تضاعف الطلب على الإجازات المرضية يتسبب بتردي التعليم داخل مدارس الديوانية

سجلت مدارس الديوانية (180 كلم جنوب بغداد) ارتفاعا كبيرا في طلبات الحصول على إجازات مرضية…

سجلت مدارس الديوانية (180 كلم جنوب بغداد) ارتفاعا كبيرا في طلبات الحصول على إجازات مرضية بين المدرّسات، ما تسبب بنقص هائل في الكوادر التدريسية داخل مدارس البنات، والاضطرار الى الاستفادة من مدرّسات بديلات، الأمر الذي أثر كثيرا على استيعاب الطالبات بفعل تغير الطرق والأساليب بين المدرّسات.

وتقول الطالبة ريم علي محسن، في حديث لـ”العالم الجديد”، إن “تفوقي على مدار 12 عاما من الدراسة الابتدائية والمتوسطة مهدد بالنهاية تماما بفعل ما مررنا به خلال العام الدراسي الحالي، من تعاقب عدة مدرّسات على المواد التعليمية، كل واحدة منهن تطالبنا بنسيان طريقة سابقتها، الأمر الذي سبب إرباكا كبيرا في استيعاب المواد”.

وتعزو حالة عدم الاستقرار الدراسي هذه، الى “تمتع المدرسات بإجازات مرضية متكررة، ما يضطرنا للقبول بمدرسات بديلات يمارسن طرائق تدريس مختلفة تماما، وكلّ مدرّسة جديدة تطالبنا بنسيان ما تعلمناه وفقا للطريقة السابقة، الأمر الذي وضعنا في حالة إرباك شديد، وفوّت علينا سبل فهم المناهج”، مشيرة الى أن “حل هذه الأزمة التعليمية الوحيد هو بدخول معاهد التقوية لتعويض ما فات من دروس، ولكن بسبب تردي وضعنا المعاشي وعجز والدتي عن تأمين المصاريف الأساسية، فانا شخصيا لا أتمكن من ذلك”.

وتستطرد الطالبة ريم، بالقول إن “مدرسة الفيزياء التي جاءتنا مع بداية العام الدراسي، غابت فجأة بعد عشرة أيام فقط، بسبب حصولها على إجازة مرضية، بعدها جاءتنا مدرّسة أخرى بديلة، طالبتنا بنسيان ما تعلمناه على يد الأولى، كونه خطأً، وعقب مضي شهر من تلك الحادثة، اختفت المدرسة الجديدة لنفس السبب وهو حصولها على إجازة مرضية أيضا، لتحل محلها مدرّسة ثالثة طالبتنا بنفس الطلب، معتبرة أن طريقة تدريس سابقتها خاطئة، لكن الثالثة لم تستمر معنا طويلا، وسألنا عنها فعلمنا أنها منحت اجازة مرضية، حيث استمر تخبطنا بعدم وجود مدرسة للمادة حتى اوشكنا على الوصول لامتحانات نصف السنة، حيث باشرت مدرسة صغيرة السن علمنا أنها محاضرة، فحاولت جاهدة بما تمتلك من معلومات إفهامنا المادة إلا أنها لم تكن موفقة في ذلك”.

تراجع مستويات التعليم في العراق بصورة عامة والديوانية على وجه الخصوص، سببه الاهمال الواضح من قبل الحكومات الاتحادية والمحلية، وصراعها على إدارة تلك المؤسسات، إضافة الى تغييب القوانين، ناهيك عن قلة الابنية التي جعلت بعض المدارس ثلاثية الدوام، خاصة في المناطق الشعبية المكتظة بالسكان، ليضاف تحد جديد يتمثل في حصول اعداد كبيرة من الملاكات التدريسية في المحافظة على اجازات مرضية طويلة الأمد، أثرت سلبا على التلاميذ والطلبة.

في مركز مدينة الديوانية، تعرف واحدة من المدارس المتوسطة باسم المنطقة الخضراء، لوفرة ملاكاتها التدريسية وحظوة كوادرها بالقرب من أصحاب القرار السياسي، إذ تقول مديرتها التي رفضت الكشف عن هويتها واسم المدرسة، أن الأخيرة سجلت نسبة رسوب عالية وصلت الى 119 من أصل 150 طالبة في الصفوف المنتهية (الثالث المتوسط)”.

وتعزو المديرة في حديث لـ”العالم الجديد”، الأمر الى “كثرة الإجازات المرضية، كونها تسببت بتعاقب المدرّسات على كل مادة، وتغييرهن المستمر خلال فترات متكررة لا تتعدى الأيام، أدى الى تبديل طرائق التدريس، وتراجع استيعاب المناهج بالنسبة للطالبات، لاسيما فيما يخص المواد العلمية التي تعتمد على أسلوب المدرس الواحد في توصيل المادة”.

وتوضح أن “أكثر من نصف الكادر أي 23 مدرّسة من أصل 42 مدّرسة تحصل على إجازة مرضية، بواقع 15 إجازة طويلة (ستة أشهر)، وثمانية إجازات قصيرة (28 يوما)، وذلك في أهم أوقات الدراسة”، مؤكدة أنها “حركة أثرت سلبا على تقديم المنهج، واستمرار الطلبة في تلقيه من مصدر واحد”.

ويجيز قانون الخدمة الوظيفية حصول الموظف على إجازات مرضية براتب كامل على أن لا تتجاوز 28 يوما، إلا أن القانون تعرض للاستغلال من بعض الموظفين من خلال حصولهم على أوراق من أطباء متواطئين.

Image

وتؤكد مديرة المدرسة، على أن “جميع المدرسات اللاتي يتمتعن بالاجازات هن من أسر مرفهة ويتمتعن بصحة جيدة وعلاقات طيبة مع بعض اصحاب النفوذ أو زوجات الأطباء، الأمر الذي أثر سلبا على باقي زميلاتهن من نفس التخصصات، حيث دفع البعض الى العزوف عن تدريس المرحلة المنتهية، وإعلان العصيان بالتنسيب الى مدارس اخرى، فنتج ضغط في حصص بعض المواد التي وصلت الى 25 حصة في الاسبوع لكل مدرسة، ما دفعني للاستعانة بأحد المدرسين من المدارس المجاورة لاتمام المنهج، وعلى الرغم من عدم تهاونه في اداء مهامه، لكن ضيق الوقت وتراكم المادة لم يمنحاه فرصة للإبداع من أجل الوصول الى سبل معالجة الخلل عند الطالبات”.

وتختم كلامها بالقول إن “مقارنة مدرستي بأخرى في ريف الديوانية سيكون صادما، إذ بلغت نسبة النجاح فيها 100 بالمئة، ولم يتمتع أحد من ملاكاتها بإجازة مرضية، وهو أمر مخيب لنا كادارة مدرسة وللكثير من الطلبة وذويهم”.

من جهته، يقول مدير اللجنة الطبية الدائمة في دائرة صحة الديوانية، الدكتور احمد الخزاعي، أن “اللجنة تتألف من سبعة أعضاء، لا يحق لها رد طلب مواطن بغض النظر عن وظيفته او الجهة التي تطالبه بتقرير طبي، لكنها لا تروج بذات الوقت اي معاملة للمواطن، كما ان هناك لجنة استئنافية طبية يحق لها رد قرار اللجنة الاولية اذا ما طعن المواطن بقرارها”.

ويوضح الخزاعي، في حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “زيادة أعداد الملاكات التربوية في التقديم الى اللجان الطبية تعود الى التزام اللجنة بقانون العجز الصحي المرقم (11) لسنة 1999، تتيح للموظف طلب منح الاجازة المرضية التي تتراوح بين (90 و180) يوما قابلة للتجديد، تمنح بموجب لجنة اولية مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاص، ويخضع لفحص اللجنة المشكلة من سبعة اطباء، ولا علاقة لنا باعداد المتقدمين من الملاكات التربوية للحصول على قرارات طبية، ولا يحق لنا رد طلب اي منهم”.

ويبين أن “طلب الاجازة يمر بعدة مراحل منها إحالة المدرّسة الى المستوصف، ومنها الى المستشفى لتؤيد من ثلاثى أطباء اختصاص يوصون بالاحالة الى اللجنة الطبية الدائمة، فيراجع المحال الى المديرية العامة للتربية ويستحصل موافقة مدير عام التربية حصرا، ليحال منها الى شعبة اللجان الطبية، ليعرض على الطبيب المختص في اللجنة، ثم يمنح القرار المناسب، ويصادق عليه أعضاء اللجنة بعد رأي الطبيب المختص”.

ويؤكد مدير اللجنة الطبية الدائمة، أن “القانون المرقم 32 الذي أقرته وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يمنح الموظف حق رعاية ذوي الاعاقة من ابنائه براتب كامل، والتفرغ من العمل في المؤسسات الحكومية، وتخصيص راتب شهري ضمن شبكة الحماية لغير الموظفين، وأغلب مراجعي اللجنة من معيلي ذوي الاعاقة”، لافتا الى أن “مستشفى الديوانية العام، خلال شهر كانون الثاني (يناير) 2017، سجل 54 إجازة مرضية بتقارير طبية، فيما سجل لنفس الشهر من العام الحالي 238، في زيادة كبيرة تصل الى أكثر من أربعة أضعاف، وهذا التفاوت في أعداد المستفيدين يثير الريبة من اليات منح تلك الاجازات والضوابط المعمول بها”.

ولا يستبعد الخزاعي اتهامات حصلت “العالم الجديد” عليها من بعض المتحدثين، بتقاضي رشى على يد سماسرة ومعقبين مدعومين من مسؤولين ونافذين مقابل مبالغ تتراوح بين (500 و2000 دولار)، حسب القرار واحتساب الاجازة الاطول، كما لا ينفي تعرض الأطباء لتهديدات ومضايقات بسبب ذلك”.

الى ذلك، يقول مدير الموارد البشرية، في المديرية العامة لتربية القادسية، فاهم كريم، إن “نسبة كبيرة من الملاكات التعليمية والتدريسية تمتعت بالاجازات الطويلة، حيث بلغت إجازات الذكور (180) إجازة أما الإناث فقد بلغت (615)، منذ الاشهر الاولى للعام الدراسي الحالي، وحتى الان”.

ويتابع كريم، في حديثه لـ”العالم الجديد”، أن “التعليمات التي سبقت شهر شباط فبراير الماضي، كانت تحتسب راتبا كاملا لمن يتمتع بالاجازة الطبية، لكن الأمر الوزاري بعد تلك الفترة، أوعز باستقطاع المخصصات المهنية البالغة (150)، الف دينار اضافة الى استقطاع مخصصات النقل لما بعد هذا التاريخ”.

يذكر أن وزارة التربية السابقة منحت لكوادرها حق التمتع بالاجازة المرضية دون استقطاع المخصصات المهنية او اجور النقل، لكنها ألحقتها في 31/01/2019، بتعليمات جديدة قررت استقطاع مخصصات المهنة والنقل في حال زادت الاجازة المرضية عن 28 يوما خلال السنة الوظيفية.

إقرأ أيضا