متظاهر شاب في الديوانية يتنبأ بمقتله ويستبدل الزفاف بنعش

يفرش (علي) في ساحة الساعة الواقعة وسط مدينة الديوانية (180 كلم جنوب بغداد)، ملابس زفاف شقيقه…

يفرش (علي) في ساحة الساعة الواقعة وسط مدينة الديوانية (180 كلم جنوب بغداد)، ملابس زفاف شقيقه (سجاد) الذي لم يتجاوز الـ25 ربيعا، وقتل في 25 تشرين الأول أكتوبر الماضي، مع 11 متظاهرا في ليلة لم تشهد المدينة مثلها منذ العام 2003، وذلك تعبيرا عن حونه العميق.

كانت الأسرة قد أنهت استعداداتها لإقامة حفل زفاف سجاد، غير مكترثة لحديثه مع أصدقائه عن موته الوشيك قبل أسبوع من ذلك التاريخ، حين كان معهم في زيارة أربعينية الامام الحسين بن علي بمدينة كربلاء، فقد كان يحفزهم على المشاركة في تظاهرات الـ٢٥ من أكتوبر حتى لو سقط “شهيدا”، لكن أصدقاءه طلبوا منه عدم الخوض في هذا الحديث. وفي الجانب الاخر، كانت عروسه تجهز مع أسرتها لوازم الحفل، وتتصل كل حين بخطيبها لتناقش معه التحضيرات.

Image

في 25 أكتوبر الماضي، خرج مئات المواطنين في مدينة الديوانية (180 كلم جنوب بغداد)، للمطالبة بإصلاحات سياسية واقتصادية وخدمية، كان المشهد أشبه بيوم زفاف وطني، أغانٍ واناشيد وتبادل للأعلام والأزهار بين المتظاهرين والأجهزة الأمنية عصرا، يتحدث الجميع عن نموذج يُقتدى به بين المدن المنتفضة لسلمية المشهد، لكن لا أحد يعرف كيف تسارعت الاحداث دون سابق انذار.. صوت إطلاق النار والرصاص المتطاير عم في المكان، الشباب هرعوا بين الازقة، والدخان المسيل للدموع يلاحقهم، يستشيط المتظاهرون غضبا إذ توجهوا صوب مقار الأحزاب السياسية في المحافظة.. ووجهوا بصراخ وطلب نجدة في احد المباني الحزبية، تجمهروا حول المكان، حاولوا يائسين اخماد النيران، تأخرت النجدة، سكت صراخ المحتجزين وسط النيران المتصاعدة والدخان، مرت ساعتان حتى تمكنت فرق الدفاع المدني من الوصول والسيطرة على الحريق، وعند وصول فرق الأدلة الجنائية لم تتمكن من التعرف على غالبية الجثث التي تفحمت.

اتصلت العروس ليلة حفل الحناء عدة مرات لكن “سجاد” على غير عادته لم يرد، كانت تأمل الحصول على رد من أخيه الأكبر والوحيد “علي” الذي فقد الاتصال به أيضا، فخرج بحثا عنه، ولم يترك مكانا تواجد فيه المحتجون إلا وتوجه اليه، لقد كان علي يعلم في داخله انه في ذلك المكان، لكنه حاول التغاضي عن الفكرة، فجميع أبناء المدينة علموا ما حدث هناك، اخبره احد الأصدقاء أن يذهب الى الطب العدلي في مستشفى الديوانية التعليمي، وجد مئات المواطنين متجمهرين في الباب، كل جاء يبحث عن ابنه او أخيه، دخل ثلاجة الجثث، وراح يستعرضها للتعرف على سجاد، كان الوجه متفحما بالكامل، لكن الندبة في صدره، والخال في يده اليمنى، كانتا كافيتين للكشف عن هويته، حينها تأكد من جثة شقيقه، أغلق هاتفه النقال، وأسلم عينيه للدموع، ولم يكن يعرف طريقة يجيب بها على أمه أو عروس شقيقه.

رجع علي الى منزله، وفي صمته أمام عيني أمه عدة قصص بلا نهايات، علمت الأم بالخبر.. صعقت من النهاية السريعة لولدها.. صغيرها المدلل الذي يملك سيارة خاصة به اشتراها من ماله بمبلغ تجاوز الـ35 ألف دولار امريكي، لم يكن بحاجة الى التوظيف أو المال، بل خرج مع أبناء مدينته طلبا للكرامة ومستقبل أبناء لم يكن مقدرا له انجابهم وتربيتهم، حرمت العروس ليلة حنتها من فرحة تحلم بها كل الفتيات، وزف لها نبأ موت العريس وبدلا من تلقي التهاني حلت محلها كلمات العزاء.

Image

ويقول علي في حديث لـ”العالم الجديد”: “لست آسفا على موت سجاد، فقد زف الى وطنه بدلا من عروسه، فأي كرامة تلك التي نالها”، داعيا أصدقاءه الى “عدم التفريط بدماء الشهداء ممن ضحوا من أجل بلدهم وكرامة شعبهم”.

وبدلا من السير بين رفاقه في موكب زفاف، تحول جسد سجاد الى نعش يحمله مواطنون من أهالي الديوانية ضمن 21 نعشا في تأبين كبير تتخلله الشموع وهي تنير صور الضحايا، تلتها صلوات الغائب وقراءات للقرآن.

يذكر أن مدنا عراقية عدة وسط وجنوب البلاد شهدت احتجاجات وتظاهرات في الاول من أكتوبر الماضي، سرعان ما تحولت الى اعتصام في 25 من الشهر ذاته، حيث حاولت السلطات العراقية انهاءه باستخدام العنف المفرط الذي أدى الى سقوط مئات القتلى والاف المصابين، وسط بيانات شجب دولية.

إقرأ أيضا