“أبرار زهير”.. طفولة مسروقة تشق طريقها من جدران العنف!

في هذه الحياة ثمّة الكثير والكثير من القصص التي نسمع بها مرّة أو نراها أحيانا…

في هذه الحياة ثمّة الكثير والكثير من القصص التي نسمع بها مرّة أو نراها أحيانا أخرى. وكذا يحصل أن تجتمع كليهما معاً (سماع ورؤيا) في ذات الوقت. وبين ثنيات تلك القصص تختبئ أضعافها مرات ومرات من القصص العظيمة التي لم ترَ النور وتبقى حبيسة البيئة او الشخص لسبب أو أسباب ما.

معاناة لا متناهية!

من بين تلك القصص الكثيرة تبرز قصة “أبرار زهير” إبنة الـ16 ربيعاً. وكما هو الحال في العديد من القصص التي سطّرت نجاحاتها بتحدي الصعوبات والضغوطات الحياتية الرهيبة التي تعصف بأصحابها، كذا الأمر حدث (وما زال) يحدث مع “أبرار”.. طفولة مسروقة، وحقوق مسلوبة، وتعنيف أُسري لم يلبث أن يتوقف برهة حتى يعود أكثر قسوة.

تسرد أبرار حكايتها لـ”العالم الجديد”، بالقول “لم أعرف معنى للسعادة ولم ترتسم على شفتيّ البسمة أغلب طفولتي، فما أن توفي والدي (وأنا لم أتجاوز سن الرابعة حينها) سرعان ما عصف بي التعنيف من عمومتي، أخوالي وأبنائهم، بل وحتى أخي الذي يكبرني بعامين سار حذوهم.. يضربني، يعنّفني، يحبسني، يصرخ عليّ بوابل من الشتائم التي لا يحتملها إنسان ما”.

بيد أن تلك الظروف لم تقف بوجه “زهير” بل زادتها عزيمة وإصرارا كبيرين على التحدي، وربما مساندة والدتها في أحيان كثيرة (وهي الوحيدة التي وقفت الى جانبها) قد أعطاها تلك الجرع المعنوية في الصمود بوجه المتعسفين وتحديهم.

وعن أسباب كل ذلك العنف، تقول “حدث وأن مورس العنف بحقي من قبل أعمامي وأخوالي وأنا في سن الـ8 فقط، ذلك لأنني رفضت ارتداء الحجاب الذي حاولوا فرضه عليّ بعد إعطائهم لي المحاضرات والدروس الدينية وأهمية الحشمة وما شابه”.

وتضيف “أنا وفي ذلك العمر (خصوصا واني ما زلت طفلة)، لم أستطع تقبل فكرة الحجاب، لذلك رفضت وكانت النتيجة الضرب والحبس؛ لكنني حتى وانا صغيرة لم أقف مكتوفة الأيدي، كنت أصرخ بوجوههم وأركل كل ما أجده أمامي، وأبكي بهيستيريا، وعند الحبس كنت أُخطط (أشخبط) بالقلم على جدران الحائط كنوع من رد الفعل، والأخيرة (الشخابيط) سرعان ما اكتشفت انها سبب نجاحي فيما بعد”.

Image

لـ”الشخابيط” كل الفضل!

تكمل الصبية أبرار “اجتياحي لمجال العمل والتطوع لم يكن سهلا مطلقاً في ظل العنف الذي أُواجهه، وفي ظل مجتمع عشائري تسوده العادات والتقاليد كـ(ديالى) التي ترفض فكرة اشتغال الفتاة وهي في هدا العمر، وفي ظل مهنة غالبا ما تكون ممارستها حكرا على الرجال، أقصد بذلك صبغ جدران البيوت وتلوينها، فأنا بالإضافة الى ممارستي التصوير “صباغة ورسامة” في الوقت نفسه”.

بدايتها في العمل والتطوع يعود الى فترة العنف، فعندما كانت تحبس بالغصب جاءتها نوبة اكتئاب نفسية حادة جعلتها ترسم على جدران الغرفة ومن هناك بدأت القصة، إذ تقول أبرار: “ذات يوم زارتنا امرأة (طيّبة) تعمل في السلك التربوي، فأعجبت بما فعلته بالجدران، فطلبت مني أن أرسم جدران روضتها المدرسية، وكانت هذه البداية التي اكتشفت حينها موهبتي، ربما ذلك هو الفضل الوحيد الذي درّهُ لي العنف!”.

في بادئ الأمر كانت تظن أن التطوع يغيّر حال البلاد من حال إلى حال، لكن بعد تلك التجربة سرعان ما اكتشفت العكس! “التطوع هو من الناس للناس، هو مد يد العون وتوفير الاحتياجات والخدمات، هو بأبسط صوره جزء من العادات الأساسية للإنسان، هو الإنسانية بكل أنواعها”.

لذلك استمرت في العمل لتشارك في العديد من المهرجانات المدرسية والبازارات التي تنظمها جامعة ديالى ومنظمات المجتمع المدني الى ان وصلت الى هذه المرحلة، فهي بدأت كمتطوعة منذ 4 أعوام (بالضبط في سن الـ12) فساهمت في العديد من البرامج التطوعية، لعل من أبرزها تطوعها مع منظمة الهجرة الدولية في العراق iom وغيرها الكثير. كما دخلت مجال العمل منذ عامين لتعيل نفسها بنفسها دونما الحاجة لأحد، فأخذت ترسم وتصبغ جدران البيوت، وتصور الحفلات والمهرجانات والمناسبات (الخاصة منها والعامة).

Image

اشتياق وشتائم وقانون لا يكترث!

 “أبي.. إن كنت تسمعني فأنا أشتاق إليك حقا، ليديك الكبيرتين، وحضنك الدافئ، ولحمايتك لي من قذارة العالم. أبي.. يكاد اليأس أن يسرقني! أَلا يمكن أن تأتي حتى في أحلامي؟!” هذه الخاطرة نَشَرَتها قُبل مدة قصيرة كانت تعبر عن فيض من الحنين ليد تلتقطها وتنتشلها من قساوة محيطها، (وهي التي اعتادت الكتابة لتفضفض عمّا يجول في خاطرها)، إذ على حدّ قولها: “هي تعبير ثانٍ للروح، هي الصلة بين عالمي الواقع والخيال”.

صحيح إنها لم تتعمق كثيراً في قراءة الكتب، إلا أنها ومنذ اطلاعها على رواية “بائعة الخبز” للكاتب الفرنسي “كزافييه دومنتبان” (وهي الرواية التي تُحِب) أحسّت بخدش لامس روحها.. ربما للمعاناة والويلات التي طالت بطلة الرواية سبب في ذلك؛ فالمعاناة متشابهة برغم اختلاف قصّتيهما؛ فهي برغم نجاحاتها، إلا أنها ما زالت تعاني العنف حتى اللحظة.

تلفت أبرار في حديثها لـ”العالم الجديد”: “حين ذهبت لتقديم شكوى ضد أخي، سخر مني أفراد الشرطة ولم يستجيبوا لي، قائلين إنه أخي ويحق له ضربي، كما الحجاب فريضة فمن حقّه أن يطالبكِ بارتدائه! لكن وبعد إصراري وإلحاحي رضخوا لشكواي، لكن تدخل أُمي في اللحظات الاخيرة خوفاً عليه من الزج في السجن جعلني أسحب الشكوى”، مستدركة “لم يخفف قساوته مرّة قط، فلازلت أواجه صعوبات بسببه، فهو لا يرضى بخروجي للعمل، وكل يوم أخرج للعمل بـ(شتيمة وجرّ للشعر، والضرب)، وأعود بنفس الاسلوب”.

أقصر الطرق وأكبر الأحلام!

تدرس “أبرار زهير” ولم تتوان عن  دراستها رغم كل ما جرى (وما يجري) معها. هي حالياً في الصف الثالث المتوسط، وتسعى لدخول معهد الفنون الجميلة ببغداد بعد نجاحها، وهو ليس رغبة منها؛ فليس من السهل التفريط بالدراسة الجامعية، بقدر ما هو سعي للتسريع بخروجها من كنف شقيقها الذي أذاقها المر، كي تبتدئ حياة جديدة بعيدا عن (ديالى)؛ فبقاؤها ثلاث سنين أُخرى (لدراسة الإعدادية) تعني مزيداً من العنف والقسوة والحرمان. أما أكبر أحلامها، فهو أن تكون يوماً ما “مصورة سينمائية بصبغة عالمية”!

إقرأ أيضا