كابوس “التحرش” يقض مضاجع فتيات “المنصور”

في حي المنصور الراقي وسط العاصمة بغداد، وأمام أحد أفخم مطاعمه، وجدت الإعلامية والمدونة همسة…

في حي المنصور الراقي وسط العاصمة بغداد، وأمام أحد أفخم مطاعمه، وجدت الإعلامية والمدونة همسة ماجد نفسها محاطة بمجموعة من الشباب المتحرشين، وبدلا من الاستجابة لصراخها المتواصل ضدهم من أجل السماح لها بالمرور، تلقت تهديدات بالاعتقال والضرب من قبلهم، كونهم أصحاب نفوذ داخل الدولة، ما اضطرها لمكافحتهم بالبث المباشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي والطلب من متابعيها النجدة، الأمر الذي أحدث جدلا شعبيا ورسميا، واستدعى تدخلا عاجلا من قبل السلطات التي سارعت لاعتقالهم.

تسلط هذه الحادثة التي جرت قبل شهر تقريبا (18 آب أغسطس الماضي)، الضوء على ظاهرة التحرش التي تنامت مؤخرا في أكثر الأحياء عصريةً و رُقيّا، وتتمتع فيه الفتيات والنسوة عادةً بنسبة كبيرة من الحرية.

إذ تروي ولاء محمد (23 عاما) بأسى ممزوج بالحياء، آخر حالة تحرش مرت بها في حي المنصور، حديثها لـ”العالم الجديد”، قائلة “قبل أيام وخلال ذهابي وقت الغروب الى صيدلية ابن النفيس (إحدى أشهر صيدليات الحي) والواقعة قرب منزلنا، لشراء أدوية خاصة بوالدتي، تعرضت لجملة من حالات التحرش أسمعني مطلقوها كلاما بذيئا ووصفا لجسدي رغم أني ارتدي الحجاب”.

وتعبر ولاء التي تنتمي الى أسرة مكونة من أبوين وأختين، عن استيائها من “تنامي حالات التحرش في شوارع المنصور بطريقة غير مسبوقة، حتى أن الأمر أخذ يُشعرني بنوع من الإرهاب، ويُريني العالم من حولي، وهو ينهش جسدي”.

وتوضح الفتاة العشرينية، أن “غالبية التحرش يقع في شارع 14 رمضان (من أشهر شوارع حي المنصور)، وبالقرب من مطاعمه الشهيرة، إذ تعتبر تلك الأماكن معاقل المتحرشين الذين تتراوح أعمارهم ما بين (٢٥ وحتى ٤٥ عاما)، ينحدر غالبيتهم من خارج الحي، بل من خارج العاصمة، ومعظمهم يرتدي الزي العربي، فيما تُشعرنا نظراتهم وتصرفاتهم البشعة بحالة من القلق”، مبينة بأنهم “يركبون سيارات حديثة كالرانج روفر، والجكسارة، واللكزز، وبكل صلافة ووقاحة يوقفون سياراتهم امام أية فتاة ترتدي ملابس أنيقة، واقفة أو تمشي ليتحرشوا بها، ويطلبوا منها الركوب معهم بكل صلافة، وحينما تتجاهلهم يلقون عليها ألفاظهم البذيئة الجارحة والخادشة للحياء”.

ما هو أشد مرارة، تلفت “ولاء” خلال شكواها، الى أن “غالبية المتحرشين هم من منتسبي الأجهزة الأمنية أو ممن يعملون في مؤسسات حكومية بمناصب رفيعة أو ينتمون الى جهات حزبية أو مسلحة أو عشائرية، وهذا ما يفسر عدم تحرك رجال الأمن لمحاسبة هذا النوع من المتحرشين”.

Image

هذا الأمر جعل الشابة العشرينية التي تخرجت العام الماضي من كلية إدارة الأعمال بجامعة بغداد وتبحث عن فرصة عمل، تفكر بالهجرة بحثاً عن الامان والحرية، قائلة “منذ حادثة التحرش الأخيرة وأنا أمارس ضغطا كبيرا على والديّ لاقناعهما بالسفر من أجل ضمان سلامتي وسلامة شقيقتي التي تعمل موظفة في شركة أهلية، الا ان والدي لازال يعارض لارتباطه بعمل في بغداد”، منوهة الى أن عمّها كان يسكن في شارع الرواد بالمنصور، و”بعد أن واجهت بناته الثلاثة الكثير من حالات التحرش، اضطر الى ترك منزله والعيش في أسطنبول بتركيا حفاظا عليهن واتاحة الحرية المطلقة لهن في التحرك”.

وليس ببعيد عن ولاء، تتعرض سُرى فاضل (27 عاما) التي تسكن مع عائلتها قرب تقاطع الرواد وسط الحي، للتحرش بشكل شبه يومي، إذ تعزو في حديثها لـ”العالم الجديد”، ارتفاع حالات التحرش في المنصور الى “قناعة المتحرشين بأن بنات المنصور أكثر تحررا، ولا يرتبطن بأعراف عشائرية تحاسبهم، الأمر الذي يسوغ لهم ارتكاب هذا الجرم دون التعرض للملاحقة العشائرية، ولا حتى القانونية”.

حتى وصل الوضع، كما تقول سُرى، الى تعرض بعض النساء والفتيات للتحرش وهن مع عوائلهن أي برفقة الأب أو الأخ أو الزوج أو حتى الابن، فيما يتجاهل أغلبهن المتحرش، تجنبا للمشاكل رغم كل ما يظهرونه من وحشية وقباحة، قد يصل معها التحرش باللمس”.

وتكمل المتحدثة شهادتها، بالقول “تعرضت قبل أسبوع الى تحرش من نوع غريب جدا، حين وقف أمام سيارتي رجل يبلغ من العمر قرابة الـ40 عاما، وكان يحمل على خصره مسددا، فقال لي أريد التعرف عليك، وحين أجبته، أسمعني كلاما يتضمن إيحاءات تتعلق بجسدي، وحين طلبت منه التوقف وتهديده بالاتصال بأهلي، توقف لكنه أصر على أخذ رقم هاتفه، متفاخرا بامتلاكه سيارة نوع جكسارة اكس 6 وأرصدة مالية في البنك، وأخيرا قدم عروضه بالسفر معه الى دبي أو اسطنبول، وكأنني بنت ليل”.

أما شهد محمد (25 عاما)، فتؤكد الحالة بالقول إن “التحرش في منطقة المنصور على ما يبدو بات امراً طبيعيا، ولا توجد هناك حرية للنساء أثناء تجوالهن في المدينة”.

وتروي شهد لـ”العالم الجديد”، تجربة مختلفة “تعرضت لتحرش جسدي من قبل أحد المارة في شارع ١٤ رمضان قرب محل لبيع الملابس، وأثناء انتظاري سيارة تاكسي لتقلني الى البيت، فقام المتحرش بالاعتداء الجسدي والتلفظ بكلمات بذيئة منفرة، والغريب في الامر أن أحدا لم يتدخل لا من أصحاب المحال القريبة ولا من العناصر الأمنية المنتشرة هناك، ولم يذهب إلا بعد أن هددته بالاتصال بأهلي”، منبهة الى أن “ذروة حالات التحرش تظهر وبشكل مخيف في منطقة ١٤ رمضان من الساعة ٦- ٩ مساءً، وهو الوقت الذي تزداد فيه حركة المتبضعين”.

Image

ولم يكتف المتحرشون بالانتشار في شوارع المنصور، بل إن الظاهرة تسربت الى أصحاب محال بيع الملابس النسائية، إذ تروي نور علي (22 عاما) قصتها بالقول “أثناء تجوالي مع والدتي في مول المنصور (أحد أبرز معالم حي المنصور)، دخلت أحد محال الملابس للتبضع، حيث دخلت والدتي غرفة قياس الثياب، فاستغل البائع الأمر، وأصر علي بضرورة أخذ رقم هاتفه، وطلب مني الاتصال لاحقا”.

وتستطرد نور بالقول “رغم امتناعي عن الاتصال به، إلا أن نظرات البائع المخيفة خلفت بداخلي رعبا لا أنساه، خصوصا وأني لم أستطع البوح لوالدتي بما حصل بسبب خوفي عليها من الغضب، كونها تعاني من مشاكل صحية”.

وتشير الى أن “المئات من فتيات المنصور يعانين من كابوس التحرش، وأصبحت مسألة الخروج للتبضع أو الترفيه في شارعي (14 رمضان) و(الرواد) وغيرهما صعبة جدا لأنهن يواجهن متحرشين شرسين، وكأنهم مصابون بالسُعار أو أي مرض نفسي مستعصٍ، قد يوصلهم الى ارتكاب جريمة الاغتصاب في ظل انعدام الرادع، وتنامي تلك الظاهرة يوميا”.

في الأثناء، تحمّل الأستاذة الجامعية والناشطة الحقوقية بشرى العبيدي في اتصال هاتفي مع “العالم الجديد” وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطني ومجلس القضاء الأعلى، ما تتعرض له النساء والفتيات من تحرش في بغداد وعموم مناطق العراق، وذلك لـ”فشلهم في إيجاد حل للحد من تلك الظاهرة”.

وتطالب العبيدي، التي لم تسلم هي الأخرى من التحرش أثناء تجوالها في شوارع بغداد، الجهات المعنية أعلاه بـ”تفعيل عقوبات صارمة، من شأنها تحقيق الرادع المطلوب”، متساءلة بالقول “لماذا لا تستطيع وزارة الداخلية الحد من هذه الموضوع.. هل أن مسؤوليها متواطئون مع المتحرشين، لكونهم ذكورا مثلهم، أم أن هناك سببا آخر”.

ولم يتسن لـ”العالم الجديد” الحصول على تعليق من وزارة الداخلية، رغم عدة محاولات بهذا الاتجاه.

إقرأ أيضا