قمة ترامب وبوتين الحميمية جداً

من الجيد أن يجتمع الرؤساء الأميركيون مع الخصوم، من أجل توضيح الاختلافات وحل النزاعات. ولكن،…

من الجيد أن يجتمع الرؤساء الأميركيون مع الخصوم، من أجل توضيح الاختلافات وحل النزاعات. ولكن، عندما يجلس الرئيس ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فنلندا هذا الشهر، فسيكون ذلك اجتماعاً بين أرواح متآلفة، وهذه مشكلة.

قد يظن المرء أن رئيس الولايات المتحدة، عندما يجتمع وجهاً لوجه مع المستبد الروسي، سوف يطرح بعض مكامن القلق والاهتمام الرئيسية لأميركا وأقرب حلفائها. ولنقل، على سبيل المثال، استيلاء بوتين على شبه جزيرة القرم وهجومه على أوكرانيا، وهي الإجراءات التي تسببت في فرض عقوبات دولية على روسيا. ولكن، قيل إن السيد ترامب أخبر زملاءه من رؤساء الدول في اجتماع مجموعة السبعة الكبار في كيبيك في حزيران (يونيو)، بأن القرم هي منطقة روسية، لأن الجميع هناك يتحدثون هذه اللغة. وبطبيعة الحال، كان مساعدو ترامب قد تحدثوا مع المسؤولين الروس عن رفع بعض العقوبات، حتى قبل توليه المنصب.

قد يأمل المرء في أن يخبر رئيس الولايات المتحدة السيد بوتين بأنه يواجه جبهة موحدة مكونة من السيد ترامب وزملائه في حلف الناتو، الذين كان ينبغي أن يقابلهم قبل أيام من انعقاد القمة في هلسنكي. لكن موقع “أكسيوس” الإعلامي أفاد بأن الرئيس ترامب قال خلال الاجتماع في كيبيك: “‘الناتو’ سيئ مثل ‘نافتا’” -اتفاقية التجارة الحرة في أميركا الشمالية، التي يستخدمها الرئيس ترامب كوسيلة مفضلة للتهويش.

من المؤكد أن الرئيس سوف يذكر أنه حتى الأشخاص الذين عينهم هو نفسه لإدارة أجهزة الاستخبارات الأميركية، يؤمنون بشكل لا لبس فيه بأن السيد بوتين تدخل في انتخابات العام 2016 ليضعه في المنصب ويستمر في تقويض الديمقراطية الأميركية. أليس كذلك؟ لكن السيد ترامب صرح مؤخراً بأن “روسيا تواصل القول إنه لا علاقة لها بالتدخل في انتخاباتنا!”.

الأكثر ترجيحاً هو أن السيد ترامب سوف يهنئ السيد بوتين، مرة أخرى، بفوزه بفترة رئاسية أخرى في انتخابات مزورة، كما فعل في آذار (مارس)، على الرغم من أن مساعدي ترامب حذروه صراحة من فعل ذلك. وكان قد اقترح مسبقاً إعادة قبول روسيا في مجموعة السبعة الكبار، التي أطيح بها منها بعد غزو أوكرانيا.

كانت مؤتمرات القمة تميل إلى أن تكون موصوفة ومهيأة بعناية، وكان الرؤساء يصطحبون معهم كبار المستشارين والمترجمين الأميركيين. ولكن، في عشاء أقيم خلال اجتماع مجموعة العشرين في تموز (يوليو) من العام الماضي، سار السيد ترامب إلى السيد بوتين وأجرى معه محادثة غير رسمية من دون حضور أي ممثل أميركي آخر. وقال لاحقاً إنهما ناقشا مسألة التبني (1) -القضية نفسها التي زعم -زوراً- أنها كانت موضوع اجتماع عُقد في برج ترامب في العام 2016 بين ممثليه ونشطاء من الروس، الذين قالوا إنهم كانوا يهيلون التراب في ذلك الاجتماع على هيلاري كلينتون.

من الواضح أن السيد ترامب ليس رئيساً تقليدياً، وإنما هو رئيس عازم على التسبب بتآكل المؤسسات التي تشكل أساس الديمقراطية والسلام. و”لا يعتقد (السيد ترامب) أن الولايات المتحدة يجب أن تكون جزءاً من أي تحالف على الإطلاق”، ويرى أن “زعزعة الاستقرار الدائمة تصنع ميزة لأميركا”، وفقاً لمسؤولين في الإدارة لم تُحدد أسمائهم، ونقل عنهم جيفري غولدبرغ في مقال له في مجلة “الأتلانتيك”.

يذهب مثل هذا التفكير إلى ما هو أبعد مما دُفع معظم الأميركيين إلى تصديقه عن آراء السيد ترامب حول القضايا الأساسية لأمن التحالف. وكان الرئيس في كثير من الأحيان يقدم خدمة كلامية حمقاء عن دعم الناتو، حتى في الوقت الذي اشتكى فيه مراراً من الإنفاق العسكري للحلفاء وسياسات التجارة غير العادلة.

ينبغي أن تكون التوترات التي زاد السيد ترامب من حدتها مع حلفائنا مرضية للسيد بوتين، الذي يهدف إلى تشتيت شمل الغرب وتأكيد النفوذ الروسي في الأماكن التي لعب فيها الأميركيون والأوروبيون أدواراً كبيرة، مثل الشرق الأوسط والبلقان ودول البلطيق.

مع ذلك، وعلى الرغم من المخاوف المتنامية بين الحلفاء الأوروبيين، فإن ترامب يعتمد على مستشاريه أقل من أي وقت مضى، لأنه “يعتقد الآن أنه أصبح متيقناً من الأمور”، كما قال أحد كبار أعضاء الكونغرس في مقابلة. وهذا تفكير مروع بالنظر إلى عدم قدرة ترامب، حتى الآن، على إظهار أي تقدم جدي في أي قضية أمنية كبيرة. وعلى الرغم من حديث ترامب عن نزع السلاح النووي بعد اجتماعه مع الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون، فإن الخبراء يقولون إن صور الأقمار الصناعية تظهر أن كوريا الشمالية ما تزال تعمل فعلياً على تحسين قدراتها النووية.

في حين أن البيت الأبيض لم يكشف عن أي جدول أعمال للاجتماع مع بوتين، فإن هناك الكثير الذي ينبغي على الزعيمين مناقشته، بدءا من الهجمات السيبرانية الروسية. وعلى الرغم من ذلك، أشار السيد ترامب إلى أن بوتين يمكن أن يساعد الولايات المتحدة على حماية نفسها من قرصنة الانتخابات. وعلى الرغم من أن الكونغرس فرض العام الماضي عقوبات كاسحة ضد روسيا لردع مثل هذا السلوك، فقد فشل ترامب في تنفيذ العديد منها حتى الآن.

بالطريقة نفسها، إذا وافق السيد ترامب على رفع العقوبات المفروضة على روسيا من جانب واحد بعد أن قامت موسكو بغزو أوكرانيا وبدأت حرباً، فإن ذلك سيؤدي إلى إثارة المزيد من غضب أعضاء التحالف الذين انضموا إلى الولايات المتحدة في فرض العقوبات التي رتبت عليهم كلفة هم أنفسهم. وعلاوة على ذلك، ما الذي قد يردع السيد بوتين عن السعي إلى الاستيلاء على مزيد من الأراضي في المستقبل؟

يمكن أن يُرفِق السيد ترامب ذلك بإلغاء المناورات العسكرية مع دول الناتو، كما فعل مع كوريا الجنوبية بعد الاجتماع مع السيد كيم، ويقوم بسحب القوات الأميركية الموجودة بهدف منع روسيا من الأعمال العدوانية في دول البلطيق.

ثمة موضوع مهم آخر أيضاً، هو سورية. وقد أشار السيد ترامب إلى رغبته في سحب القوات الأميركية من سورية، وهي خطوة ستترك البلد في قبضة الرئيس بشار الأسد وحليفيه؛ روسيا وإيران، بطريقة أكثر حزماً. وتحدد روسيا، على وجه الخصوص، الوجهات في ساحة المعركة وفي صياغة تسوية سياسية يمكن أن تنهي القتال، والتي يُفترض أن تأتي بعد أن يتم طرد قوات المعارضة.

ما هو التقدم الذي يمكن إحرازه في هذه القمة، إذن؟ قد يجد السيد ترامب والسيد بوتين أن من الأسهل التعاون في موضوع منع سباق تسلح نووي جديد من خلال تمديد معاهدة “نيو ستارت”، المعاهدة التي تحد من الأسلحة النووية الاستراتيجية وتنتهي في العام 2021.

وثمة أولوية أخرى أيضاً: إعادة روسيا إلى الامتثال لمعاهدة القوى النووية متوسطة المدى، التي قضت على جميع الصواريخ الباليستية والقذائف المبرمجة التي يمكن أن تطلقها الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي من الأرض، والتي يتراوح مداها بين 500 و5.500 كيلومتر، إلى أن قامت روسيا باختبار ونشر صاروخ كروز محظور.

يرى مستشارو ترامب للأمن القومي التهديد الروسي بطريقة أوضح مما يرى هو. وكذلك حال الجمهوريين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ. وهم يتحملون المسؤولية أكثر من أي وقت مضى عن محاولة إقناع السيد ترامب بأن أمن البلد سيكون على المحك عندما يجتمع مع السيد بوتين، وأنه ينبغي عليه أن يستعد بعناية للمواجهة.

*افتتاحية نيويورك تايمز بتاريخ 28/6/2018 تحت عنوان: Trump and Putin’s Too-Friendly Summit وترجمتها صحيفة الغد الاردنية.

(1) ثارت قضية “التبني” عندما حظرت روسيا على الأميركيين تبني الأطفال الروس في العام 2012 رداً على جولة عقوبات فرضتها إدارة أوباما على مسؤولين كبار لهم صلات بالكرملين، على أساس مزاعم بانتهاكات لحقوق الإنسان.

إقرأ أيضا