اليوم وضعا مؤسفا، فضلا عن تزايد حالات سرقة المنازل والسيارات”، مبينا “خصوصا وان الشرطة في زمن النظام السابق ألقت أكثر من مرة القبض على عصابات متخصصة بهذه الجريمة في هذه المنطقة الشاذة (الشيشان)”.

 

احدى مخازن الباعة المتجولين في عراء محيط الحي (العالم الجديد)
احدى مخازن الباعة المتجولين في عراء محيط الحي (العالم الجديد)

 

في هذه الاثناء، يتحدث ماجد الابن الاصغر لابو مريم (22 عاما)، بالقول ان “الحي يشهد حالات خطف مستمرة لاطفال ونساء من قبل عصابات يسكنون بالمنازل العشوائية في جوار معمل الغاز المتاخم لحي الشرطة”، الا أن الأب رفض أن يكمل ابنه الحديث، وطلب منا ان ننهي الحوار.

 

ويقع حي الشرطة من الجانب الغربي لمدينة الزعفرانية التي تعد من أكبر مدن العاصمة بغداد من حيث المساحة والسكان ويقدر عدد سكانها بحوالي 650 الف نسمة بحسب احصائية العام 2010 وتقع جنوب شرقي بغداد في نقطة التقاء نهري دجلة وديالى.

 

وتعتبر المدخل الجنوبي الرئيسي لمدينة بغداد حيث تقع على الطريق الرئيسي الذي يربط بغداد بمحافظات الجنوب. كما ان الزعفرانية من مناطق بغداد التي تقطنها أطياف مختلفة من الشعب العراقي وتشتهر ببساتينها الجميلة وتحاذيها من الجنوب منطقة الدورة على الضفة الغربية من نهر دجلة ويحدها من الشمال الشرقي معسكر الرشيد الذي كان يطلق عليه سابقا اسم معسكر هنيدي في زمن الاحتلال البريطاني، ولا زالت هناك مقبرة للجنود البريطانيين عند المدخل الشمالي للزعفرانية.

 

ذهبت الى معمل الغاز الذي يقع بين حي الشرطة وحي سعدية نهاية الزعفرانية، لمعرفة دقة ما قاله الشاب العشريني، فشاهدت قرب المعمل بيوتا عشوائية تقابلها ساحات لمكب (العتيق والسكراب)، وحقولا للخيل والابقار والجاموس والمواشي، كما رأيت معامل متخصصة بصناعة الطابوق والشبابيك الحديدية، ومحال لغسل وتبديل دهن السيارات. في هذه الاثناء، رأينا نقطة تفتيش للشرطة الاتحادية مكونة من شرطيين جالسين داخل سيارة عسكرية من نوع همر إطاراتها الامامية عاطلة.

 

احدى العشوائيات الطينية التي حلت محل البساتين الغناء (العالم الجديد)
احدى العشوائيات الطينية التي حلت محل البساتين الغناء (العالم الجديد)

 

وأثناء تجوالنا قرب البيوت العشوائية، التقيت أم رقية (45 عاما) لتخبرني، أن “هذا المكان العشوائي كان قبل دخول الامريكان بستانا جميلا جدا، وقد تم تجريفه من قبل جماعات عشائرية لها ارتباط بتيارات إسلامية نافذة بالزعفرانية”.

 

وتشير الى أن “هذا المكان لا تتمتع بأية خدمات، بل هي غير صالحة للسكن، وذلك لكثرة الحشرات والحيوانات الغريبة فيه”، مبينة ان “الكثير من الاطفال اصيبوا بأمراض توفوا على اثرها نتيجة هذه الحشرات”.

 

ولم تجبنا على استفسار حول ما إذا كانت هناك عصابات أم لا في هذا الحي، لكنها قالت إن “البعض من سكان هذه البيوت غير معروفين، وليسوا من سكان الزعفرانية أصلا”.

 

ويعود تاريخ نشوء هذا البستان المجرف الى العهد العثماني حسبما روى لنا الحاج أبو علي من أهالي حي المعلمين وسط الزعفرانية، قائلا إن “هذه البساتين موجودة في العهد العثماني، حينما كانت الزعفرانية غير سكنية، وكانت عبارة عن اراضٍ زراعية وغابات طبيعية”.

 

ويلفت في حديثه لـ”العالم الجديد” الى ان “البستان كان في العهد البريطاني مملوكا لرجل يدعى “أبو سارة” وهو أحد أغنياء بغداد، وكان يسكن في ذلك الحين بقصر في كمب سارة هي إحدى مناطق بغداد في جهة الرصافة تقع قربها مناطق حي الغدير وبغداد الجديدة تشتهر المنطقة بكنائسها العديدة والاسم مسمى نسبة على بنته (سارة خاتون)”.

 

حين تتحول الواحات الخضراء الى مكبات وبؤر للأوحال الضارة (العالم الجديد)

 

إقرأ أيضا