فساد مشاريع الأبنية المدرسية في العراق 

بعد أكثر من 15 عاما على التغيير في العراق، تقدر وزارة التربية حاجة التعليم الى أكثر…

بعد أكثر من 15 عاما على التغيير في العراق، تقدر وزارة التربية حاجة التعليم الى أكثر من 20 الف مدرسة في عموم البلاد، وسط انتشار صور نظام التعليم الثلاثي والرباعي في المدرسة الواحدة، ومدارس الطين التي بلغت بحسب آخر احصائيات وزارة التخطيط ما يقرب من 11 ألف مدرسة، الأمر الذي يظهر حجم المأساة والفساد الذي تسبب اليوم بامية تجاوزت الـ20  بالمئة، ونحو 3 ملايين طفل متسرب من المدارس.. كيف وصل الحال الى هذا المستوى رغم كل ملايين الدولارات التي خصصت لحل تلك الازمات؟

فيديو توضيحي لواقع التعليم المدرسي في العراق

إحباط شعبي

على أطلال مدرسته الواقعة في قضاء الدجيل بمحافظة صلاح الدين (170 كلم شمال بغداد)  يقف مدير مدرسة هوازن الابتدائية عامر جاسم عبد الحسين  (53 عاما) متذمرا ومتشائما من سنين الانتظار الطويلة لخلاص طلابه من ويلات الدراسة في  الكرفانات  بعتاب الى وزارة التربية، وهو يقلب قطعة خشبية وردية اللون من المدرسة قائلا “هل هذا ما وعدتنا به الديمقراطية؟ هل هذا هو الحلم الوردي الذي وعدتنا به الوزارة؟ أسفر عن لا شيء”.

مدير إحدى المدارس المهدمة في صلاح الدين

حال مدير هوازن ليس ببعيد عن حال عشرات المدارس في عرض البلاد التي هدمت قبل سبع سنوات من اجل اعادة بنائها لكن طلابها لم يروا العنب ولا السلة ليقضي اغلبهم ايام الدراسة بين صفيح الكرفانات واركان الطين.

خطوات المشاريع وتخصيصات الاموال

حاولنا تعقب ما قامت به الحكومات السابقة من مشاريع للقضاء على ازمة الابنية المدرسية لنجد التالي: انطلقت مشاريع وزارة التربية في العام 2008 من اجل سد حاجة البلاد من الابنية المدرسية.. نفذت المشاريع باسلوب الدعوات المباشرة على ثلاث مراحل هي: الهياكل الحديدية، وانقاذ الاهوار، والبناء الجاهز.. اخرها كانت الاكبر حجما من حيث العدد والاموال المخصصة، وهو ما عرف بـ(المشروع رقم واحد)، حيث اعد مشروع البناء الجاهز لبناء اكثر من 1700 مدرسة بكلفة تصل الى مليون و200 الف دولار للمدرسة وبمدة انجاز تتراوح بين العام والعامين.

رحلة البحث

ولفتح الملف من بدايته طرقنا ابواب وزارة التخطيط، الجهة المسؤولة عن دراسة المشاريع ورسم الخطط حسب الحاجة في اغلب المجالات والمشاريع الحكومية لنتعرف على تفاصيل المشروع واليات منحه للشركات المنفذة كما يوضح الناطق الرسمي باسم وزارة التخطيط العراقية عبد الزهرة الهنداوي بالقول، إن “وزارة التربية أحالت المشروع بكل مراحله إلى جزأين: جزء إلى قطاع حكومي عبر شركات تابعة لوزارة الصناعة، ووزارة الإسكان والاعمار، وجزء آخر أحيل إلى قطاع خاص، بواقع 21 عقدا، وقعت ضمن 50 مشروعا، 18 عقدا أحيلت لوزارات حكومية، وثلاثة عقود فقط، أحيلت إلى شركات القطاع الخاص”.

Image

توضيح نسب المشاركة في مشروع بناء المدارس بين القطاعين العام والخاص 

ويلفت الهنداوي الى أن “القطاع الحكومي أحال مقاولاته الى شركات القطاع الخاص, وبموجب التعليمات فان نسبة السلفة التشغيلية الأولى والتي تبلغ 60 بالمئة من كلفة المشروع تمنح أو تعطى لشركات القطاع الحكومي من دون ضمانات، على اعتبار انه قطاع حكومي، كون الضمانات تؤخذ من شركات القطاع الخاص فقط”.

من جهته، يقول شيروان الوائلي النائب السابق في البرلمان والمستشار الحالي لرئيس الجمهورية “في هذه المقاولات اشترطوا قلع المدارس القديمة، ولكنهم لم ينفذوا المدارس الجديدة، وبقي الأطفال إما في كرفانات تبرعت بها جهات ، وإما بقوا من دون مدارس مع الأسف أو انه تم دمج بعضهم بمدارس اخرى، رغم ان هذه المبالغ مستوفاة، سواء الكونكريتية أو الحديدية أو من ميزانية إنعاش الأهوار، لأن الحقيقة أنها لم تنفذ 100 بالمئة كعقود. بل نفذت جزئيا”.

ويوضح الوائلي “مدة بناء المدارس الحديدية ستة اشهر، والكونكريتية 12 شهرا، واليوم بعد ثماني سنوات لم تنفذ بالكامل”.

من خلال متابعة الأمر، تبين ان المشروع الاخير كان الاكثر تخصيصا، لذا اخترنا الغوص في اعماق خباياه وكشف المستور، ففوجئنا بان نسبة انجاز المشروع بعد مرور خمس سنوات لم تتجاوز الـ15 بالمئة رغم دفع الحكومة لاكثر من 60 بالمئة من مستحقات المقاولين.

لم يكتف المشروع  بنسب الاكتمال، بل عمد الى هدم مئات المدارس التي كانت تؤوي الاف الطلبة على امل اعادة بنائها، وهو ما يظهر في احد الوثائق التي حصلنا عليها للمشروع، والذي يشترط تهديم المدارس الايلة للسقوط، ما تسبب بنقل الطلاب الى كرفانات مؤقتة لحين اكمال البناء.

Image

وثيقة تظهر اليات العقود التي ابرمتها وزارة التربية مع القطاعين العام والخاص

الوصول الى الناصرية

مِن شمال العراقِ حتى جنوبه لا يختلف الأمر كثيرًا فاتجهنا الى محافظة ذي قار (375 جنوب بغداد)، لنطلع على ابنيتها المدرسية التي كان من المفترض ان تبنى هي الأخرى ضمن خطة هذا المشروع. هُدّمت المدارسُ هنا أيضًا ولم تظهرْ أخرى في مكانِها، حتى بعد مرورِ كل هذه السنواتِ.

“كنت في الصف الثاني حين هدمت الحكومة مدرستي، وتركوا هذا الاساس فقط، (مشيرا الى بقايا طابوق قديم) ثم نقلونا الى مدرسة واسط.. وهي بعيدة نسبيا، ويتطلب الوصول اليها المرور بشوارع خطيرة، الامر الذي تسبب لي بحادث دهس”. هكذا يروي حسام (12عاما) التلميذ في مدرسة الطالبيين بقضاء الشطرة في محافظة ذي قار (375 جنوب بغداد) حكاية قصته مع التعليم التي انتهت بهدم مدرسته القديمة وحرمانه من الدراسة”.

شهادة لأحد تلاميذ مدرسة “الطالبيين” في ذي قار
 

مهدي ال حمد (45 عاما) أحد وجهاء قرية سيد حمد، يوجه سؤالا غاضبا الى الجهات الحكومية التي هدمت مدرسة القرية التي استمرت خمسة عقود، قائلا (هل يقبل المسؤولون على ابنائهم الدوام داخل داخل كرفان والجو حار جدا.. والله كل ساعة يسقط أكثر من طفل لشدة الحر داخل الكرفان”.

ويضيف “لو أنهم تركوا المدرسة على حالها لكان أفضل، ولو انهم تركوا الانقاض في مكانها، لكنا على استعداد تام لبنائها”، مؤكدا أن “الفساد جعل أطفالنا يعانون من المسير ثلاثة كلم يوميا ولابد أن يخرج الطفل قبل الدوام بساعتين”.

ما هو أصل المشروع؟

أين ذهبت أموال المشروع التي من المفترض انها سلمت الى شركات من القطاع الحكومي والخاص، وهنا كان لابد من العودة الى العاصمة، حيث خرجت الاموال من وزارة التربية واودعت في احدى المصارف في العام 2011.

البحث في عقود مشروع الابنية الجاهزة أظهر ان دعوات المشروع وجهت الى شركات وزارتي الصناعة والاعمار وبواقع 600 مدرسة، اكثر من نصفها كان لشركة الفاو تحديدا، وهو العقد الاكبر بين عقود المشروع، وقد اخترناه أنموذجا وسط صعوبة الغوص في كل عقود المشروع المتشابهة.

في خضم عملية البحث، ظهر لنا أن شريك (الفاو) الحكومية من القطاع الخاص كان كل من شركتي (رودس) و(تاك سيرفس) اللتين وقعتا على العقد أصلا الى جانب الوزير، وحصلتا على اكثر من 70 بالمئة من أموال المشروع بعد أن كان من المفترض أن تكون الأغلبية للقطاع الحكومي بصفته العامة، وهو ما يوضح اسبابه المفتش العام الحالي لوزارة الاعمار ماجد الصالحي بالقول، إن “وزارة التربية اتفقت أساسا مع شركات عربية لبناء هذه المدارس، والأخيرة وجدت نفسها بحاجة لضمان اموالها، لذا اتخذ قرار بادخال شريك حكومي، فكانت شركات وزارة الاعمار والاسكان ووزارة الصناعة، وعلى هذا الاساس وجهت دعوات الى الشركات الحكومية للدخول مع تلك الشركات”.

حصلنا بعد عناء على وثيقة  تظهر مصير الابنية المدرسية في ذلك العقد، لتوجه فيها الجهات التربوية الرسمية في مختلف مرافق البلد، ومعهم وزير التربية محمد تميم الانذار الى شركة الفاو الحكومية وشريكيها من القطاع الخاص روديس وتاك سيرفس بعد عامين من الانطلاق نتيجة للتلكؤ وعدم التنفيذ. 

Image

وثيقة تتضمن إقرارا وزارة التربية بتلكؤ المشروع بعد عام على بدايته

بداية الايداع وضياع الاموال

قبلَ خمسِ سنواتٍ، أودعتِ الحكومةُ العراقية في مصرف دار السلام الواقع في وسط بغداد أكثرَ من 200 مليارِ دينار (نحو 170 مليون دولار) لغرض تمويلُ بناءِ 1700 مدرسةٍ في عرض البلاد، هُدّمت المدارسُ القديمة، و لم يُبن شيء مكانَها. واختفت الأموالُ من مصرف دار السلام بشكل غامض.

Image

بناية مصرف دار السلام في بغداد

تظهر إحدى الوثائق التي حصلنا عليها بعد شهور من البحث، والصادرة من مكتب المفتش العام لوزارة الاعمار ان الـ200 مليون دولار أودعت في دار السلام، لكن المقاول سحبها منفردا، اضافة الى 50 مليون دينار أخرى اختفت، بشكل منافٍ لشروط العقد التي تنص على ان يتم السحب بوجود ممثلي الشركات الحكومية والقطاع الخاص.

Image

وثيقة صادرة عن مفتش عام وزارة الاعمار والاسكان توضح اختفاء أكثر من 200 مليون دولار من أموال المشروع

بعد التقصي والتدقيق اتضح بأن شركتي القطاع الخاص (روديس)، و(تاك سيرفس) عائدتان لنفس الشخص، وهو المقاول فيصل أسعد الخضيري، حيث تم ايداع سلفة العمل البالغة 60 بالمئة في آحد المصارف الاهلية، وهو مصرف دار السلام على ان تجري السحوبات بحضور مدراء شركتي القطاع الخاص والحكومي حصرا.

وظهر أن الخضيري قام بسحب أكثر من 180 مليار دينار من هذا الحساب، دون معرفة اغراض السحب، كما ظهر ان 50 مليار دينار اختفت من الحساب في مصرفه، وبسحب فردي من قبله.

كما يذكر هذا الكتاب الذي حصلنا عليه بعد اشهر من التقصي، وتم رفعه من مفتشية وزارة الاعمار الى هيئة النزاهة في العام 2013.

Image

وثيقة بتوقيع المفتش العام لوزارة الاعمار والاسكان توضح سحب الخضيري للأموال منفردا 

عضو لجنة التربية في البرلمان العراقي السابق، ومدير تربية الكرخ في وقت المشروع، وأحد أعضاء اللجنة التي شكلت للتحقيق في المشروع  عادل الجنابي يؤكد أن فيصل الخضيري، هو المسؤول عن الاموال الحقيقي، مشيرا بالقول “تحدثت معه بشكل مباشر ذات يوم وقلت له أنت تسيء لاسم عائلتك وهي واحدة من أهم العوائل البغدادية المعروفة”.

ويبين “كنت أحد أعضاء لجنة التحقيق آنذاك، وسالت مدير مصرف دار السلام، عن كيفية سحب هذه المبالغ مع أن ذلك من صلاحية اللجنة المشتركة التي تضم مدير شركة الفاو والذي لم يستلم دينارا واحدا”لكن لم تكن هناك اجابات مفهومة.

اكتشفنا لاحقا أن المقاول (الخضيري) كان يملك حرية القرار في المصرف، بحكم كون والده رئيسا سابقا لمجلس ادارة المصرف، وأن لعائلته أسهما كثيرة فيه.. وهو ما تثبته وثائق سوق الاوراق للعام 2011 التي حصلنا عليها لاحقا، والتي أكدت أن والد الخضيري كان رئيس مجلس إدارة المصرف في نفس عام إيداع أموال المشروع كتامينات في المصرف المذكور.

Image

وثيقة تظهر أن والد الخضيري هو رئيس مجلس إدارة المصرف في عام اختفاء الأموال

المقاول الغامض

من هذا الرجل.. ولماذا لم يساءل على الرغم من كل الوثائق التي صدرت من مكاتب المفتشين والوزارات حول أموال عقود شركاته؟

هذا الرجل كان خفيا وغامضا، وباءت كل محاولاتنا للتعرف عليه بالفشل، فلا صورة، ولا ظهور إعلامي له، بل إن أغلب الجهات الرسمية كانت تحتفظ باسم الشخص دون معرفته أو اللقاء به، بمن فيهم شيروان كامل الوائلي مستشار رئيس الجمهورية والنائب السابق في البرلمان العراقي، والذي طالب اكثر من مرة بفتح تحقيق عن ضياع أموال المدارس المخصصة للمشروع رقم واحد، ففي رده على سؤالنا حول معرفته بشخص المقاول، يقول: “لا أعرفه ولم أشاهد له صورة، بل سمعت أنه رجل أعمال ويملك مصارف, ومن عادة رجال الأعمال الابتعاد عن الأضواء“.

البحث في عمّان

التقصي عن الخضيري قادنا الى عمان التي استقر بها بعد سحب المبالغ المذكورة من المصرف، من أجل الوقوف على حقيقة الرجل الغامضة، وبعد بحث عن عناوين الرجل وجدنا عنوانا لمقر شركته، وبعد توجهنا اليها تبين أنه لا وجود لهكذا شركة في العنوان المذكور، فجربنا الاتصال برقم الشركة المرفق بالعنوان بصفة مهندس عراقي مقيم في العاصمة الأردنية عمان، يسعى للحصول على فرصة عمل، لكن الارباك الذي أصاب المرأة التي أجابت انتهى بغلق الخط، وعدم الرد على محاولاتنا المتكررة.

Image

عنوان شركة الخضيري بحسب موقع غرفة تجارة عمان

عدنا الى العراق مجددا، ولم تفلح كل محاولاتنا بالبحث عن الخضيري سوى بالحصول على مستمسكاته الشخصية وعقود تسجيله لاولى شركاته التجارية في بغداد عام 1990 وعلاقاته السياسية التي انكرها الكثير، إضافة الى عنوان شركته السابق في منطقة الجادرية وسط بغداد، التي تحولت الى بناية مغلقة دون وحود آحد، كما شاهدناها للتأكد.

Image

نسخ عن المستمسكات الأصلية للمقاول الخضيري

ومع إشارة جميع الأدلة الى تورطه، كان لابد من لقاء الخضيري او من يمثله ومواجهته، للحصول على رد، فقد توصلنا لرقم وكيله في عمان عبد الجبار الخزاعي الذي كان حاضرا في آحد محاضر توقيع العقد مع وزير التربية نيابة عن الخضيري حسب محضر الاجتماع الذي حصلنا عليه، والذي أكد ما توصلنا اليه فعلا من سحبه الأموال، وأن والده كان رئيسا لمجلس ادارة مصرف دار السلام، ومن ان العائلة تملك أسهما في المصرف، لكنه عزا أسباب التلكؤ الى “أخطاء وزارة التربية في التصاميم والضغط، وحاجة موكله الى شراء المواد الاولية للتصرف بالاموال”.

Image

وثيقة تبين حضور عبدالجبار ممثلا للخضيري في محضر العقد مع وزير التربية

وحمل وكيل الخضيري في عمان، المصرف مسؤولية ضياع الاموال على اعتبار أن وجود الاسهم لا يمنع عمل المصرف بالقانون، قائلا “نعم نحن سحبنا الاموال، لكن فواتير المواد الاستيرادية التي اشتريناها بهذه الأموال موجودة“. وتساءل “هل يخرج دينار من أي مصرف دون أن يعرف وجهته”، لافتا الى أن “التفاصيل لدى البنك المركزي” .

التسجيل الصوتي لمحامي الخضيري

تمكنا من الحصول بعد عناء على وثيقة سرية صادرة من البنك المركزي، تؤكد ماجاء في سحب الخضيري للأموال، بينما تؤكد وثيقة سرية أخرى صدرت من القضاء، بان الرجل مدان بالتصرف بهذه الاموال، وأنه سحبها دون حق، لتكتمل بذلك الاثباتات لادانته.

Image

وثيقة صادرة من البنك المركزي لهيئة النزاهة تدين الخضيري بسحب الأموال

رأس الهرم

لم يتبق في خيوط اللعبة إلا رأس الهرم.. حيث قررنا أخيرا طرق أبواب وزارة التربية، محمّلين بكل هذه الأسئلة، لينتهي بنا المطاف للقاء المتحدثة باسم الوزارة في حينها هديل العامري، والتي اكتفت بتأكيد ما حدث، ورمي الكرة في ملعب القضاء، خوفا من الذهاب عميقا في الرد على التفاصيل، مبينة أن “المشاريع المتلكئة هي مشاريع الهياكل الحديدية والابنية الجاهزة، أو ما يسمى مشروع رقم واحد، لقد استلمنا هذه الملفات، ووجدنا أن لدينا عددا كبيرا من الديون، وعددا كبيرا من العقود غير المنجزة، ولم تستوف الشروط التي تخص هذه المشاريع وقد قمنا بدورنا نقلها الى الجهات المسؤولة”.

وتؤكد العامري أن “الوزير (السابق محمد اقبال) قام بسحب هذه الملفات، ورفعها الى لجان التربية والنزاهة النيابيتين، ومكتب المفتش العام في الوزارة، وناقش الأمر في مجلس الوزراء”.

القضاء والفصل

لم يختلف فصل القضاء في القضية عن قرار البنك المركزي الواضح في قرار مجلس القضاء الآعلى الذي تحصلنا بصعوبة بالغة عليه والذي يؤكد في قراره عند البت في القضية بآن الخضيري سحب الآموال منفردا دون وجه حق لكن رغم كل تلك القرارات التي غيبت عن العموم لم يحاسب الخضيري او أيا من المتسببن بحرمان الأطفال من  حق التعليم الطبيعي.

Image

وثيقة صادرة عن مجلس القضاء الأعلى تدين الخضيري بسحب الأموال دون وجه حق

مصير الحساب والتعقب

بعد مرور سبع سنوات وعشرات الوثائق التي حصلنا عليها تظهر وثيقتان صادرتان من مكتب المفتش العام لوزارة الاعمار، إحداهما في العام 2014 وتؤكد أن نسب الانجاز في المشروع لم تتجاوز الـ15 بالمئة في معظم المحافظات، والأخرى صدرت في 2017، وتؤكد بأن نسب الانجاز لم تتغير كثيرا، ولاسيما في مشروع شركة الفاو وشركتي الخضيري، حيث لم تبلغ سوى 9 بالمئة، والتي تمثلها عمليات هدم المدارس السابقة، ووضع الاسس فقط، على الرغم من سحب أكثر من 200 مليار دينار (نحو 170 مليون دولار) من حساب المشروع.

Image

Image

الوثيقتان أعلاه تثبتان أن نسب الأنجاز لا تتجاوز الـ15٪‏

نتائج المتابعات القانونية

بعد عرض النسخة المرئية المختصرة من هذا التحقيق في العام ٢٠١٧ بايام معدودة أصدر مجلس القضاء الأعلى قرارا بحبس المقاول الخضيري غيابيا لسبعة أعوام مع مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة وهو ما تمكنا بالمتابعة من الحصول على نسخة القرار، لتأكيد الأدلة التي طرحت، ولكن وعلى الرغم من القرار لم يتم ملاحقة المقاول ولم يتم المساس بأملاكه المنتشرة والتي أبرزها العقار القابع في منطقة الجادرية والذي تمكنا من الحصول على سند ملكيته العائدة للخضيري، وحتى اليوم لازال هذا المبنى موجودا دون أية إجراءات لتنفيذ القرار كما أن تواصلنا مع نواب على معرفة به أكدت بأن الخضيري دخل مرارا وتكرارا الى العراق فالنائب محمد الجنابي أكد لنا تواجد الخضيري في بغداد عقب القرار، وكذلك امتلاكه طائرة خاصة في مطار أربيل يتنقل بها داخليا.

Image

قرار المحكمة القاضي بسجن الخضيري غيابيا ومصادرة امواله المنقولة وغير المنقولة.

 Image

وثيقة تبين عنوان بناية يمتلكها الخضيري في بغداد

تحركات

قبل نهاية ولايتها عمدت الحكومة العراقية السابقة في نهاية العام ٢٠١٧ الى إحالة أوراق المتسببين من الوزراء في قضية عقود الأبنية المدرسية للتحقيق، وهم كل من وزير الإعمار والاسكان السابق محمد صاحب الدراجي، ووزير التربية السابق محمد تميم، لكن أيا من التحقيقات لم ير النور، ولم تعلن النتائج حتى بعد انتخاب حكومة جديدة العام الحالي، فيما تركزت الإجراءات على محاسبة صغار الموظفين بوزارة التربية من المشرفين على المشروع، ولم يتم التطرق لدور الوزراء والمدراء العامين ممن كانوا على تماس مباشر مع القضية.

يفعلها الكبار ويتحملها الصغار

 تحركات الحكومة وهيآة النزاهة صوب كبار المسؤولين الذين وردت أسماؤهم في التحقيق بفساد مشروع الأبنية المدرسية سريعا، ما تلاشت تحت ضغط التأثيرات السياسية لتحمل القضية مسؤولية ما جرى على صغار الموظفين من بعض المهندسين الذين أوكلت اليهم وزارة التربية متابعة سير عمل المشروع في السنوات السابقة، وهو ما دفعنا لمواصلة البحث وتحمل المسؤولية بالكشف عن الحيف الذي لحق بركب الصغار بينما لم يحاسب الكبار.

نتائج المتابعة والبحث

في العام ٢٠١٤ أصدر وزير التربية السابق محمد تميم كتاب شكر لثمانية من المهندسين المسؤولين عن متابعة عمل تنفيذ المشروع، لكن هؤلاء المهندسين لم يعلموا أنهم وبعد سنوات سيستلمون قرار محكمة النزاهة القاضي بتحميلهم المسؤولية، وإدانتهم بهدر المال العام، والحكم عليهم بالسجن ستة أشهر، تاركا المسؤول الأول عن ضياع المال العام طليقا.

Image

كتاب شكر صادر من وزير التربية السابق محمد تميم للمشرفين على المشروع

تعمقنا أكثر بالبحث عن حقيقة هذا القرار الذي استثى أصحاب الدرجات الخاصة من المسؤولين الذين ذكرت أسماؤهم في مسار تتبع ضياع آموال المشروع، وبالرغم من رفض المهندسين الكلام، خوفا على أنفسهم من تفاقم العقاب، ذهبنا آكثر للبحث والحصول على كل الوثائق التي ترتبط بقضيتهم للتقصي والربط بين الأدلة التي كان أهمها أن أحد المهندسين الذين حكم عليه ستة أشهر بهدر المال العام على قضية مشروع الأبنية المدرسية في العام ٢٠١١ والذي يدعى رائد إبراهيم إسماعيل، أثبتنا عبر الوثائق أنه تم تنسيبه للمباشرة بالعمل على المشروع من قبل وزارة التربية أصلا، وبتاريخ ١٣-١٢-٢٠١٢ أي بعد ما يقارب العامين من انطلاق المشروع، أي في نفس العام الذي أقرت الحكومة بتلكؤه حسبما أفادت الوثائق التي نشرناها في بداي التحقيق، وهو ما يدحض قرار المحكمة التي تتهم المهندس بهدر مال المشروع في العام 2011 أي قبل تنسيبه المذكور بأكثر من عام.

Image

قرار محكمة النزاهة الذي يدين المهندس رائد اسماعيل ابراهيم بالهدر في العام 2011 بسبب عمله بالمشروع

Image

الامر الاداري لمباشرة المهندس المذكور بعد أكثر من عام على قرار الادانة (السابق)

وتثبت الوثائق التي حصلنا عليها أن اللجان المشكلة من قبل الوزارة قد أكدت براءة المهندسين من كل ما نسب اليهم، إضافة الى حصولنا على كتاب من الآمين العام لمجلس الوزراء العراقي علي محسن اسماعيل العلاق، يوصي بتنفيذ القرار ٢٤٢ في سنة ٢٠١١ والذي يقضي بزيادة السلفة النقدية الأولية المقدمة للشركات المنفذة للمشروع من ٢٠٪ الى ٦٠٪ بطلب من وزارة التربية، وهو ما تسبب بحسب ما ذكرنا في التحقيق سلفا بهدر المال العام، ومخالفة القوانين التي تنص على تقديم سلف لا تتجاوز الـ٢٠٪ وفقا لنسب الإنجاز.

Image

قرار لجنة تقصي الحقائق في وزارة التربية القاضي بتبرئة المهندسين وتحميل الشركات المسؤولية

Image

قرار مجلس الوزراء بزيادة السلف من 20% الى 60% دون النظر الى نسب الانجاز

                                               ***

مع هدر أكثر من مليار دولار، وضياع أحلام الاطفال في صفيح مدارسهم البائسة، لم تقم الحكومات العراقية بأية إجراءات ضد المتسببين، بل اكتفت باعفاء بعض المدراء العامين في وزارتي الصناعة والاسكان والاعمار، دون معاقبة أبطال الرواية الحقيقيين، لتبقى فصول حكايا مدارس الوهم (رقم واحد) قابعة بين خزائن تحقيقات الحكومة دون أمل في أن يزال الغبار عنها.

إقرأ أيضا