وكالة بريطانية تكشف عن سعي أمريكا لاجتزاء “دولة سنية” بعد تضاؤل تأثيرها في العراق

تترجم “العالم الجديد” نصاً تثريرا لوكالة “ميدل ايست اي” البريطانية أعدته الكاتبة الصحفية سؤدد الصالحي،…

تترجم “العالم الجديد” نصاً تثريرا لوكالة “ميدل ايست اي” البريطانية أعدته الكاتبة الصحفية سؤدد الصالحي، يخلص الى أن سعي الأحزاب الشيعية لإخراج القوات الامريكية حدا بادارة البيت الأبيض المضي في مشروعها لتكوين منطقة حكم ذاتي في الانبار وما حولها لإدامة بقائها في العراق.

وقد صرح مسؤولون رسميون من العراق والولايات المتحدة بأن تصاعد دعوات حشر الولايات المتحدة في زاوية، وتقليل دورها في العراق في الأسابيع الماضية حثها للسعي في مشروع اقامة اقليم حكم ذاتي سني في المنطقة الغربية من العراق.

إن الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة الامريكية- كما صرح بذلك مصدر مسؤول- كانت استجابة لمحاولات الاحزاب العراقية لإخراج القوات الامريكية من العراق، يمثل العراق ارضا ستراتيجية تربط بين ايران وحلفائها في سوريا ولبنان وفلسطين .

ان اقامة منطقة  سنية عازلة في غرب العراق مسيطر عليها من قبل الولايات المتحدة، سوف يحرم ايران من استخدام الطرق البرية للوصول الى سوريا، كما يحرمها الوصول الى الشواطئ الشرقية  للبحر الابيض المتوسط.

بالنسبة للولايات المتحدة الامريكية فان فكرة اجتزاء الاقليم السني تعود الى سنة 2007، حيث اقترحها في تلك الاثناء جو بايدن، والذي يتنافس حاليا  كمرشح رئاسي عن الحزب الديمقراطي.

 

“ان فكرة خلق اقليم سني كانت ولاتزال خيارا امريكيا, فلا يمكن السماح لإيران الوصول الى البحر البيض المتوسط او الاستفادة من الجسر البري الذي يصلهم بحزب الله ” (مسؤول امريكي سابق).

كان  من المؤمل لهذه الخطة ان تحكم سيطرة الولايات المتحدة على العراق وتمكن الحماية للسنة خلال سنوات الاقتتال الطائفي في العراق والذي ذبح من جرائه آلاف الابرياء من كلا الطائفتين السنية والشيعية، لكن معارضة خطة تقسيم العراق على اساس عرقي او طائفي، وكذلك اصرار الامريكان على ابقاء العراق موحدا أرجأ كل المحاولات قبل البدء بها.

إن المساعي لإخراج القوات الامريكية من العراق قد بث الروح في مشروع التقسيم وأصبح مشروع الإقليم السني واحدا من الخيارات المطروحة أمام الولايات الأمريكية لمواجهة الضغط الايراني, كما صرح بذلك مسؤول شيعي رفيع المستوى لوكالة “ميدل ايست أي”، طالبا عدم الكشف عن اسمه، كما اضاف ان وحدة العراق لم تعد اولوية للحكومة الامريكية، إن وصول الامريكان الى طرق مغلقة فيما يخص بقاء قواتهم في العراق سيحدو بهم الى تنفيد خطة التقسيم بقوة.

علاوة على ذلك فلقد أكد مسؤول امريكي على دراية بمشروع التقسيم ان “المشروع قد أخرج من الدرج، وهو الان على الطاولة”. إن المشروع امريكي وليس سنيا. ان تواجد القوات الامريكية كانت ولا تزال الضامن للسنة والكرد, فاذا ما غادرت القوات الامريكية فان خطة امريكا هي انشاء اقليم سني في غرب العراق لكبح ايران وقواتها في الشرق الاوسط. كما اضاف “اننا هنا نتكلم عن تأسيس بلد وليس اقليم اداري”.

تصاعد التوتر

منذ الغزو الامريكي للعراق في عام 2003 كان العراق ولازال ساحة للصراع بين واشنطن وطهران، لكن التوتر بين العدوين وصل ذروته في الثالث من كانون الثاني الجاري عندما قامت طائرة امريكية مسيرة اكبر جنرال ايراني وهو قاسم سليماني (قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الايراني) مع ابو مهدي المهندس نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.

ان اغتيال سليماني الذي كان مسؤولا عن العمليات الميدانية الايرانية في الشرق الاوسط والمهندس الذي أسس معظم المجاميع الشيعية المسلحة والذي يعد بمثابة اب روحي للمقاتلين, سبب موجات من الصدمة في كل العراق. حيث اجبر هذا الحدث السياسيين الشيعة وعدد من مواليهم وبضغط من المجاميع المسلحة ان يتوجهوا للبرلمان ويصوتوا لإنهاء سبعة عشر عاما من تواجد القوات الامريكية في العراق. ورغم ان التصويت الذي -جرى في الخامس من كانون الثاني- لم يكن ملزما الا انه ارسل رسالة قوية، بأن غياب اعضاء البرلمان السنة والكرد عن جلسة التصويت اظهر العلاقة الهشة بين قادة السنة وحلفائهم المدعومين من ايران، كما ان معظم الاعضاء المتغيبين ذهبوا الى اربيل او عمان خوفا من الثأر.

التطورات الاخيرة في العراق حدت بهم (القادة السنة) لان يبحثوا عن خيارات اخرى وعلى راسها الاقليم السني- كما صرح بذلك لوكالة “ميدل ايست اي” أحد الساسة السنة، ففور وصولهم الى أربيل وعمان اجتمعوا بمسؤولين امريكيين “لمناقشة الخيارات لكلا الطرفين”.

في الساعات المبكرة للثامن من كانون الثاني استهدفت ايران قاعدتين عراقيتين  تستضيفان قوات امريكية ,احداهما في الغرب من العراق والثانية في شماله, بصواريخ بالستية ولم تسفر عن ضحايا. بعد اقل من اربعة وعشرين ساعه  طار  ,ديفيد سكينر, مساعد سكرتير الدولة لشؤون الشرق الادنى, الى اربيل من دون المرور الى بغداد كي يلتقي حليف امريكا الاول والريس السابق لحكومة اقليم كردستان , مسعود برزاني, اضافة الى عدد من المسؤولين الكرد.

وأكدت كثير من المصادر أن مساعد سكرتير الدولة والقنصل الامريكي في أربيل, ستيفن فيجين, قد اجتمعا بعدد من السياسيين السنة “لمناقشة مضامين قرار البرلمان والتهديدات التي تواجه السنة والخيارات لمواجهة كلا الموضوعين”, على ان التصريحات الامريكية لم تأت على ذكر اجتماعات مع قادة السنة في اربيل.

في نفس اليوم طار سكينر الى الامارات العربية المتحدة، وصرح من هناك بانه التقى رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي “والذي صادف وجوده هنالك”. وبعد لقائه بسكينر قام الحلبوسي بعقد سلسلة من اللقاءات مع قادة السنة البارزين.

“ان فكرة انشاء إقليم سني كانت ردة فعل لمحاولات القوى الشيعية الاستئثار باتخاذ قرارات مصيرية بدون موافقة السنة”, صرح بذلك سياسي سني كان قد شارك في اجتماعات الامارات, وقد صرح بذلك لوكالة “ميدل ايست اي” شريطة عدم الكشف عن اسمه. كما اضاف “ان مطالبنا بنشاء اقليم سني لم تبن على اسس طائفية ولكن على اسس ادارية لتطوير اقليمنا”، مبينا ان “الحضور اتفق على الفكرة وقالوا انهم سيقدمون الفكرة للجماهير في الوقت المناسب”. ان الحلبوسي, والذي يعتبر الان اقوى حليف سني لكتلة البناء البرلمانية المدعومة من ايران, والذي امن منصبه بفضل هذا الدعم, قد انكر وجود هكذا خطة, ناهيك عن الاتفاق عليها.

 

على اية حال فان عددا من حلفاء الحلبوسي صرحوا أنهم خضعوا لضغوط للمضي بهذه الخطة كما عرضت عليهم مغريات متنوعة .

إن “المحادثات بهذا الشأن لم تتوقف وازدادت وتيرتها بمرور الوقت” كما يقول عبدالله الخربيط وهو نائب سني (على حد وصف الوكالة البريطانية), عندما نقول إننا نحبذ اللامركزية في العراق، فان ذلك محور قابل للنقاش، ولكن والفيدرالية والكونفدرالية غير مقبولة لنا لأنها تعني تقسيم العراق”.

الخريطة

ليس لدى القادة السنة والشيعة الذين تحدثت اليهم “ميدل ايست أي” أدنى فكرة واضحة عن تفاصيل المشروع. الكل قال إن المشروع لا زال أفكارا لا معلومات واضحة، قد توفرت عن حدود الاقليم او اعداد المحافظات التي سيضمها او آليات حل المشكلات التي سيواجه.

إن من الواضح على أية حال ان المشروع سيبدأ من الانبار ثم سيضم محافظات  نينوى وصلاح الدين وجزءا من ديالى. ان الإقليم السني المزعوم سينشئ بادئ ذي بدء توافقا مع فقرات الدستور العراقي, والتي تسمح بإنشاء اقليم اداري على غرار كردستان. فيما بعد, فان الاقليم سيلحق بكردستان على شكل فيدرالية او كونفدرالية “تلافيا للصراع بين السنة والكرد على كركوك والمناطق المتنازع عليها”, وفقا لسياسي سني بارز. الخطوة الاخيرة, مثلما فهمت ميدل ايست أي, هي الاعتراف بالإقليم دوليا.

الدعم السعودي والاماراتي

ان دول الخليج العربي الموالية للولايات المتحدة الامريكية والتي تقودها السعودية العربية والامارات العربية المتحدة تدعم خيار الاقليم السني وتموله, صرح بذلك قادة ومسؤولون سنة وشيعة للميدل ايست أي. قال زعيم سني بارز مطلع على المحادثات “إن التمويل متوفر، والضغط الدولي قائم، والقوة العسكرية اللازمة قائمة لإنشاء هذه المنطقة”.

“لا ايران ولا القوى الشيعية قادرة على الوقوف ضد المشروع لان امريكا ودول الخليج تدعمه”. كما يقول قائد سني (بحسب وصف الوكالة البريطانية). حيث أضاف ان “اموالا هائلة واستثمارات قدمت من قبل الدول السنية والتي ستحول الانبار الى واحه خضراء وستعيد بناء المناطق المدمرة في الموصل وصلاح الدين. من سيلتفت للنفط؟”

كل الانظار على المتظاهرين

منذ اكتوبر وبغداد ومعها المحافظات الشيعية ذات الاغلبية الشيعية تهزها المظاهرات المناهضة للحكومة والتي تطالب بإنهاء الفساد, واسقاط الحكومة وانتخابات مبكرة مبنية على قانون انتخابي جديد والذي سيحد من نفوذ ايران. وقد قادت قوات الأمن العراقية وبعض الجماعات المسلحة المدعومة من ايران اجراءات صارمة و دموية على المتظاهرين والناشطين والصحفيين ردا على ذلك، مما أسفر عن مقتل نحو 500 شخص. اما المحافظات ذات الغالبية السنية فلم تشارك في التظاهرات خشية ان تتخذ ذريعة من قبل المجاميع الشيعية لتبرير اجرءات قمعية عنيفة.

وعلى الرغم من التزام غالبية السياسيين السنة الصمت حيال الاحتجاجات، فقد أبدى السنة عمومًا تعاطفًا مع قضية المحتجين الشيعة. إذ قال قادة مطلعون على المحادثات الجارية حول تقسيم العراق، إن السياسيين السنة يشاركون بجدية في المناقشات وينتظرون رؤية نتائج المظاهرات قبل اتخاذ قرار بشأن طريقهم.

ونقلت الوكالة عن زعيم سني بارز على دراية بالمحادثات إن “الاجتماعات تعقد على قدم وساق، ويحضرها جميع الزعماء السنة، لكنهم ينكرون ذلك علانية، في انتظار الظروف التي تحميهم”.

وقال “إذا استطاع المتظاهرون فرض حكومة وطنية تهتم بجميع الجماهير العراقية، فإن السنة سيرفضون أي منطقة حكم ذاتي مخطط لها”. وأضاف محذرا, ان “الفشل في تحقيق ذلك سيعني دعم كل السنة لمشروع التقسيم”، مضيفا ان “السنة يرفضون ان يكونوا جزءا من الهلال الشيعي، ويرفضون الخضوع لهيمنة ايران، لذلك فانهم سيمنحون الأمريكان رخصة لبناء قواعد عسكرية في اراضيهم في مقابل منحهم الدعم الضروري لإنشاء الاقليم المنشود”.

إقرأ أيضا