الأطرقجي يعلن برنامجه لانقاذ الموصل

أطلق المعماري والسياسي المخضرم الدكتور لقمان الاطرقجي برنامجه لانقاذ محافظة نينوى استعدادا لترشحه الى منصب المحافظ، وقد نشر بيانا يتضمن برنامجا متكاملا لادارة المحافظة المنكوبة، وهذا نصه:

بسم الله الرحمن الرحيم

وبه نستعين

أخوتي يا أهل الموصل الكرام..

نحن أهالي الموصل الذين نكن لها كل شغف ونتطلع لخيرها منذ أن تغربنا وطلبنا العلم وتدربنا من أجل يوم موعود سنعود به إلى مدينتنا لنساهم في وضع لبنة بناء ضمن بنائها الدهري وتأريخها الزاهر ومحل فخر ثقافتنا العراقية والعربية والإسلامية . سوف لم ولن أدخر اي جهد في أن أكون خادم صغير لمدينتي وأهلها بما أوتيت من خبرة وعلاقات تدور حول العالم وتجس مكامن حساسة للإستثمار والتطوير. حيث اقدم لجنابكم برنامجي الإنقاذي والإنمائي ثم التطوري والمستقبلي لأنعاش الحياة في الموصل الجريحة ، والذي يحتاج من العراقيين المخلصين لترابهم أن يساهموا بكل خبراتهم فيه، ويقدموا ما يكتب لهم التأريخ بعز وإفتخار.

نتمنى من السلطة المركزية أن تأخذ بنظر الإعتبار الخسائر التي منيت بها المحافظة التي لم يكن لها فيها ناقة ولا جمل وتعرضت لهجمة بدائية استغلت بعض الشخوص ونفذت إلى رؤوس بعض النفوس الواهنة، وماجرى لها لم يحدث منذ قرون حينما أمست ساحة للوغى بين سلطة مركزية تمر بمخاض تاسيس عراق جديد ومتخبطة بكثير من المسارات، وعصابات مارقة أحتلتها من خلال المؤامرة الخارجية والداخلية.التي يمكن أن يعبرها برنامجنا بل ويلغيها ، من خلال أحداث حالة نشطة من تنمية بشريه حقيقية وعادلة وتعود بالنفع للأجيال الراهنة والصاعدة .

الموصل تعاني من وضع خاص تداعى إلى تقويض الحياة فيها وخلق شرخ إجتماعي لايرتق إلا من خلال برنامج تنموي كبير ومتسارع يحفز الناس على لعق جروحهم ونسيان كوارث ما مضى والشروع بعمل دؤوب للإرتقاء بحياتهم ، من أجل غايات جعل مدينتهم ومحافظتهم الأكثر تنمية وتطور بعد معاناة وتدهور.لذا فالتركيز يبدأ بإصلاح الحياة الإجتماعية والنفسية والأخلاقية، أي العناية بالإنسان قبل إرساء البنيان.

ورغم الأهداف المتوازية للتنمية ، لايمكننا إغفال أن للموصل ثراء ذاتي يتمثل بالنفط والغاز الوفير وترسبات الكبريت الهائلة وكثير من المعادن والثروة المائية التي ستلعب دور مهم في مستقبل العراق الإقتصادي. لذا سوف يؤخد بالحسبان برنامج مسطر بعناية لتطوير حقول النفط وتطوير منتجها وفتح أسواق لها وإنشاء صناعات نفطية مساندة، وكذلك إيجاد اسواق للمعادن الأخرى وتنظيم عملية الإنتاج والنقل والتخزين والتصدير والتوزيع والإستهلاك وتدوير التصنيع. وهذا بحد ذاته مشروع مدر بالنماء للموصل ومحيطها.

الموصليون الكرام بطبيعتهم صارمون وجديون وعمليون، ومحبون لمناطقهم ومنتمون ثقافيا ، وتشكل النخب الدارسة والمثقفة والواعية نسبة يعتد بها ويعتمد عليها، وهذا يجعل من عملية التنمية أمر يحتاج إلى دعمين، دعم حكومي وميسور، وإسثمار أجنبي مفتوح، من خلال الإقتداء بنماذج سابقة كتب لك النجاح كما ستغافوره ودبي والخليج عموما ، رغم توق الكثير من المدن أن تلعب نفس الدور، لكن للموصل حظوظ أكبر بسبب موقعها الوسطي بين بغداد والعراق الجنوبي، وتركيا وإيران وسوريا، وكونها سليلة خط الحرير التأريخي بين تبريز وأصفهان إلى الشرق وحلب والأسكندرونه إلى الغرب. ويمكن أن يتشكل إحياء هذا المحور الإقتصادي وتطويره من خلال فتح طرق سريعه عابرة للحدود ، إلى الجهات الثلاث أي الشمال والشرق والغرب من أجل تسهيل التواصل بين إيران وسوريا والبحر المتوسط  وبين تركيا والعراق ثم مع الخليج.

ومن المعلوم أن خطوط الملاحة الجوية القديمة  الرابطة بين لندن والهند واصبحت تباعا بين أوربا وآسيا تمر فوق أجواء الموصل تحديدا من جهته الشرقيه، ولابد من إحياء تلك الميزة من خلال التعاقد من شركات النقل الجوي بأن تمر من فوق العراق بدلا من أطراف غرب إيران بعد أن أهملت الدولة العراقية الأمر، ولم يفرضوا إلا 350 دولار يستحصلها تجار أكراد ضمن صفقات ملتوية من أربيل ، بينما إيران تفرض 1000 دولار على الطائرات المارة بأجوائها وهي حوالي 700-800 خط يوميا،أي مورد يومي بحوالي ثلاثة أرباع المليون دولار،  بالرغم من أن المرور فوق إيران يعد أبعد مسافة  ولاسيما بين الخليج وأوربا والهند وباكستان. كل ذلك وغيره يجعلنا أمام واقع إستثماري مدر من خلال إنشاء مطار دولي كبير ربما الأكبر في العراق ،يقع شمال المدينة أو غربها ليخدم السفر حتى من تركيا وسوريا التي تفتقد جهاتها المتاخمة لمطار دولي.

 ويمكن أن يكون المطار تجاري كذلك أي تلحق على تخومه منطقة حرة واسعة (مثل جبل علي في الإمارات) تفرغ بها الحاويات التركية والسورية والإيرانية والروسية، وهي تفوق عما  تفعله دبي بالترويج للبضاعة الصينية ، من خلال مركز تسوق كبير، يمكن أن يكون لتركيا من خلال إستثمار وعرض البضائع التركية التي تعاني من كثرة الإنتاج وشحة الاسواق، بل الكساد في أكثر الأحيان، بعد أن تحاشت أوربا التعامل معها، وهي سلعة أحسن نوعا من الصينية، ويمكن أن تكون الموصل بؤرة لتمريرها لأسواق أخرى، اي إستثمار التجارة الوسطية بأجلى صورها في الموصل.

ولايمكن الحديث عن الموصل دون التطرق إلى واقعها السياحي، وربما تكون كل أنواع السياحات متوفرة في كنفها كالسياحة المناخية كونها (أم الربيعين) وأجوائها معتدلة مقارنة بالوسط والجنوب العراقي أو اقل برودة من جنوب تركيا والأناظول أو جبال شمال شرق العراق.. فيمكن إرساء بنى تحتيه للسياحة المناخية في مواقع تمتاز بلطف الجو والمناظر الطبيعية على البحيرات ونهر دجلة أو الجبال المتاخمة والغابات. ولايمكن إغفال السياحة الثقافية، فالموصل تضم أكبر كم ونوع من أثار الآشوريين، حتى  أنها كانت باكورة البحث عن الآثار في العراق منذ قدوم أميل بوتا القنصل الفرنسي عام 1840 حتى اليوم، وتضم أوابد وعمائر وكنوز آثارية لاتجدها في العالم. لذا يمكن أن ينظم هذا النشاط من خلال بناء سلسلة فنادق على تخوم المواقع الأثرية وتحفز سفرات جماعية لأصحاب الإهتمام من كل العال،وسلسة متاحف بالإختصاصات الآثارية والثقافية وحتى الدينية. ولايفوتنا بهذا السياق تشجيع السياحة الدينية ، كون الموصل تحوي على كنوز من الأضرحة والمساجد والديار (جمع دير) والكنائس والمعابد، أكثر من اي مكان في العراق والمنطقه، ويكفي أن نحلل ماجرى من جرم على مسجد النبي يونس لنعرف الدوافع وراء هذا التدمير المتعمد، الذي كشف عن مجمع قصور آشوريه لاتقدر بثمن تقبع تحت التل اليونسي. وثمة مزارات مسيحية ويزيدية وشبكية، هي الأكثر أهمية في العالم، وثمة ثقافة كردية (كرمانجيه) جاذبه، يمكن أن تشجيع الزيارات لها والإقامة على تخومها من خلال تنظيم بنى تحتية للسكن والإستجمام والعبادة والإطلاع وممارسة الطقوس الروحية.

لابد من الإلتفات لأصلاح الدمار الذي حصل على البنى التربوية والتعليمية في الموصل، وهذا يحتاج إلى إعادة دراسة الواقع التربوي والتعليمي وربطه بالإنتاج المحلي والإقليمي، لذا لابد من تأهيل مدارس مهنية وجامعات متخصصة في داخل وأطراف مدينة الموصل.و سوف يستوعب >لك المشروع الكثير من الأيدي العاملة التدريسية والتدريبيه والتأهيلية والخدمية، يمكن أن يشكل رافد للتنمية البشرية.

كانت الموصل ومكثت وستبقى سلة غذاء المنطقة المحيطة بها ، ولايمكن أن ينسى العراقيون في تأريخهم البطيخ (الرقي) الموصلي الذي كان يغطي حتى حاجة البصرة بنوعيته الإستثنائية.ولايمكن أن ننسى أن القمح الذي كان يصدره العراق كان جله من زراعة (الديم) الذي أعتمد الأمطار في السهول التي تحيط بالموصل ومنه سهل نينوى العامر بالمنتج الزراعي أو سهل ربيعه. وحري الإشارة إلى أن المساحات القاحلة التي تحيط بالموصل اليوم كانت حتى أزمنة قريبه مغطاة بالغابات المثمرة أو الخشبيه، لذا لابد من خطة تشجير واسعة لأعادتها وغستثمارها بعدة منتجات صناعية وحتى بيئية وزراعية.لذا يمكن أن توظف سياحة الصيد والقنص التي تستهوي أعداد كبيرة من الناس ولاسيما في الخليج.

كل هذا الواقع الإقتصادي النشط ، سوف يحتاج إلى بنى مصرفية نشطة وحديثه وتتعامل بأعلى مستويات الكفاءة والتواصل مع العالم، لذا ثمة حاجة قصوى لتطوير الواقع المصرفي ، وإنشاء سلسلة مصارف وتحفيز استعمال التقنيات الحديثة والإنفتاح على ماوصلت إليه مستجدات تقانتها، وهذا المضمار سوف يحرك الإقتصاد بقدر ما يحرك التنمية البشرية ويزيد فرص الشغل ويلغي طبقة كبيرة من العاطلين المؤهلين اليوم.

المركز الحضري لمدينة الموصل..

تعاني الموصل من الكثير من النواقص المتعلقة بالنى التحتية والفوقية بعد أن تعرضت للإهمال والتدمير الممنهج، ناهيك عن أن المركز التأريخي للمدينة والذي يعود إلى أكثر من  1000 عام يحتاج إلى عملية ترميم منهجي يعتمد اساليب حديثة وفعالة وكفوءة في إعادة الاثر والإحياء وإعادة التوظيف إلى أحسن مماكان عليه قبل الدمار، من أجل منظور إدخال مركز المدينة التأريخي إلى قائمة منظمة اليونسكو بأغراض الترويج لها وما يسبغه هذا التتويج من إظهار أهمية المدينة بالنسبة للتراث العراقي والعربي والإسلامي والعالمي. لذا فثمة مشروع للترميم سوف يلازم عملية إعادة الإعمار يتضمن دراسة المدينة من كل جوانبها وإعادة تأهيلها، من ضمن خطة تتضمن مشاركة المختصين وتأسيس مدرسة للترميم المعماري الذي يمكن ان تكون بادرة ورائدة في توسيع نطاقها في العراق كله الذي تحتاج مراكزة التأريخية إلى مرممين مختصين.

ونظرا للخراب المؤلم الذي يلم بالمدينة وأحياءها الجديدة ، فإن ثمة خطة نحملها على عاتقنا ونحن أهل إختصاص وباع بهذا المضمار ، بأن نؤسس لمدينة جديدة تقع على تخوم المدينة الراهنة، على أن يكون نهر دجلة ساقيا ومتاخما لها كما هي سجية الموصل وكي تكون ضمن ثابت إجتماعي ونفسي وثقافي يجعلها مرغوبة ومستقطبه للسكن، ويمكنها أن تضم الإدارات الحكومية  والجامعات من جهة، والمساكن ومناطق الترفيه والتنمية الثقافية والبشرية من جانب آخر. وحسبنا أن تخطيط حضري بخطة من النوع التوفيقي الشريطي (Linear &accidental) يمكن أن يكون الانسب مع موائمة ما وصلت إليه علوم التخطيط الحضري.

وحسبنا أن المخطط يحوي نطاقا واسعا أخضر على شاطئ النهر، يضم شوارع ومواقف سيارات ومطاعم ومقاصف ونوادي بكل الإختصاصات ومعالم ترفيهية وترويحية مختارة بعناية وبحس جمالي وواعي، يكسب المدينة خاصية وسمعة سياحية. ثم يليها نطاق سكني متكون من مجموعة من الابراج السكنية (10-15 طابق)، تضم شقق سكنية بمستوى واحد أو مستويين (دوبلكس) أو ثلاث مستويات (تريبلكس) مع إطلالة عامة على النهر والنطاق الأخضر المشجر المحيط، ثم يلي ذلك نطاق النقل والخدمات والمشاغل الخدية، ثم يليها نطاق المساكن الخاصة (منظومة الفيلات) التي تخطط بحيث تتماشى مع الطبيعة الثقافية والنفسية للأهل الموصل على أن يحسن بها الجانب الجمالي والتواصلي ويهيئ للتجمعات والألفة والأنسنة. مع تخصيص مساحات كافية لإرساء بنى خدمية مثل المدارس والمستوصفات والمشافي ومراكز العجزة والأيتام والبيوت الثقافية والمساجد والكنائس والمعابد.. ويلي ذلك نطاق أخضر غابي يفصله عن حركة النقل السريعة والشوارع العابرة للمدينة ، ثم تلي بعدها منطقة صناعية تخطط بما يناسب الآفاق الصناعية المرسومة بعناية لنشاط المدينة والمنطقة المستقبلي.ويلي ذلك شريط غابي حامي يمنع التصحر والرياح الترابية الرملية الهابة من جهة الغرب على المدينة وتخومها.

وهذا المشروع (الحاضر/ مستقبلي) يمكن أن ترسم له خطط نبيهة للتطور القادم، لمراحل قريبة ومتوسطة وبعيدة، اي بحدود 150-200 عام قادمة. ولدينا فكرة قديمة متجددة ناقشناها مع أخوة مختصين يمكن أن تكون مشروع مستقبلي يستغل توصيل منخفضات مائية رسمتها طبيعة غرب العراق البكر، بما يجعل الموصل على المدى المتوسط والبعيد ميناء نهري تصله السفن من البصرة والخليج، حيث تفتح قناة مائية توصل بين بحيرة سد الموصل شمال المدينة ، ليربط ببحيرة الثرثار الواسعة والمهملة منذ إنشائها ، والتي يمكن أن تشكل ظهير لأمتصاص الزيادة السكانية المستقبلية لكل شمال ووسط العراق ، ناهيك عن الإستثمار السياحي الحالي وعلى المدى القريب. ثم يمتد هذا الخط النهري ويعبر الفرات إلى بحيرة الحبانية في الأنبار، ثم الرزازة في كربلاء ، ثم بحر النجف في النجف ثم بحيرة ساوه في السماوه، ثم ينحرف ليصل حتى خور الزبير الطبيعي ليربط النهر الصناعي الذي سيكون ثالث أنهار العراق الرابط مع البصرة والخليج. وهذا بحد ذاته مشروع إستثماري كبير سيعود بالنفع على العراق بمجمله من خلال إمتصاص الزخم السكاني المتصاعد على الوادي القديم بين نهري دجلة والفرات والذي يقبع فوق 14 الف موقع أثري لايمكن المساس بها أو الإعمار فوقها، بينما في هذا المسار يمكن إنشاء مدائن جديدة و صغيرة ومتوسطة قابلية للتوسع سواء على النهر الجديد أو البحيرات المقامة والطبيعية.

وسوف يتكامل هذا المشروع سياسيا مع وضع العراقي الستراتيجي من خلال تعاون مثمر مع الجارة تركيا وكذا إيران اللتان يهددان العراق دائما، بقطع ماء دجلة والفرات عنه. وها نحن اليوم نأن من قطع 42 جدول ونهر ونهير واردة من إيران وتحويل مياهها لداخل بلادهم، وأن سد( ألي صو) على دجلة على تخوم الحدود العراقية سوف يؤثر سلبا على كميات المياه المتدفقة في النهر الذي يسقي الموصل والعاصمة وجنوب شرق العراق كله..لذا لابد من سياسة حكيمة ومنفتحه وصريحه وسلمية وتكاملية بالتعاون المثمر مع الجارات سوريا وتركيا وإيران من خلال التفاهمات الإقتصادية التي تصب في صالح الجميع وتسهل على العراق تحقيق خططه التنموية التي نجزم بأن الموصل ستكون أساسها وواجهتها وبؤرتها المحركة، من خلال خطط إستثمارية تشارك بها الدولة وجهات خارجية.

إن الموصل بدون إمتداده العراقي وتواصله مع الجيران سوف يجهض اي امل في النمو الإقتصادي للعراق بمجمله، وأن العراق بدون الموصل صاحب الثراء البشري والطبيعي ، ستكون كاسدة كما هو حالها اليوم..لذا أملنا بأن الموصل ستكون المحرك الأول والمحفز لتنمية عراقية شاملة تجعل العراق يلحق بركب الأمم القريبة والبعيدة، بعد أن وصل اليوم إلى أبواب موصدة..

والله ولي التوفيق

د.معماري ومخطط حضري

لقمان الأطرقجي

إقرأ أيضا