جذور حادثة سحب السفراء في الخليج

ستكون نظرة سطحية تبسيطية لو أننا نظرنا إلى حادثة سحب السفراء من قطر، من قبل ثلاث دول من دول مجلس التعاون، على أنها جزء من مماحكات سياسية أو اختلافات حادة في وجهات النظر وفي الأفعال تجاه ما يجري في طول وعرض الأرض العربية، خصوصاً بعد تفجر ثورات وحراكات الربيع العربي. فالنظرة التحليلية الموضوعية تقتضي أن لا ننظر إلى ما حدث في معزل عن تاريخ سيرورة المجلس وعن عدم تناوله، حتى بعد ثلث قرن، محدٍّدات ومعايير عمله وعلاقات أعضائه به وببعضهم البعض.

 

إن معايير ومحدٍّدات كضرورة عدم التعارض بين ممارسة السيادة الوطنية والمصلحة الجامعية، أو قرارات مؤتمرات القمّة، أو ضرورة عدم التعارض بين المصالح الوطنية القطرية وأهداف وخطوات الوحدة الخليجية التي نص عليها نظام المجلس الأساسي، أو وضع خطوط حمراء لمقدار التدخّل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء والمقبول منه وغير المقبول، أو الكثير غيرها من المعايير والضوابط لم تحسم بعد.

 

والواقع أن غياب الدخول في موضوع المحدّدات والضوابط هو جزء من تاريخ عدم أخذ موضوع المجلس بجدية صارمة ولا بالتزام وطني وعروبي قومي.

 

إن عدم الجدية تتمثُل مثلا في نقطتين تنظيميتين هما:

 

أولاً: عدم اجتماع رؤساء وزارات الدول الأعضاء دورياً وفي مجلس كأعلى سلطة تنفيذية لمقررات القمم الخليجية وأعلى سلطة توجيهية رقابية لتنفيذ كل المقررات الأخرى التي تؤخذ على مستوى مجالس الوزراء واللًّجان والأمانة العامة. إن عدم إدماج رؤساء الوزارات في تركيبة ونشاطات المجلس أمر محيّر ويدل على عدم الجديّة السياسية.

 

ثانياً: الأمر ينطبق على عدم تعيين وزير في كل دولة تناط بوزارته متابعة كل أمور مجلس التعاون والتأكًّد من التنفيذ العملي الكامل لجميع القرارات والتوجيهات التي تتخذ في مؤسسات مجلس التعاون.

 

لقد ترك أمر متابعة أمور المجلس لأقسام متواضعة في وزارات الخارجية التي ليست لديها صلاحيات الضبط والرّبط بالنسبة للوزارات ومختلف المؤسسات الحكومية الأخرى وذلك بالنسبة لأمور مجلس التعاون.

 

فإذا أضيف إلى ذلك البطء الشديد في التوجه نحو الوحدة الاقتصادية (لقد احتاج المجلس لثلث قرن ليحقق وحدة جمركية غير كاملة) وفي بناء درع الجزيرة ليكون قادراً على حماية الجميع بدلاً من الاعتماد على وجود القوى العسكرية الأجنبية، وعلى الأخص المظلة الأمنية الأميركية، أدركنا مقدار عدم وجود الإرادة السياسية الإستراتيجية الفاعلة في قيادة المجلس.

 

أما عدم الالتزام الوطني والقومي فيتجلُّى في فوضى السياسات الخارجية لدول المجلس. فلا يوجد إجماع، ولا حتى تنسيق ممتاز، بالنسبة لقضايا من مثل العلاقات مع إيران أو أميركا أو \”إسرائيل\”، ولا بالنسبة لثورات وحراكات الربيع العربي، ولا بالنسبة للقوى السياسية المدنية العربية من مثل الإخوان المسلمين والسلفيين والأحزاب القومية، ولا حتى بالنسبة لما يجري من حراكات احتجاجية في داخل دول مجلس التعاون نفسه.

 

والأمثلة على التناقضات كثيرة سواء في ليبيا أو سوريا أو لبنان أو العراق أو مصر أو فلسطين أو إيران.

 

على ضوء كل تلك النواقص في تركيبة المجلس وطرق عمله وإنجازاته المتواضعة وعلاقاته مع وطنه العربي وإقليمه والساحة الدولية، هل يستغرب وصول الأمور إلى حدّ استدعاء السفراء والحروب الإعلامية البشعة والتلاسنات السياسية غير المسؤولة؟

 

إن موضوع مجلس التعاون يذكرنا بموضوع صحة جسم الإنسان، فإذا لم يمارس الإنسان عبر السنين خطوات وقائية بالنسبة لنوع طعامه وعاداته وتفاعلاته النفسية مع محيطه وممارساته الرياضية، فهل يحلم بأن جسمه لن يتعرض لمختلف الأمراض والعلل والعاهات؟

 

من المؤكد أن مؤتمر القمّة في الكويت سيتعامل مع الموضوع من خلال الوساطات العربية الأخوية الشهيرة، لكن ذلك لن يكون أكثر من علاج لأعراض المرض، وليس المرض نفسه.

 

فالمطلوب هو مجلس يقي نفسه ويقي أعضاءه من العثرات والصّراعات المستقبلية وليس مجلساً يعالج بصورة مؤقتة تلك العثرات والصّراعات المرضيّة كلًّما وجدت.

 

بصراحة تامة لا يهم شعوب مجلس التعاون معرفة تفاصيل ما حدث، وإنما يهمّها ألا يحدث ما يمكن أن يقضي على حلمها في تحقيق وحدة دول المجلس في كيان متناغم متعاون يخدم نفسه ويخدم أمته العربيّة.

 

* سياسي ومفكر بحريني تولى سابقا منصب وزير التربية والتعليم في البحرين، كما أنه عضو في مجلس أمناء المنظمة العربية لمكافحة الفساد، CNN

إقرأ أيضا