بعد انسحاب الحشديين والحكيم وقوى سُنية.. ما هي حظوظ العبادي لولاية ثانية بتحالف انتخابي ضعيف؟

يواجه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، مصيراً انتخابياً غامضاً، مع تداعي تحالفه (ائتلاف النصر) الذي…

يواجه رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي، مصيراً انتخابياً غامضاً، مع تداعي تحالفه (ائتلاف النصر) الذي كان يُصنّف على انه الخيار الاكثر ربحاً في الاستحقاق الانتخابي المقبل، الاّ ان انفضاض القوى الرئيسة عنه، جعله في دائرة مغلقة من “النبذ السياسي” بمواجهة ضغوطات حقيقية تؤثر على خياراته المستقبلية، لاسيما وبسعيه لـ”ولاية ثانية”، تصّور انها بمتناول التحقق عقب هزيمة تنظيم “الدولة الاسلامية” (داعش)، لكن يبدو ان تقديرات العبادي وفريقه السياسي، أشرّت على قراءة خاطئة لمتغيرات المشهد مشهد معقد بعدم الثقة.

معضلة المالكي

خاض العبادي صراعاً حاداً داخل حزبه، وبينما كشف ان غريمه من “الدعوة” نوري المالكي، كان يسعى للاستحواذ على الحزب وضمّه الى ائتلافه، فقرر الحزب الانسحاب. لكن الصراع لم ينته، فالمالكي وفقاً لمصادر مُطلعة ومقرّبة من الدعوة” فضلت عدم الاشارة اليها لحسّاسية المعلومة، تحدثت معها “العالم الجديد” ان “المالكي حرم العبادي الاستفادة من موارد الحزب المالية لتمويل حملته الانتخابية”، مشيرة الى ان “العبادي كان يعوّل على الاموال الكبيرة لدى الحزب ليخوض الانتخابات، لكنه فوجئ ان الموارد المتبقية ضئيلة بعد ان اخفى المالكي الموارد الحقيقية بوصفه الامين العام للحزب”.

وازاء هذا التحدي، لا يتبقى أمام العبادي لتمويل حملته سوى استغلال الموارد الحكومية ما يعني فساداً، او الاستعانة بتمويل خارجي وهو ما يمنعه القانون الانتخابي الذي لم يُشر الى ضرورة التحقق من الاموال الانتخابية ومصادرها.

وتمتع حزب الدعوة الاسلامية بهيمنة على المقدرات الحكومية منذ العام 2005 لجهة ان رئاسة الوزراء كان حكراً عليه، لكن يبدو ان احتكار المنصب الاول في الدولة العراقية، مع الانتخابات المرتقبة سيكون مهدداً، واذا احكمت القوى المعارضة للعبادي و”الدعوة” تحالفاتها، فسيّخرج المنصب من “الدعوة” ويّحرم منه الى الابد.

وتكشف تلك المصادر، أن “المالكي يحاول التأثير على نجاح العبادي بتحقيق كتلة نيابية كبيرة تُمكّنه من طرح نفسه كرئيس وزراء مقبل”، وتعتقد تلك المصادر ان “المالكي ربما يذهب الى خطوة ابعد باعلان الانسحاب من الانتخابات برمّتها نظراً لفقر حظوظه بتحقيق مقاعد ملائمة لطموحه السياسي، وايضاً ليحرم العبادي مستقبلاً من أي فرصة لتمثيل حزب الدعوة”.

لكن مصادر سياسية اخرى تحدثت معها “العالم الجديد”، أشّرت على ان “المالكي لن ينسحب مهما كلّفه ثمن خوض الانتخابات، نظراً لطبيعة الرجل المُحبة للسلطة وخشّيته من ملاحقته على ملفات فساد ولايته الطويلة التي استمرت لثمانية اعوام، وضياع الامتيازات المتحققة لدولته العميقة”. وهذا ما اكده مكتبه فيما بعد.

صراع التحالفات

تُفكر قيادات حزب الدعوة بالمعضلة التي افّضت الى الانقسام الذي احدثه صراع العبادي – المالكي، لجهة ان هذا الصراع اثّر كثيراً على بناء تحالف قوي يضمن للدعوة البقاء بالسلطة، غير ان الحلول التي تُطرح تصطدم بـ”الفوضى” التي خلقها العبادي في صفوف تحالفه، وضعف الحظوظ الانتخابية لقائمة المالكي، وعملياً لا يُمكن اعادة ترتيب التحالفات، لذا ستمضي الاحزاب الى الصناديق بحظوظها وقدرة مالها السياسي على كسب الاصوات. ويتوقع قيادي بالدعوة ومقرّب من العبادي انه الاخير سيتمكن من حصد 50 – 55 مقعداً فقط ولن يستطيع الوصول الى عتبة 100 معقد كسلفه المالكي.

خلق العبادي جواً غامضاً وفوضوياً بتشكيل تحالفه “النصر”، فضلاً عن سياسة التعالي التي اتّبعها بالتفاوض مع الكيانات السياسية الاخرى، وفرّضه شروطاً وبرنامجاً بوصفه “رئيساً للوزراء لولاية ثانية”، وليس كمرشحٍ يتفاوض على اساس ما تفضي اليه نتائج الصناديق. ما سرّع من وتيرة الانسحابات من كتلته التي باتت فقيرة وتعتمد فقط على شعبية العبادي التي لا يُمكن قياسها نظراً لقراراته الاقتصادية وسياسة التقشف وخصخصة الخدمات الاستدانة الخارجية وغلق باب التعيينات الحكومية والانصياع لمقررات البنك الدولي.

في 14 كانون الثاني/ يناير الجاري، كان العبادي يتمتع بأقوى تحالف انتخابي بإمكانه اكتساح الاصوات وحيازة اكبر عدد من المقاعد تحت قبة البرلمان المقبل، حين اعلن عن تحالفه مع لائحة (الفتح المبين – الحشد الشعبي) الذي سُرعان ما انهار، وأعلن الحشديون أنهم لن يتحالفوا مع العبادي، وغايتهم المُضمرة حرمانه من ولاية ثانية، بضغطٍ ايراني. يرى الايرانيون ان التحالف مع العبادي خسارة وان كان ربحاً بقياس المقاعد، لجهة العلاقة المتينة التي يتمتع بها الاخير مع الاميركيين. وعلى المقسم الاخر ضغطت المرجعية الشيعية الاكبر في النجف (السيستاني) على العبادي لفض هذا الاندماج المرفوض، لخشية النجف من ابتلاع الحشديين للسلطة وهيمنتهم عليها، على قاعدة المتاجرة بـ”التضحيات بالحرب على داعش” وتعده استغلالاً سياسياً مرفوضاً.

هذا الانسحاب فتح باب الانسحابات من تحالف العبادي، ففي اللحظة التي اندمج بها مع الحشديين، كان يضم نحو 47 كياناً، وبعد الانسحاب تقلّص الى 29 كياناً، وإثرَ انسحاب كيان عمار الحكيم (تيار الحكمة) وثمانية كيانات اخرى، لم يتبق سوى 20 كياناً ضعيفاً يصعب التفاؤل بقدرتها على حصد الاصوات.

اعلن رئيس تيار الحكمة عمّار الحكيم انسحاب كيانه من ائتلاف العبادي، وبيّنما جاء البيان المشترك بين التحالفين مُحملاً بعبارات “المحبة والتراضي” وتخفف من الصدمة التي مُني بها الطرفان، كانت التسريبات تشير الى خلافات كبيرة بين الجانبين، لجهة اصرار العبادي على عدم منح أية ضمانات للحكيم بمقاعد او وزارات ومناصب بالكابينة الحكومية المقبلة، فضلا عن التعنت والتعالي والفوضى التي يفكر بها الفريق السياسي للعبادي الذي نعتهم قيادي في تيار الحكمة بـ”كهول الدعوة” الذين اعتمد عليهم سابقاً المالكي في ادارة صفقاته السياسية.

في هذه الاثناء يخوض تيار الحكيم حرباً تصعيدية مع منظمة بدر، على خلفية موقف الاخيرة المعترض على التحالف مع القوى الحشدية، لجهة الفرمان الايراني بالتضييق على الحكيم اثر انشقاقه عن المجلس الاعلى الاسلامي العراقي وخروجه من البيت التقليدي الذي ترعاه طهران منذ العام 1982، فبدر والمجلس الاعلى يؤمنان بـ”ولاية الفقيه”، وعائلة الحكيم قررت التحول في 2007 من ولاية الخامنئي الى السيستاني، وسط اعتراض الحرس القديم في المجلس الذين قرروا الاجهاز على الحكيم الابن بعد صراع دامَ لسنوات عقب وفاة والده عبد العزيز الحكيم.

يسعى الان تيار الحكيم الى استجواب وزير الداخلية قاسم الاعرجي، وهو قيادي ايضاً في بدر، للثأر من العامري، واضعاف حظوظه الانتخابية، لصالح سقف تلك الحظوظ لتيار الحكمة، وفي موقف يُبيّن حجم الخلاف، اتهم النائب محمد اللّكاش بوصفه مسؤولاً عن ملف الاستجواب، بدر والاعرجي بالسعي الى تصفيته جسدياً وشن حملات اعلامية لتسقيطه.

بهذا الانسحاب، قرر الحكيم خوض الانتخابات منفرداً، فالقانون يسمح بالانسحابات، ولا يسمح بالاندماج مع تحالفات قائمة عقب اغلاق بابها.

القوى الاخرى المنسحبة مع انسحاب تيار الحكيم، هي [تجمع ثوار الانتفاضة، حزب التطور العراقي، التجمع العراقي الجديد، حزب درع العراق، التيار العشائري في العراق، تيار الشهيد الاول، وتيار الأبرار الوطني، وكلنا العراق]. وغالبيتها ائتلافات سُنية، ويبدو ان الباب مُشّرعاً لانسحابات جديدة من حقل العبادي.

راهن العبادي على تشكيل تحالفٍ “عابرٍ للطائفية”، الاّ انه اخفق بنجاح في مسعاه، وخيّب أمل داعميه الابرز، فالاميركان كانوا يتصورون ان لرئيس الحكومة رؤية اكثر استقراراً بقراءة المشهد، وان “نجاحه” بالحرب على الارهاب منحته الثقة التي يفتقر اليها، لكنه لجأ الى مراهقة سياسية ستعجل بذهابه من الموقع الذي تُصر واشنطن على احتفاظها به.

راهن العبادي على تشكيل تحالفٍ “عابرٍ للطائفية” الاّ انه اخفق بنجاح في مسّعاه، وخيّب أمل داعميه الابرز، فالاميركان كانوا يتصورون ان لرئيس الحكومة رؤية اكثر استقراراً بقراءة المشهد، وان “نجاحه” بالحرب على الارهاب منحته الثقة التي يفتقر اليها، لكنه لجأ الى مراهقة سياسية ستعجل بذهابه من الموقع الذي تُصر واشنطن على احتفاظها به.

وفي تطوّر لافت، زار الصدر، الاربعاء الماضي، زعامة النجف ممثلة بالمرجع الاعلى السيستاني، ما قد يخلط الاوراق الانتخابية كثيراً ويعزز من حظوط الصدر في الانتخابات المقبلة. كانت المرة الاخيرة التي زار فيها الصدر الغرفة الصغيرة التي يجلس فيها السيستاني قبل عامين، مهد فيها لتقاربه مع السعودية والامارات، وموقفه من سلاح الحشد.

لكن من المستبعد ان يُقدم الصدر على التحالف مع العبادي الان، غير ان بوصلة النجف تتجه نحو دعم العبادي والصدر معاً، لا سيما وان الاخير بات ذراعاً سياسياً مخلصاً ويؤمّن قدراً من التوازن الشيعي مع قوة ايران وحلفائها، كما انها ترى ان النفوذ السعودي في العراق ليس بـ”الخطير” لجهة ان الرياض لا تسعى الى ازاحة طهران، لذا فهذا الحضور هو موضع ارتياح طالما وان الصدر ضامنه المحلي. وكخطوة قُبالة خطوة، عجّل عمّار الحكيم بلقاء الصدر في محاولة لجس النبض الصدري لما بعد الانتخابات، والتنسيق معه لضمان الحضور السياسي الذي يطمحان اليه في ظل حاجة الحكيم الى رافعة سياسية.

لكن المخاوف الايرانية والقوى الاسلامية الشيعية الاخرى، تتجه الى امكانية عقد تحالف متين وقوي بين الصدر وائتلاف رئيس الوزراء الاسبق إياد علاّوي وحلفائه السُنة، وهو الذي يحظى بمقبولية عربية – خليجية، واذا ما انعقد هذا التحالف بعد الانتخابات وتحقيق معادلة “الكتلة الاكبر” بمجلس النوّاب، فسيتعقد المشهد كثيراً، لجهة ضعف امكانية تسمية علاّوي لرئاسة الوزراء لكبر سِنّه، وغياب شخصية كاريزمية تحقق القبول المحلي – الاقليمي – الدولي، فضلاً عن عدم وجود مرشح لهذا المنصب من قبل الصدر. وبالمحصلة فأن الطريق الى تشكيل الحكومة المقبلة سيكون طويلا وشاقاً وقد يستمر حتى نهاية العام 2018.

إقرأ أيضا