تعرضت للعنف الأسري لأنها لم تنجب ولدا.. فكيف كان مصيرها؟

كانت “حياة” وحيدة والدتها، توفي والدها وهي لازالت صغيرة، ولا تتذكر ملامحه. كبرت ونشأت الفتاة…

كانت “حياة” وحيدة والدتها، توفي والدها وهي لازالت صغيرة، ولا تتذكر ملامحه. كبرت ونشأت الفتاة وسط بيئة اجتماعية محافظة، بمنطقة بغداد الجديدة في العاصمة بغداد. دخلت المدرسة وأكملت الصفوف الابتدائية، لكنها فشلت في اجتياز المرحلة الأولى في المتوسطة، ولم يساعدها أحد في ذلك. “لم يعطني أحد نصائح لمواصلة التعليم ولم يساعدني أحد، فتركت الدراسة”، كما تقول.

تالياً لزمت الفتاة الصمت في البيت، ولم يعد لها قرار سوى البقاء الى جانب والدتها والقيام بواجبات منزلية. تقدم لها ابن عمها للزواج وهي مازالت في سن السادسة عشر. لم تتردد والدتها بالموافقة على الطلب، ذلك انها كما تروي حياة، أرادت “الاطمئنان على مستقبلها”، وتم عقد القران والزواج في وقت قياسي. “كانت الوالدة هي من تقرر عني، كنت وحيدتها التي تريد ان تطمئن عليها، لذلك تسرّعوا بتزويجي من ابن عمي عقيل من طرف أُمي”.

مرّت الحياة الزوجية بهدوء واحترام الى تلك اللحظة التي انجبت فيها حياة طفلها الأول. بعدها تغير مسار حياتها ولم تعد زوجة مرغوبة، لأن الزوج ووالدته كانا ينتظران ولداً وليس بنتاً. وتقول حياة، “كان ينتظر عقيل، وكذلك والدته، مجيء الطفل بفرح كبير، واختارا له اسماً، واصبحت أم عقيل تنادي ابنها بـ(أبو خضر)، ولكني انجبت بنتاً ورفض زوجي حتى ان يختار لها اسماً، فسميتها بنفسي واخترت لها اسم زهراء”. من هنا انقلبت حياة الزوجة رأساً على عقب حسب وصفها، وتقول، “أصبح عقيل لا يطيق النظر الى وجهي، بينما تشتمني والدته دون سبب يذكر”.

بعد تعرضها للعنف والضرب عقب ولادة الطفل الأول، تلجأ الأُم الشابة الى والدتها وتشكو لها عن حالها، لكن الأم تنصحها بالصبر قائلة لها “المولود القادم سيكون ولداً، البطن الذي يحمل البنت يحمل الولد أيضاً”. تحمل حياة للمرة الثانية ويتوقف زوجها عن ضربها بانتظار ان تنجب له ولداً، ” كنت أدعو الله طوال فترة حملي الثاني ان يرحمني وألد ولداً، انما جاءت ابنتي الثانية وازداد جحيم حياتي”.

تتوقف حياة أثناء سردها العنف الذي تعرضت وتذرف دموعاً، تحديداً حين تتذكر الولادة الثالثة حيث انجبت ابنتها الثالثة. بعدما تخرج القابلة من غرفة الولادة، تدخل عليها أم زوجها وتلعن ذلك اليوم الذي دخلت فيه بيتها. “لقد بصقت في وجهي ووجه طفلتي المولودة تواً، أما زوجي فانهال عليّ ضرباً، ثم اختطف طفلتي من يدي ورفعها عالياً من قماطها كاد ان يسقطها أرضاً، بينما هربت اختاها فزعتين الى إحدى زوايا الغرفة”.

 

تقفز حياة، كما تروي، من فراشها لتتلقف الصغيرة وتخرج من باب الدار هرباً، وهي في حال ما بعد الولادة، لكنها تتذكر ابنتيها وتعود مرة أخرى لتراهما تصرخان أمام والدهما وهو يعنفهما صراخاً وضرباً. تركضان نحوها وتختبئان تحت ثوبها. “لقد ترك البنات في تلك اللحظة، وانهال عليّ ضرباً مرة أخرى، تحملت لكماته ريثما خرجت من الدار وحملت بناتي نحو الشارع”.

تعود الأُم الشابة المُعنَّفة الى بيت والدتها وهي تحمل معها صورة تعنيفها بعد لحظات من الولادة. تتوسل بوالدتها ان لا تعيدها الى زوجها وسوف تتهم ببناتها وتجد لمعيشتهن سبيلاً. بعد الاطمئنان على البقاء مع والدتها، تلجأ “حياة” الى جمعية خير النساء للإغاثة والتنمية في بغداد، والتي تقوم بتقديم الدعم النفسي للنساء المُعَنَّفات وإيجاد فرص عمل لهن.

وفيما خص حالة “حياة” تقول مديرة الجمعية السيدة ميسون، “كانت بحاجة الى الدعم النفسي بشكل خاص، وبعدما قدمنا لها ذلك، بدأنا نبحث على فرصة عمل تناسبها”. وقد نجحت الجمعية في العثور على عمل لها كسكرتيرة في عيادة إحدى الطبيبات في بغداد، فيما ساعدتها محامية متطوعة برفع دعوى التفريق بعدما ثبت العنف بحقها، ناهيك عن مساعدتها في الحصول على نفقة بناتها من قبل والدهن.

وتقول المحامية هديل العمراني في هذا السياق، “كان عملي تطوعيا وقمت بمساعدة الزوجة المُعَنَّفة من خلال الجمعية التي تكفلت بنفقات المحكمة، فيما تكفلت الزوجة بدفع الرسومات فقط”. تعيش حياة الآن مع بناتها ووالدتها وتعيلهن من خلال عملها، وتنهي سرد قصتها قائلة: “لا تزال آثار الضرب تؤلمني واحياناً استيقظ فزعة من نومي لأتأكد من أن الصغيرات الى جواري وأنهن بخير، لم أتجاوز كابوس زوجي السابق وهو يحاول ان يضرب ابنته التي لم يتجاوز عمرها بضع ساعات”.

*كتبت هذه القصة ضمن مشروع لمنظمة أنترنيوز لتدريب الصحفيين حول كتابة وإنتاج القصص الصحفية عن القضايا الحساسة المتعلقة بالنوع الاجتماعي (الجندر) في العراق.

إقرأ أيضا