ناشونال انتريست الأميركية: نوري المالكي.. آخر ما يحتاجه العراق

تترجم “العالم الجديد”، “نصا” مقالا نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية للكاتب Matthew Reisener… بعد شهر…

تترجم “العالم الجديد”، “نصا” مقالا نشرته مجلة ناشونال انتريست الأميركية للكاتب Matthew Reisener

بعد شهر واحد من إعلان النصر رسميا على تنظيم داعش، يتحول التركيز في العراق على الانتخابات البرلمانية المقبلة التي ستعلب دوراً هاماً في تشكيل مستقبل بلد طال أمده بالحرب الأهلية والنزاع الطائفي.

الانتخابات، تحدد موعدها في 12 آيار مايو المقبل، والائتلافات ستسيطر على مجلس النواب العراقي. ومن بين المنافسين على الائتلاف الذي يرأسه حيدر العبادي “تحالف النصر” سلفه نوري المالكي الذي تُعتبر قائمته “دولة القانون” الأكثر عرضة للمصارعة على الظفر بالحكومة.

 

ومثل هذا السيناريو، سيكون كارثياً بالنسبة للعراق، فإن عودة المالكي الى السلطة من شأنها ان تقوّض الاستقرار الهش للسلم العراقي، وتهدد بإشعال انقسامات طائفية تقود البلد الى الهاوية.

ويُنظر الى المالكي في وقت سابق، بأنه رئيس وزراء فاشل حين استمل إدارة السلطة العراقية في عام 2006.

واستغل الامريكيون بديل ابراهيم الجعفري، وأشادوا به بوصفه زعيما شيعيا لديه مصداقية كافية للتعاون مع المعتدلين السنة في القضاء على التمرد الذي تنامى خلال سنوات العنف المذهبي.

المالكي تمكن من العمل بشكل فعّال مع الولايات المتحدة لعرقلة عمليات القاعدة في العراق، لكنه فشل في تحقيق السلام الذي أعقب ذلك، وفشل ايضاً في مواجهة ظهور تنظيم داعش في عام 2014، تاركاً الانتصار على داعش لصالح حيدر العبادي.

Image

المالكي لم يعر اهتماماً لرئاسة الوزراء، فرغم كونه عضواً في حزب الدعوة الإسلامية، كان يرغب منذ زمن طويل في إدارة البلاد والحزب معاً. في حين ان العبادي حصل على ائتمان كبير لدوره في هزيمة داعش، لكنه فشل هو الآخر في في ضم حلفاء سياسيين مستقرين اليه، كما هو واضح في انسحاب عدد من الفصائل المسلحة الشيعية من كتلته في 16 كانون الثاني الجاري. وفي الوقت نفسه، بدأت تحالفات بنشاط مع السياسيين الاكراد على أمل تعزيز قاعدة دعمه الهامة بالفعل.

وقد تركت قدرة المالكي على تشكيل ائتلاف منافس عن كتلة العبادي، في الحصول على الدعم واحتمال حدوث تغيير في السلطة.

ولسوء الحظ، فإن عودة المالكي وكتلته الى السلطة سوف تستهل ايضاً عودة الفساد وسوء الادارة التي عانى منها العراق خلال فترة ولايته الأولى. وهذا الاهمال أثر على العراق، وتدهورت امور الجيش العراقي، فقد استخدم المالكي طاقته كقائد عام للقوات المسلحة لتعيين نفسه وزيراً للدفاع والداخلية، وفرض سيطرة احادية الجانب على القوات المسلحة.

هذا الحال، سمح للمالكي بتسييس التعيينات في مناصب الدفاع الرفيعة ونشر قوات أمنه الشخصي لمضايقة خصومه السياسيين. وعلى الرغم من تلقي مليارات الدولارات كمساعدات خلال سنوات التدريب من الولايات المتحدة، عانى الجيش العراقي من قيادة غير مؤهلة، حتى انتشرت ظاهرة “الجنود الفضائيين” الذين يحصلون على رواتب من الحكومة دون تأدية مهامهم.

استقرار المال العراقي كان خطراً بنفس القدر، بسبب سياسات المالكي التي استهدفت الأقلية السنية التي كانت تحتل السلطة خلال عهد صدام حسين. وتحت شعار “اجتثاث البعث”، سعى المالكي ليس فقط لإزالة آثار حزب البعث من مواقع السلطة، لكن استفحلت البيروقراطية في التمثيل السني بالحكومة.

وسرعان ما وجد السياسيون السنة انفسهم مطرودين من حكومة المالكي، في حين أن النشطاء السنة وقادة المجتمع كانوا في كثير من الأحيان يتعرضون الى مضايقات جهاز الأمن العراقي، وكانوا يتهمون باتهامات تتعلق بدعمهم للارهاب.

وفي الوقت نفسه، لم تكن للجماعات المسلحة السنية التي لها الفضل في دحر تنظيم القاعدة، ذلك الدور الاساسي في المساعدة المجدية بحكومة المالكي، بينما المقابل يشير الى أن المالكي نفسه اعطى دوراً ومساحةً كبيرة لفصائل مسلحة شيعية بالعمل في العراق.

وبالنسبة للعراقيين السنة الذين يشكلون نسبة 46 في المائة من سكان البلد، فإن وضعهم كمواطنين من الدرجة الثانية في ظل نظام المالكي كان واضحاً تماماً.

وبرزت الاخفاقات حين ظهر تنظيم داعش في عام 2014، بتأييد من السنة الساخطين من سياسات المالكي، فضلاً عن تراجع الجيش العراقي بسبب سوء إدارته حين استولى المسلحون على مدينتي الموصل وتكريت بغضون ايام.

وجاء ظهور داعش، نتيجة سياسات المالكي نفسه، الذي زاد من التوترات الاثنية الطائفية وعجزه عن اقامة دفاع عسكري هادف ضد الجماعة المتطرفة. وسعى ايضاً الى معالجة الظروف التي مكنت داعش من الظهور في العراق، لكنه كالعادة فشل، لأن العديد من القضايا لا تزال قائمة ويمكن ان تتفاقم بسهولة من خلال عودة المالكي الى السلطة.

محاربة داعش ودحره، كانت في المناطق السنية، وتسبب هذا الحال، بتحمل هذه الاقلية الهشة العبء الاكبر في التكاليف البشرية والاقتصادية للحرب. وبالاضافة الى ذلك، فان غالبية العراقيين المشردين داخلياً والبالغ عددهم ثلاثة ملايين نسمة هم من السنة، الامر الذي زاد من تعقيد المشهد.

وتتفاوت النسب داخل المجتمع السني، فهناك من يشكلون نسبة 51 في المائة من الذين يثقون بالحكومة الاتحادية، بينما النسبة المتبقية تخشى عودة تنظيم داعش لتهدد منازلهم، فضلاً عن أن هناك نسبا قليلة تخاف من هشاشة الوضع الراهن.

وليس فقط أن السنة العراقيين يخشون بحق عودة سياسة المالكي التخويفية، فهم يشعرون بالضعف ايضاً عقب هزيمة تنظيم داعش الذي من شأنه ان يضاعف آثار التمييز التي تفرضها الحكومة عليهم.

وبالاضافة الى ذلك، سعى العبادي بنشاط، الى فتح علاقات مع الدول السنية مثل المملكة العربية السعودية، على عكس المالكي الذي فتح روابط مع ايران التي خلقت الجماعات المسلحة الشيعية.

وحتى لو كان المالكي يرغب في تحسين علاقاته مع العرب السنة (وليس هناك ما يدعو الى الاعتقاد بأن هذا هو الحال)، فإن إرثه من العداء اتجاههم، سبّب للعديد من السنة اعتقادا معاديا للحكومة وهنا قد يظهر داعش آخر في مناطقهم.

إعادة انتخاب المالكي ستهدد جهود العبادي بالقضاء على الفساد، لان إعادة انتخابه، تكرارا للفشل الحكومي خلال السنوات الماضية، بدليل ان لجنةً برلمانية اتهمته بالفشل في تسمية المسؤولين العسكريين الفاسدين الذين خانوا البلد إثر سقوط مدينة الموصل.

وأدى استعداد المالكي للتسامح مع الفساد وعدم كفاءة الجيش العراقي الى ظهور داعش، فهو قوّض عمداً عمل المؤسسات التي تهدف الى تقييد سلطته التنفيذية التي سمحت بحدوث أخطاء كثيرة كارثية.

ويتيح سقوط داعش واندحاره، فرصة ثانية لتعزيز هذه المؤسسات بالرد على الفساد الذي طال أمده، ومن المرجح أن تؤدي الادارة المالكية الثانية الى تبديد هذه الفرصة.

وبينما لا تزال هناك شهور قبل ان يدلي الشعب العراقي بصوته، فهناك اسباب كثيرة تدعو الى القلق ازاء ترشيح نوري المالكي وكتلة دولة القانون التي اعلن عنها مؤخراً.

إن سوء قيادة المالكي والرغبة في عداء السكان السنة في العراق، وتاريخ الفساد الحكومي، تجعل انتخاب المالكي وعودته الى السلطة، مخاطرة عراقية في حال تمت، إذ من شأن هذه العودة، إعادة الفوضى والنزاع الطائفي الذي تخلص منه العراق مؤخراً.

وحرصاً على تحقيق الاحساس بالاستقرار عقب هزيمة داعش، فمن الأفضل أن يخدم نوري المالكي العراق بالبقاء بعيداً عن مكتب رئيس الوزراء قدر الإمكان.

إقرأ أيضا