التحرش الجنسي يتغلغل داخل المجتمع.. والمذنب تحميه العادات وقانون العقوبات

بات أمراً طبيعياً أن نتلقى يومياً أخبارا وقصصا عن تعرض النساء والفتيات للتحرش الجنسي في…

بات أمراً طبيعياً أن نتلقى يومياً أخبارا وقصصا عن تعرض النساء والفتيات للتحرش الجنسي في العراق، إنما لا يتخيل المرء التحرش بطفلة لا يتجاوز عمرها أربع سنوات. هذا ما حصل للشابة (سما) في طفولتها من قبل أحد المقربين داخل العائلة مما فاقم أثر لا على العلاقات العائلية فحسب، بل فاقم من من الحالة النفسية للناجية أيضاً، حيث عاشت تجربة تتجاوز حدود التحرش ويصل الى مستوى الاغتصاب، انما دون الوعي بها حينها.

تروي سما بصوت مرتعش ما عاشته في طفولتها، وتسترجع تفاصيل مشهد اغتصاب حصل في الخفاء، ورغم مرور سنين على تلك اللحظات التي أصبحت فيها فريسة سهلة أمام اعتداء كان سببها الترابط العائلي، بدت مشاعر الخوف، القلق والتوتر على ملامحها، قائلة: “كانت عائلة أبي مترابطة كثيرا ومنزلنا مفتوحا أمام أعمامي وعماتي، وصل الأمر الى درجة ان يعيش معنا أحد اعمامي في البيت، له غرفة خاصة به، كانوا يعتبرون بيتنا بيت العائلة الكبير، ذلك أن أبي أصغرهم سناً”.

كان العم الذي يسكن معهم يلحّ على “سما” للعب معها ويجلسها في حضنه، كان الأمر طبيعياً واعتادت عليه في اغلب الأوقات، خصوصا انها كانت طفلة صغيرة، ولا تعي أي شيء عن التحرش من الأساس. وتقول سما، “كان يأخذني للنوم في سريره، ويبدأ بتمرير يده على كل جسدي وتمسيده بلطف ونعومة الى أن يجعلني أسترخي في حضنه، ثم يأخذ بمداعبة المكان الحساس من جسدي مما يخلق عندي اللذة والاستمتاع”.

اعتادت سما على ذلك، وأحبته حسب قولها، كان شيئاً طبيعياً بالنسبة لها، واستمر الامر لعدة سنوات دون أن تفهم نوايا عمه. حين كبرت وأصبحت تعي محيطها، بدأت تشعر بأن هناك أمرا مريبا يحدث، لكن لم تفهم ما هو؟ سمعت من أخواتها اللواتي يكبرنها سناً، يرددن باستمرار حرص الفتاة على جسدها ونفسها ولا يجب أن تسمح لأحد الاقتراب منها. “من هنا بدأت معاناتي، عشت صراعاً مع نفسي، عرفت ان هناك خطأ ما، وقررت أن أبوح بالسرّ لأمي بما حدث معي وهي بدورها أخبرت والدي الذي منع عمي من دخول بيتنا مدى الحياة”.

على الرغم من مرور سنين طويلة على تلك الذكرى السيئة التي طبعها ذلك الرجل في ذاكرة سما، الا انها تتذكرها ولا تستطيع نسيانها. يصل الأمر أحياناً حسب قولها إلى عدم التفاعل مع محيطها ولا تريد التعامل مع أخواتها، وكذلك الأقارب والأصدقاء، ذلك ان الذاكرة المرّة تثقل كاهلها حتى في المدرسة ولا تملك قابلية الاستماع والتركيز على دراستها مما تدفعها للهروب منها بشكل دائم. وتقول، “أنا الآن اشعر بإهانة، ولا أستطيع التخلص منها، لهذا السبب أترك المدرسة لحين تحسن حالتي النفسية”. تبكي سما ولا تستطيع تكملة الرواية.

تقول المرشدة التربوية (هـ.ع) في المدرسة الثانوية التي تدرس فيها سما بمنطقة بغداد الجديدة وسط العاصمة، ان “الطالبة تتسم بمظهر لائق وانيق وبشخصية هادئة بالإضافة الى أنها تتمتع بقدرات علمية عالية وناجحة في جميع المواد الدراسية، لكنها غير مستقرة نفسيا وعاطفيا. لقد أصبحت منعزلة وتهرب من المدرسة بشكل مفاجئ حيناً، وتغيب عن الدوام لعدة ايام متواصلة حينا آخر”. تزورها هذه المرشدة التربوية في البيت أحياناً، لكنها ترفض الاستماع والحوار.

ترجع الباحثة التربوية هبة رمضان أسباب التحرش الجنسي الى دوافع كثيرة لدى المتحرش، منها النظر إلى التحرش على أنه وسيلة ترفيهية للتخفيف على النفس من العناء، فيما ينظر له المراهقون إلى أنه نوع من أنواع الرجولة. وتقول السيدة هبة رمضان في هذا السياق، “هناك خلل إدراكي يؤدي الى اعتقاد المتحرش بموافقة الضحية، ناهيك عن وجود تاريخ من الأمراض النفسية، كما ان هناك تاريخا سابقا من التحرش، وسجلا إجراميا، وانخفاضا بتقدير الذات، والقدرة على التعاطف مع ضحايا التحرش، إن التعرض إلى اعتداءات جنسية في الصغر، أو وجود نوع من العزلة الاجتماعية للمتحرش؛ يؤدي كل ذلك الى دفع الضحية للتحرش أو الاعتداء الجنسي.

تواكب “سما” المعالجة عند أخصائي في الأمراض النفسية والعصبية برفقة عائلتها بشكل دوري. ويشير طبيبها مشتاق الحجيمي، وهو استاذ الطب النفسي بكلية الطب/ جامعة بغداد في حديث عن حالة الشابة، الى تصدعات نفسية أثرت عليها وسببت لها نوعا من الكآبة الحادة نتيجة العزلة التي وضعت نفسها فيها. ويؤكد الأخصائي على ان “مواظبة العلاج، وكذلك النصائح والتوصيات، تخرج الفتاة من حالتها النفسية وما تعاني منه”.

لم تلجأ عائلة الفتاة الى القضاء، ولم ترفع الشكوى ضد المعتدي، ولذلك أسباب كثيرة، أولها صمت ناجم عن التقاليد الاجتماعية والموروثات العائلية، الأمر الذي يؤدي الى التمادي في التحرش والاعتداء الجنسيين. أما من الناحية القانونية والعقوبات المستوجبة بحق المتحرشين، فان قانون العقوبات العراقي حسب الناشطة والقانونية العراقية ثناء الكناني، لا يتضمن نصوص شديدة ورادعة لمن يمارس التحرش الجنسي، فضلا عن افتقارنا لإحصائيات قانونية ثابتة تحدد حجم الجريمة الجنسية أسوة بالبلدان الأخرى، والتي تُشرّع فيها قوانين رادعة ضد التحرش والاعتداء الجنسيين.

Image

الفتاة سما.. (العالم الجديد)

* كتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز لتدريب الصحفيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق، وتنشرها “العالم الجديد” حصرا.

إقرأ أيضا