مسلحون وعشائر ضد الجيش من اجل الاستحواذ على ليل لبنان .. والأهالي : مجرّد مناوشات!

لا حرب أهليّة في لبنان. لا يمكن لأحد النقاش في هذه النقطة. هي مجرّد مناوشات. قد تنتهي في لحظتها، وقد تستمرّ أسابيعاً. حتى الآن، كثيرون يقنعون أنفسهم أن الحالة لن تخرج من هذه الدائرة. محصّلة هذه البلاد بضع جثث، مشاغبة، تسقط كلّ كدسة من الأشهر. 

يوم الأحد الماضي، فُتحت جبهة صيدا. في لحظة انفصلت البلاد عن بعضها. تمركز سكّان النبطية وجوارها في أماكنهم. لا امكانيّة لعبورهم إلى بيروت إلاّ من صيدا. اذاً التزم الجميع بيوتهم. أصلاً، كان الجميع على استعداد لوفود هكذا أخبار. البلاد ليست على ما يرام. وفي الأشهر الماضية، انهالت التوقعات على أيّام الآحاد. 

هذه المرّة جاء كلّ شيء على عكس المتوقّع. جاء مباغتاً. لم يكن تحت الرصد، أيّة أحداث صيداويّة في هذا اليوم، فالشيخ أحمد الأسير كان قد أعلن الاثنين الماضي موعداً لتحرّكه. اذاً قرّر كثيرون استهلاك يوم العطلة كاملاً في قراهم الجنوبية. الشيخ المشاغب، لن يهدّد طريق الجنوب. هدوءٌ فاذاً.

 في موقف النبطية المخصّص لنقل الركّاب من وإلى بيروت، حركة هادئة. اعتاد سائقو الفانات على سماع سؤال دائم \”طريق صيدا كيف\”. أمّا الجواب فواحد \”ولا يهمّك طلاع\”.

عند الثانية ظهراً، انطلق أحد الباصات بركّابه الأربعة عشر إلى بيروت. لا شيء جديد. في المقعد الأمامي، قرب السائق، أحاديث كثيرة. تبدأ من زحمة السير والسياسة وصولاً إلى \”فجور بنات هذه الأّيّام\”.

 الراديو يُكرّر سلسلة لا متناهية من \”اللطميات\” المحفوظة عن ظهر قلب. في المقاعد الخلفيّة يتنوّع حال الركّاب. رجل يغفو على كتف امرأة إلى جانبه، فتاة تزدحم الرسائل في هاتفها فتنكبّ عليها طول الطريق. في المقعد الأخير، ثلاثة شباب سوريون منشغلون في نقاش مطوّل حول اختيار مكان أفضل لسكنهم. 

قبل دخول صيدا، يقوم السائق بانحرافةٌ مفاجئة. لا أحد يكترث. كلٌّ يستمرّ في وضعيته. 

يبدأ السائق بترداد سلسلة عبارات متتالية غير مفهومة. وحدها كلمة الأسير كانت واضحة. يختفي صوت \”اللطميات\”، في ايحاء بأنّ السائق يرغب بالتركيز في طريقه التي يسلك. إلى جانبه يجلس شاب ببدلة عسكريّة. يطلب من السائق الهدوء وأن يرسم طريقه بدقّة. تبدأ اتصالات الشاب العسكريّ. كلمة \”ايه سيدنا، ايه سيدنا\”، لفتت سمع الركاب. ثم عاد الراديو ليحتلّ المشهد عبر موجز اخباريّ.

سادت حالةٌ من الصمت. أخبرت المذيعة بأنّ اشتباكاً بين الجيش وأنصار الشيخ أحمد الأسير قد وقع منذ دقائق ومستمرّ إلى الآن. تفاصيل قليلة وتنتقل إلى خبر آخر، واعدةً المستمعين بابلاغهم بكلّ جديد. يعود الصمت إلى الواجهة. لا راديو ولا ركّاب ينطقون. الطريق البحريّة كانت الملاذ. حركة الناس المتجوّلة على الكورنيش البحريّ، كانت قد بدأت بالتراجع. 

دقائق وانطلقت أصوات الهواتف. الشاب العشرينيّ استدرك الموقف. أسرّ لوالدته أنه قطع صيدا وبات في منطقة آمنة. كذب لكنه ارتاح من سلسلة اتصالات. الفتاة الجالسة أمامه، لم يمرّ الموقف سهلاً معها. أخبرت والدتها أنها خائفة، على الرغم ألاّ صوت رصاص. واكبتها الوالدة على الهاتف، حتّى خرجت من دائرة الخطر. 

انتهى كلّ شيء. خرج الباص من صيدا. تمتم قليلاً السائق، قبل أن يعود إلى تشغيل كاسيت \”اللطميات\”. 

تمكن هؤلاء الركّاب من العبور نحو بيروت. آخرون بقوا عالقين. اشتدّت الاشتباكات في صيدا. تساقط القتلى من كل مكان. في نفس الليلة تبيّن أن الأمر لن ينته هنا. يوجد قرارٌ رسميّ بالاستمرار في المعركة. استنفرت بيروت بطرقاتها وكذلك طرابلس. هاج المسلحون. كلٌّ وضع يداً على سلاحه وأخرى على دولابه. تهدّدت الطرقات بالقطع. لذا فرغت الأخيرة من المارة والسيارات.

جولة، في تلك الليلة، في شوارع بيروت توحي بأنّ جنّاً ابتلع السكان. فعليّاً هي التحذيرات المرافقة لأي خلل أمني. ذاتها تخرج من جديد. 

ليلاً، تصدّر الساحة خبرٌ جديد. اشتباكات في \”حي الليلكي\” في الضاحية الجنوبية لبيروت. بعد التدقيق، تبيّن أن المسألة عشائرية. عائلتا زعيتر وحجولا \”تتناغشان\” بالقذائف الصاروخية. حيّ سكاني مكتظ خرجت منه كميّات من الرصاص مخيفة. مع تقدّم الوقت احتدمت المعركة. صوت القذائف أجمل ليلاً و\”الصوت بيودّي\”. استمرّت المعركة لأكثر من يومين. لم تخرج رواية موحّدة إلى الاعلام. فجأة هدأ صوت النار من حي الليلكي، وعاد أهالي العشيرتان للسكن جنباً إلى جانب. ركنوا أسلحتهم وعادوا لأعمالهم اليومية. 

في صيدا أنهى الجيش، كما يُقال، حالة الأسير. وعادت الحياة إلى طبيعتها. 

تلوك العالم القضية. مات عناصر الجيش ومعهم أنصار الأسير. عادت الناس إلى بيروت لتستكمل حياتها. معركة العشائر لم يعرف، وليس متوقّعاً أن يعرف، أحد تفاصيلها الحقيقية. معركة الأسير تكثر الخيوط من حولها. لا حقيقة موحّدة متداولة. وحده الشيخ أحمد الأسير لم يمت. يجلس في مكان ما، يتفرّج على تداول قصص كثيرة. وحده يعرف ما جرى. خرج من المشهد ليتفرّج، عن بُعد. هنيئاً له.

لا حرب أهلية في لبنان. هي مناوشات بسيطة. 

إقرأ أيضا