غرفة في الهند.. مسرحية باريسية بنكهة عراقية

عادة ما نتوقع في فترة الأعياد أن تصلنا أنواع مختلفة من الهدايا، كالتهنئة بكلمة طيبة…

عادة ما نتوقع في فترة الأعياد أن تصلنا أنواع مختلفة من الهدايا، كالتهنئة بكلمة طيبة أو وردة أو دعوة طعام أو أجهزة الكترونية وغيرها من الهدايا التي تعتمد على إمكانيات وخيال من يهدي. ولكننا حصلنا في هذا العيد على هدية متميزة، أسعدتنا أنا وزوجتي أكثر من كل الهدايا التي وصلتنا طيلة السنوات السابقة.

كانت الهدية عبارة عن دعوة من صديق الطفولة الفنان المسرحي سمير عبد الجبار لحضور مسرحية (غرفة في الهند) لمسرح الشمس الفرنسي في باريس، سبقتها دعوة للغداء و لقاء جميل أعقب العرض بين الجمهور والممثلين.

Image

لقد كان العرض هو الأخير للمسرحية الرائعة بعد استمرار ثلاث سنوات ماضية وبشكل متواصل، وقد تم عرض هذا العمل المبهر في عدد من دول العالم أيضا، محققا نجاحا منقطع النظير، بعد أن تم التدريب على العمل لسنة كاملة في الهند.

مدة العرض المسرحي هي ثلاث ساعات و45 دقيقة، و تناول النص قضايا إنسانية وبيئية وسياسية واجتماعية وأساطير عالجت المشاكل التي تواجهها البشرية بشكل عام و يتمحور العرض عن العالم والإنسانية بمشاهد تضمنت لغات مختلفة (الفرنسية، الانكليزية، الروسية، اليابانية ، الهندية، الايطالية، العربية، …. الخ).

يبدأ العرض من داخل غرفة في الهند ويعود في النهاية إلى نفس الغرفة بعد أن أوصل للجمهور قضية إنسانية معينه طيلة ساعات العرض.

Image

تخلل العرض مقطوعات موسيقية ورقصات كان الغاية منها إيصال رسائل المسرح الملتزم التي ذكرتنا بأيام السبعينيات في العراق حين كنا (أنا وزوجتي) طلبة في جامعة الموصل وكنا نحرص على حضور كل مسرحية جادة وملتزمة في بغداد وبالأخص عروض فرقة (مسرح الفن الحديث) وكنا نفتخر برموز مسرحنا العراقي الأصيل آنذاك كالفنانين المبدعين (زينب، وناهدة الرماح، ويوسف العاني، وخليل شوقي، وعميد المسرح العراقي سامي عبد الحميد)، وما زلت أتذكر جيدا عندما يلقي الراحل سامي عبد الحميد النص المسرحي، كيف كان ينقلنا في رحلة جميلة ممتعة ليس لعمق وجمال النص فقط، بل لطريقة الإلقاء المتميزة.

كان للغة العربية حضور مميز في العرض المسرحي “غرفة في الهند”، والتي أبدع في تقديمها فناننا العراقي سمير عبد الجبار الذي ولد في كربلاء في خمسينات القرن الماضي، وأكمل دراسته الابتدائية والمتوسطة فيها، وكان منذ نعومة أظفاره متذوقا محبا للمسرح فالتحق بمعهد الفنون الجميلة بداية سبعينات القرن الماضي، وتخرج بتفوق من قسم المسرح عام 1975 ثم سافر الى فرنسا عام 1981 ليلتحق بالمدرسة المتخصصة العليا للتطبيقات الفنية بجامعة السوربون في باريس فحصل على شهادة الليسانس (البكالوريوس) عام 1986 ثم استمر بدراسته العليا في المسرح، متناولا في بحثه “التأثير المسرحي في السينما الألمانية الجديدة”, لقد عمل سمير في العشر سنوات بإدارة برج إيفيل الشهير ثم تفرغ بعدها للمسرح، وأسس فرقته الخاصة التي اسماها “فرقة قوس قزح”، حيث قدم عمله المسرحي الأول “مسرحية الغائب” التي استوحى فصولها من رواية “أصوات محذوفة” للروائي العراقي محي الأشيقر، وقصة “سماء مكفهرة” للكاتب العراقي جبار ياسين، واستمر في عطائه الفني بين المسرح والتلفزيون والسينما، فشارك بمسرحيات عديدة في فرنسا وخارجها وشارك في بعض الأدوار السينمائية، وقدم أعمالا كوميدية للتلفزيون الفرنسي عبر القناة الشهيرة “كانال بلوس”.

 Image

أسند لسمير عبد الجبار في مسرحية “غرفة في الهند” الأدوار ذات النصوص العربية وباللهجة العراقية، التي طرحت مشكلة التطرف وداعش ومظالم الشعبين العراقي والسوري وشعوب عربية أخرى، وكانت أدواره متنوعة, فقدم دور المواطن العراقي البسيط، وقدم شخصية أحد أفراد داعش أيضا ودور شخص خليجي، وأبدع في تقديم دور المهاتما غاندي بعد أن نجح الماكير بجعل ملامحه تتشابه إلى حد كبير مع ملامح المهاتما غاندي، إضافة الى ادوار أخرى مع باقي أعضاء فرقة العرض المسرحي التي يقدر عددها بحوالي  100 شخص.

تميز العمل بنقاط عديدة منها الإجادة المذهلة في استخدام التكنولوجيا والمؤثرات الضوئية والصوتية والفيديوية، فكان بحق مدرسة مسرحية راقية ونادرة بحد ذاته، تقوده المبدعة (اريان منوشكين) الأكثر شهرة في المسرح العالمي المعاصر وهي فرنسية من أصول روسية.

Image

وما زاد العرض جذبا وإثارة هو دقة التنظيم (بما فيها طريقة تنظيم جلوس الجمهور)، والديكور والكواليس ، والغناء وإجادة الأداء باللغات الأجنبية الأخرى والأهم من هذا وذاك هو تاريخ مسرح الشمس الذي يعود في تأسيسه الى العام 1964.

لقد دفعنا هذا العرض الرائع الذي ودعنا فيه عاما واستقبلنا فيه عاما آخر أن لا نفكر إلا في أمنية واحدة وهي رؤية مسارح مشابهة في العراق خصوصا وأنه البلد الرائد في هذا المجال.

Image

    الكاتب عبدالمهدي الحافظ: رئيس المنتدى العراقي في فرنسا

إقرأ أيضا