السيسي العراقي

 بإمكان كلمة مثل (السيسي) بعد تعريتها من ( أل) تعريفها أن تكون أداة سخرية قد يستعملها مجموعة من الشبان العراقيين في مقهى، أو يتبادلها ثمِلان في حانة، أو بين امرأتين تقشران الباذنجان في المطبخ. إذ تعطي هذه الكلمة باللهجة العراقية معنى معيباً في أغلب الأحيان، ومغايرا لما قد يكون عليه الحال في اللهجة المصرية. وهي تفيد استحالة حصول أمر ما، ويمكن وضعها في قاموس (الاستحالات) العراقية الشعبية إلى جانب كلمات مثل (بالمشمش، بالعيد، من دبش، من يخضر الملح، من يبيض الديج / ك !) إلخ..

في مقهى الأدباء الواقع في محلة البجاري العشارية، في البصرة، أنصت خلسة إلى مجموعة من الشباب وهم يتداولون الحديث بشأن الصحوة المصرية ضد الأخوان. وحدث أن ذكر أحدهم وزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي – الذي كان له الدور الحاسم في إنهاء حكم الأخوان في مصر– متمنياً وجود شخصية في العراق تشبه هذا الرجل، فانبرى أحد زملائه متفكهاً على الطريقة العراقية، ومقاطعاً إياه بعبارة ساخرة – أذكرها في النهاية – خلفت موجة من الضحك.

مثل هذه الأحاديث تحيلنا إلى مسألة مهمة لا يجب مناقشتها لفترة طويلة، نظراً لوجود شواهد قائمة ومرئية ومسموعة، تثبت استحالة وجود تقاليد أو مؤسسة عسكرية غير مسيسة، ومستقلة في الوقت نفسه عن السلطة في العراق حالياً على الأقل، تحفظ للمواطن ماء وجهه ويستنجد بها إذا ما طالته أيدي الظلام. وبالتالي، يمكننا القول أن من يدير العراق في الوقت الحالي لا ينطبق عليه مفهوم الدولة المدنية المحمية بالجيش، إنما هناك أنظمة حاكمة تربطها مصالح شخصية ونفعية تتعلق بالفساد، وتفترق عند الاختلاف الذي ينتج لنفس الأسباب، إذا ما أحس أحد الأطراف بأن حصته مأكولة. إلا أن أسمالاً تظهر في النهاية، أثناء التقاتل بين هذه الأنظمة، لترتديها الاختلافات، وتلك هي أسمال العنصريات والطائفيات واللعب السياسي وراء الكواليس. 

جميع السلطات محصورة في قبضة رئيس الوزراء، بدءا من منصبه الرسمي، مرورا بالقائد العام للقوات المسلحة، وصولا إلى مناصب أمنية عليا أخرى يتقلدها على نحو مباشر، فضلا عن تدجين المؤسسات المستقلة: المحكمة الاتحادية، البنك المركزي، هيئة النزاهة، مفوضية الانتخابات، وغيرها. والسؤال هو: إذا كان هذا الحال، فمن أين ينفذ (السيسي) العراقي إن وجد، والذي يحاكي النموذج المصري، في الوقت الذي يمكن عدّ الأجهزة الأمنية والعسكرية والمخابراتية عبارة عن مجاميع تُسيّر بالأجرة من اجل ديمومة السلطة الحالية، بعضها مرتبط برئاسة الوزراء ويعمل عمل المرتزقة مثل (سوات) التي كانت آخر موبقاتها قتلها للمدرب محمد عباس بطريقة بشعة. والبعض الآخر لا يعدو عن كونه ميليشيا منظمة ومتلبسة بلباس العسكر : ( دمج ) إن جاز التعبير. أضف لذلك الصحوات وحمايات الوزراء والنواب والأجنحة العسكرية للأحزاب، الموالية منها إلى الحكومة أو تلك المناوئة. الأمر الذي يجعل من الولاء للوطن أمرا مستحيلاً، خصوصا إذا كان القضاء لدينا هشا إلى درجة قادته لتبرئة وزير التجارة السابق (المختلس) من تهم الفساد الموجهة إليه، وها هو الآن تتصدر أخباره الصحف بعد محاولته شراء نادي سوانزي ستي بطل كأس الأندية المحترفة وتاسع الدوري الانكليزي!. 

نعود إلى مجموعة الشباب في المقهى، وحوارهم، فعلى الرغم من استعمال المتكلم (المتمني) لـ (لو) التي تفيد لامتناع الجواب، إلا أن زميله أجابه ساخراً (أي.. من سيسي!). 

إقرأ أيضا