
ثورة مصر، الاخوان.. وطموحات العسكر
بعد ما حصل من زلزال سياسي في ساحات مصر العامة اثبت الشعب المصري انه يجيد صناعة الثورة واسقاط الدكتاتوريات، لكنه لا يجيد اختيار البديل الناجح حتى الان، الشعب المصري وجماهيره الثورية تخرج الى الشارع بثوب مدني، ولكنها عادة ما تلجأ الى احدى السلطتين العسكرية او الدينية من اجل الاحتماء بها من بطش الخصوم.
لقد لجأ المصريون الى الجيش ودعوا لتدخله في ثورة 24 كانون الثاني عام 2011، ولكن الجيش وهو السلطة العسكرية التي ترعرع فيها معظم الرؤساء المصريين بما في ذلك مبارك، هذه السلطة حمت المتظاهرين من بطش مبارك في الايام الاخيرة على الاقل، لكنها في نفس الوقت حمت جزءا كبيرا من رجالات السلطة القديمة وانحازت لنفسها على حساب الجماهير حينما كانت تحكم في الفترة الانتقالية حتى نزلت الجماهير الى الشارع تهتف \"يسقط .. يسقط حكم العسكر\".
العسكر ماطل ويماطل في منح الصلاحيات للسلطات المدنية، وحافظ على معظم الهيكل التنظيمي لنظام مبارك، ثم رعى احكاما قضائية انحازت كثيرا لمبارك والعادلي ومساعديه، كذلك بادرت السلطة العسكرية الى حل البرلمان \"مجلس الشعب المصري\" ومصادرة صلاحياته، ومارست ماهو اكثر من ذلك، قبل ان يصل الاخوان الى السلطة ويصدروا سلسلة من القرارات، تصوروا انهم من خلالها قلّموا اظافر العكسر الطويلة جدا في مصر، لكن الاحداث الاخيرة تثبت ان الاخوان المسلمين لم يقرؤوا الواقع جيدا، اذ انهم تفاجؤوا بردة فعل المؤسسة العسكرية، حينما حانت اللحظة المناسبة وبغطاء جماهيري قام العسكر بتنحية الرئيس مرسي. الاخوان حاولوا عبثا عزل العسكر والحرس القديم فوجدوا انفسهم معزولين!!.
وبغض النظر عن الموقف من سياسة الاخوان المسلمين البائسة في مصر وخارجها، لكن التوصيف الادق لما حصل في مصر هو \"نصف انقلاب عسكري\" حيث ان العسكر وان اعلن خارطة طريق ذات طابع مدني، وأوكل الامور الى المحكمة الدستورية الى اشعار اخر، لكن المشكلة ان الية التدخل بحد ذاتها كانت الية انقلابية حيث عزل الرئيس بالقوة، واستصدرت احكام قضائية لمطاردة الاخوان ورموزهم. مضافا لجميع ما تقدم فإن العسكر ليسوا مؤسسة خيرية ولهم طموح ونفوذ وهم ذراع تتسلق من خلاله البلدان الداعمة للجيش المصري.
وبالمجمل العام، فإن الاستقرار السياسي والأمني لمصر يخضع لتداعيات الاحداث وردود الافعال من قبل اصحاب القرار والمؤيدين لماحصل وليس فقط متوقف على ردة فعل المتطرفين، اما بالنسبة لسيناريو الجزائر فانه ليس مستبعد تماما، لكنه ربما يتكرر بنسخة معدلة بعض الشيء، فالاخوان المسلمون أكثر حنكة من النسخة الجزائرية، لكنهم ايضا ليسوا ملائكة وربما تبدو منهم ردود افعال دموية عنيفة انتقاما لما حصل، والمواجهات الاخيرة مع قوى الأمن ومع جمهور \"تمرد\" تتأتّى في هذا السياق.
عوّدتنا الاحداث السابقة في مصر، وفي غيرها من البلدان العربية انه بعد مرحلة الفوضى التي ربما تكون خلاقة وقد لا تكون كذلك تأتي بشائر الحلول الوسطى ويقتنع الجميع انّ كل بعض منهم بامس الحاجة الى البعض الآخر. هذه النتجية لا تتأتّى عادة في مجتمعاتنا، إلا بعد خراب البصرة. لذلك لايتفاجأ احد بما حصل او سوف يحصل في مصر او في ايّ دولة اخرى تتذوّق للتوّ طعم الحرية، فذلك جزء من اللعبة الديمقراطية في بلدان العالم الثالث وليس ثمة باب للاستثناءات في هذا المجال، وقد يكون الرهان في هذه الحالة هو فقط تقليل حجم الخسائر والخروج مبكرا من مرحلة التيه الاجباري، هذه قواعد اللعبة الديمقراطية في الشرق الاوسط بعد ارث طويل من المشكلات القديمة الجديدة زادها بلّة ما أحدثته الدكتاتوريات من سوء وخطايا.. لذلك فلا ينصدمنّ احد بذلك .