
فرح عراقي بطعم الغبطة
قبل أن يكرّ الاسبوع، أسقط 22 مليون مصري رئيس الأخوان المسلمين محمد مرسي. المشككون يقولون إن مرسي منتخب واسقاطه إنتهاك للشرعية، وكل الموضوع عبارة عن إنقلاب عسكري. وكثير من العراقيين يتساءلون، هل يصلنا هذا المد، ومتى؟.
لن أتكلم نيابة عن أبناء النيل، فهم أعرف بالإجابات من أي متفرج على المشهد وبضمنهم المتكلم، لكني أغبطهم على كل هذا العزم، أغبطهم لأن نخبهم المثقفة مع الناس ومنهم. أغبطهم لأن أحمد فؤاد النجم شاعر الشعب الذي أمضى نصف عمره في السجون، قضى الإسبوع الأخير بخيمة في ميدان التحرير وعمره فاق الثمانين.
أغبطهم لأن نوال السعداوي وهي في ثمانياتها أيضا ما تزال تدفع بالنساء الى ميادين العقل وتقول لهم إكسروا قيود الإسلاميين! ولم تخف من سكاكين وتفجيرات وقنابل السلفيين التي نالت آلاف من عاشقات الحرية، ولم تكن الزميلة مي شدياق في ال بي سي بلبنان آخرهن.
أغبط أبناء أرض الكنانة لأن يوسف زيدان الكاتب العظيم وصديق الحرية ومدير مكتبة الإسكندرية للمخطوطات مازال على شاطئ الاسكندرية مذ بدأت الثورة وهو مع كل التفاصيل أولا بأول.
نخبنا ونخبهم
ولمن يقولون إن الشعب العراقي متخلف ونائم وراض بحاله، نقول: المصريون ليسوا خيرا من أهل العراق، لكن الخلل في النخب.
نخب مصر قادت ثورة التغيير في شباط 2011، وأسقطت مرسي، وجاء الإسلام السياسي -فهو البديل الجاهز بعد سنوات القمع المتطاولة، وعنده قاعدة الجهل، وعنده التنظيم السري، وعنده نظرية القرآن التي لا تحتاج الى تنظير ولا يجرؤ أحد أن يناقش جدواها والا أتهم بالكفر، ومعه جيش من رجال الدين عبر العالم، ومليارات الدولارات من أموال الزكاة والنفط والخمس والصدقات والتبرعات- ولا أدري لماذا يتبرع الأغنياء للأحزاب الاسلامية ولا يتبرعون الى الشعوب التي تثور وتبحث عن معين!.
ولم ترضخ النخب المصرية للإسلام السياسي، فقادت الشعب ليصحح قراراته، إنها النخب في البداية والنخب في النهاية والشعب تقوده النخب.
أما نخب العراق فنوعان: راضية بالوضع مقيمة في داخل العراق ومتكيفة مع أوضاعه المستحيلة وتريد أن تعيش أبدا في ظل الحائط، وتتقي شر أي تغيير غير مضمون في ظل الإستقطاب الطائفي القبيح الآخذ بعناق المنطقة بمباركة إخوان العدالة والتنمية في تركيا والجمهورية الإسلامية في إيران.
ونخبة مقيمة في الخارج متنعمة بالحرية والبني التحتية العملاقة ومستويات الدخل المرتفعة والأمان والاطمئنان الذي تنامي في دول النصارى، وهي تتبنى مواقف اليسار التحريضية النخبوية المبنية على أوهام الماركسية المنهارة والمعزولة تماما عن هم الشعب، أو تتبنى مواقف البعث القومي محاولة أن تبعث الروح في المشروع القومي الذي تآكل بالمبرد الإسلامي الذي يحك الشرق الأوسط فيحيله الى ركام سني أو شيعي مقتتل متخاصم متعاد، أو هي تتبني مواقف داعمة للمشروع السياسي القائم في بلدانها وتدافع عنه باعتبارها الواجهة الخارجية التي يمكن أن تصنع بنية الدبلوماسية وسط عجز الدبلوماسية العربية الملفت للنظر منذ 10 أعوام.
كثيرون يرون أنّ كل ما يجري في المنطقة هو قطع الدومينو التي تتساقط بعد الزلزال الذي أصاب العراق عام 2003 فهدم كل ما عاشه العرب من وهم روّجت له مشاريع السياسة. واذا اتفقنا مع هذا الرأي، فسنرى أنّ ما يجري في العراق هو المصير الذي ينتظر كل دول المنطقة بعد 10 أعوام ( نظرا لبطء مجرى الزمن في هذا الجزء من العالم). واذا تذكرنا مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحدثت عنه إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عام 2003 فسنصل الى أن الخرائط تتغير شاء الحكام أم أبوا ، وشاءت النخب أم أبت، وشاء المثقفون أم أبوا، الخرائط تتغير لأن الشعوب لم تعد تطيق خرائط مطلع القرن العشرين، ونحن في أوج عصر العولمة، لذا أغبط المصريين وأفرح للعراقيين لأن الشرق الأوسط يتغير الى شيء آخر لم يتضح بعد.